فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الاستثمار الحذر يحدّ من تطور المدن الصناعية في ريف حلب

ابراهيم ابو سيف

بعد سنوات على إنشائها ما تزال المدن الصناعية تفتقر إلى الدعم لتسهيل عملها وتنشيط الصناعة في أرياف حلب، ما يحول دون تحقيق بيئة مناسبة لجذب المستثمرين والصناعيين في المنطقة

تراجع القطاع الصناعي إلى نحو نصف الناتج من الصناعات التحويلية في سوريا بشكل عام، زادت هذه النسبة في محافظة حلب خاصة في أريافها الشمالية والشرقية حتى عام 2020، قبل أن تبدأ مدن صناعية بالتشكل في ست مدن رئيسة ساهمت وإن بشكل خجول بدعم القطاع الصناعي أملاً في تعافٍ لم تظهر نتائجه حتى الآن.

وتوضح دراسة لليوم التالي نشرت في أيلول من العام الماضي أن حجم الانخفاض في ناتج قطاع الصناعات التحويلية  وصل إلى 43% حتى عام 2020، وتحدّثت الدراسة عن ترهّل شديد وعجز في تجاوز الصعوبات المتعلقة بالحصول على المواد الأولية وضعف الأسواق وصعوبة تأمين الكهرباء والوقود وغياب الاستقرار الأمني والمؤسسات الحكومية الفعالة والشفافة.

الدراسة وصفت المنشآت الصناعية في شمال غربي سوريا بالورشات البسيطة التي يباع 97% من إنتاجها في السوق المحلي، بينما تصدر فقط 3% إلى دول مجاورة مثل العراق وتركيا.

ولإظهار أثر إنشاء المدن الصناعية في أرياف حلب الشمالية والشرقية على العمال وأنواع المواد المصنعة وحجم الإنتاج، سنفرّق بين مرحلتين: ما قبل إنشاء المدن الصناعية وبشكل أدق بداية عملها وما بعده، إذ تشير دراسة لوحدة تنسيق الدعم صدرت في عام 2021، قبل بداية العمل الفعلي للمدن الصناعية، إلى أن قطاع الصناعة يوفر فقط 2% من فرص العمل المتوفرة، وأن 26% من العاملين في المنشآت فقط هم من الحرفيون الذين يتقنون مهنتهم.

وبحسب دراسة وحدة تنسيق الدعم تتصدر الصناعات الغذائية، ذات طابع الاستهلاك المحلي قائمة المنشآت الصناعية، تليها وبشكل أقل صناعات استهلاكية مثل المدافئ ومواد البناء ومواد التنظيف و تتذيل القائمة صناعة البلاستيك وإعادة تدوير الحديد.

توزّعت هذه الصناعات قبل أن تنشأ المدن الصناعية فيما يعرف بالمناطق الصناعية وهي التي تقع على أطراف أو ضمن المدن السكنية وتحتوي على عدد من الورش الصناعية الصغيرة التي تخدم الاحتياجات الصناعية اليومية لحياة السكان، بحسب دراسة لمركز جسور.

وتفرق الدراسة بين المناطق والمدن الصناعية والتي عرفتها بمنطقة تتموضع خارج المدن وتتضمن منشآت صناعية مزودة بنظام مواصلات ونقل لخدمة عملياتها، وهي مدن مستقلة بذاتها تحتوي على إدارة مستقلة عن الإدارة المحلية.

جزء من المدينة الصناعية في مدينة الباب- فوكس حلب
جزء من المدينة الصناعية في مدينة الباب

إنشاء المدن الصناعية المؤشر الأهم على التنمية، بما تسهم به من تعزيز للناتج المحلي وزيادة فرص العمل، لكن وبالرغم من إنشاء ست مدن صناعية في أرياف حلب الشمالية والشرقية ما تزال معظم مقاسم هذه المدن ومحلاتها غير مستثمرة، كما يندر وجود الصناعات المتنوعة أو الفريدة عنها، والمنشآت الكبيرة مثل المعامل.

ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها ضعف المساعدات الحكومية، إذ يشترط في تنشيط عمل المدن الصناعية مساعدة الدولة لها على تنمية مصانعها وتعزيز الصناعات الرئيسية وتوفير البنى التحتية اللازمة، إضافة لحذر المستثمرين من المجازفة بإنشاء مثل هذه الصناعات في المنطقة مع وجود حالة من الغموض في السياسات الإدارية والاقتصادية، بحسب دراسة أعدها مركز الحوار السوري.

تسهيلات محدودة قدّمتها المجالس المحلية للمدن الصناعية المنشأة في مناطقها منها تسهيل الدخول والخروج للصناعيين والتجار من وإلى تركيا، ووصل هذه المدن بشبكة طرقات إلى المعابر وضمانات بخصوص الحماية الأمنية، إلّا أن الصعوبات الكثيرة مثل غياب مصادر التمويل والمصارف والأرقام والإحصائيات أعاق جذب المستثمرين وقصر عمل معظم الصناعات على استثمارات صغيرة ومتوسطة تلبي الاستهلاك المحلي.

يفسّر ذلك ما تم شغله من المدن الصناعية الستة في أرياف حلب ونوع الصناعات فيها، وما يمكن قياسه بين ما كانت تهدف له وما تحقق على أرض الواقع، مع مراعاة وجود تطور غير سريع في أعدادها وتنوعها، بحسب مشاهدات وتصريحات حصل عليها فوكس حلب لعمل المدن الصناعية.

مدينة الراعي الصناعية

بدأ العمل في المدينة الصناعية التي أنشئت على مساحة مليون متر مربع شمال شرقي مدينة الراعي بريف حلب، وعلى بعد 2,8 كيلو متر من المعبر الحدودي مع تركيا  في 11 تشرين الثاني 2020

مدخل المدينة الصناعية في بلدة الراعي شمالي حلب- فوكس حلب
مدخل المدينة الصناعية في بلدة الراعي شمالي حلب

بعد ثلاث سنوات على إنشائها، يبلغ حجم الاستثمار في مدينة الراعي الصناعية 15,8% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن 220 منشأة فقط من أصل 1392 مخصصة هي قيد العمل بين منشآت كبيرة ومتوسطة وورش، يعمل بها أكثر من 6 آلاف عامل، من أصل توقعات بوصول هذه الأعداد إلى 30 ألف عامل مستقبلاً.

تباع هذه المنشآت التي يمتلكها المجلس المحلي في المدينة بعد شرائها من أصحابها وفرزها إلى المستثمرين وفق عقود مبرمة بين المستثمر والمجلس المحلي. وتحوي المدينة على معامل وورش لصناعة  (شوال -صهر حديد -ألبسة -أحذية -نسيج -حدادة -اسمنت -اسفلت -تغليف للمواد الزراعية والغذائية)

الصورة من معمل في بلدة الراعي شمالي حلب- فوكس حلب
الصورة من مصنع في بلدة الراعي شمالي حلب

مدينة الباب الصناعية

تأسست المدينة الصناعية شمال غربي الباب في شباط 2018، وعلى مساحة تقدّر بنحو 56 هكتاراً. بعد خمس سنوات ونصف السنة على إنشائها، يبلغ حجم الاستثمار في مدينة الباب الصناعية نحو 12,5% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن 50 منشأة فقط من أصل 400 مخصصة هي قيد العمل، يضاف إليها 12 منشأة ما تزال قيد الإنشاء. يضاف إليها 171 محلاً حرفياً قيد الإنشاء.

مدخل المدينة الصناعية في مدينة الباب- فوكس حلب
مدخل المدينة الصناعية في مدينة الباب

وتعود ملكية مدينة الباب الصناعية إلى رجل الأعمال عمر واكي، والذي حصل على ترخيص بتنظيمها كمدينة صناعية.  وتباع وفق عقود بين مجلس الإدارة المشكل في المدينة والمستثمرين.

ويتوزع نحو 1000 عامل و 30 موظفاً على المنشآت الصناعية في مدينة الباب وتتنوع صناعاتها بين الصناعات النسيجية والغذائية والكيميائية مثل صهر المعادن والدهانات والحقن البلاستيكية والأحذية والحلاوة وأكياس النايلون، إضافة إلى معمل للأدوية والأوكسجين وبواري الحديد وتنك الزيت قيد الإنشاء.

وتوفّر إدارة المدينة الصناعية خدمات الكهرباء والصرف الصحي والحراسة وكاميرات المراقبة والإنترنت وشركات الشحن والطرق.

الصورة من معمل خياطة في مدينة الباب- فوكس حلب
من معمل خياطة في مدينة الباب

مدينة مارع الصناعية

تأسست المدينة الصناعية شمال مدينة مارع في 2018، وبدأ العمل بها في منتصف عام 2021. بعد خمس سنوات إنشائها، يبلغ حجم الاستثمار في مدينة مارع الصناعية نحو 50% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن 50 منشأة من أصل 100 مخصصة هي قيد العمل يضاف إليها منشآت قيد التجهيز.

وتعود ملكية مدينة مارع الصناعية إلى أصحابها وتشترى من قبل المستثمرين وتوثق بسندات ملكية.

ويتوزع نحو 500 عامل على المنشآت الصناعية في مدينة مارع وتتنوع صناعاتها بين الصناعات الغذائية والكيميائية والاستهلاكية مثل صناعة (حصر البلاستيك وصناعة سيف وليف الجلي وصناعة أنابيب بلاستيكية وصناعة أبواب ونوافذ PVC وقص الاسفنج والمناديل المعطرة والمنظفات والألبسة وتحميص وتغليف البن والمكسرات وأكياس النايلون والمثلجات).

وتوفّر إدارة المدينة الصناعية تسهيلات دخول وخروج للصناعيين والمواد الأولية من وإلى تركيا ودول العالم، إضافة لتسهيلات التصدير والإعفاء من الرسوم ومنح شهادات المنشأ، كذلك البنى التحتية والخدمات العامة من طرقات وصرف صحي ومياه شرب وكهرباء وسيارات إسعاف ومطعم للوجبات السريعة.

من معمل في مدينة مارع
من مصنع في مدينة مارع

مدينة صوران الصناعية 

تأسست المدينة الصناعية التي أنشئت على مساحة 60 ألف متر مربع جنوبي مدينة صوران في 2018، وبدأ العمل بها بداية عام 2021. بعد سنتين ونصف السنة على بداية عملها يبلغ حجم الاستثمار في مدينة صوران الصناعية 50% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن 100 منشأة فقط من أصل 200 مخصصة هي قيد العمل بين منشآت كبيرة ومتوسطة وورش، يضاف إليها 5 منشأة قيد التنفيذ.

المدينة الصناعية في بلدة صوران شمالي حلب
المدينة الصناعية في بلدة صوران شمالي حلب

وتعود ملكية مدينة صوران الصناعية إلى أصحابها وتشترى من قبل المستثمرين وتوثق بسندات ملكية.

ويتوزع نحو 2500 عاملاً و 20 موظفاً على المنشآت الصناعية في مدينة صوران وتتنوع صناعاتها بين الألبسة والأقمشة والنسيج إضافة لمعمل تكرير زيوت السيارات ومعمل تغليف حبوب ومعمل بلاستيك .

من معمل خياطة في بلدة صوران شمالي حلب
من معمل خياطة في بلدة صوران شمالي حلب

مدينة إعزاز الصناعية 

تأسست المدينة الصناعية التي أنشئت على مساحة 18 هكتاراً شرقي مدينة إعزاز في 2020، وبدأ العمل بها بداية عام 2022. بعد سنة ونصف السنة على بداية عملها يبلغ حجم الاستثمار في مدينة إعزاز الصناعية 3,5% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن 3 منشآت فقط من أصل 85 مخصصة هي قيد العمل، يضاف إليها 31 منشأة قيد التنفيذ.

من معمل في مدينة اعزاز
من مصنع في مدينة اعزاز

وتعود ملكية مدينة إعزاز الصناعية إلى المجلس المحلي وتباع بسندات ملكية للمستثمرين بعد تسديد ثمنها.

ويتوزع نحو 200 عاملاً على المنشآت الصناعية الثلاث في مدينة إعزاز الصناعية، وهي معامل (مشروبات غازية ومثلجات ومناديل)، إضافة إلى مكتب شحن يحتوي 40 عاملاً. وتبلغ مساحة المنشآت بين 1000 و 10000 متراً حسب الطلب يسمح ببناء 70% منها، وتجهز إدارة المدينة البنى التحتية وتقدم تسهيلات الدخول والخروج والتصدير والاستيراد من وإلى تركيا.

مدينة جرابلس الصناعية 

تأسست المدينة الصناعية التي أنشئت على مساحة 4000 متر في مدينة جرابلس في الأول من حزيران 2021، وبدأ العمل بها في أيار من العام الحالي. يبلغ حجم الاستثمار في مدينة جرابلس الصناعية 75% من طاقتها الاستيعابية، إذ أن  150 منشأة مخصصة للورش وليس للمعامل الكبيرة من أصل 200 مخصصة، هي قيد العمل.

وتعود ملكية مدينة جرابلس الصناعية إلى القطاع الخاص وتباع بسندات ملكية إلى المستثمرين، وتقسم إلى محلات بمساحة 50 متر مربع ويحق للمستثمر العمل بها أو تأجيرها. ومن المتوقع أن توفر مدينة جرابلس الصناعية نحو 2000 فرصة عمل في الورش التي تم بيعها.

مدخل المدينة الصناعية في مدينة جرابلس
مدخل المدينة الصناعية في مدينة جرابلس

دراسة المدن الصناعية الستة يظهر ضعفاً في استثمار المدن الصناعية أو زيادة في مدن عن غيرها يتبع ذلك للخدمات المقدمة ومستوى الأمان الذي تتمتع به، إذ تزيد في جرابلس على سبيل المثال عنها في مدينة الباب، وفي صوران عنها في إعزاز، ما يتطلب جهداً إضافياً لدعم القطاع الصناعي وتشجيع المستثمرين عبر خلق بيئة مناسبة لعملهم، وتتجلى أبرز هذه التحديات في تأمين أسواق التصريف ودعم الاستقرار وتأمين الوقود والكهرباء، إضافة لاستصدار قرارات تفيد بتسهيل التصدير ودراسة السوق والاكتفاء المحلي لدعم الصناعات في الداخل السوري.