تراجع سعر التين المجفف المعدّ للتصدير في شمال غربي سوريا إلى نحو دولارين ونصف الدولار، إذ تجاوز في العام الماضي عتبة ثلاث دولارات ونصف الدولار، بعد أن سمحت حكومة الإنقاذ في إدلب باستيراد التين المجفف من تركيا و توجه التجار إلى شراء أنواع بجودة منخفضة وخلطها بالتين المحلي تمهيداً لتصديره.
قرار حكومة الإنقاذ عاد بالنفع على التجار متجاهلاً ما يتركه من أثر سلبي على المزارعين، يقول مهند الخالد، أحد مزارعي التين في جبل الزاوية، إن سياسة العرض والطلب التي تحكم أسعار المحاصيل الزراعية في إدلب ووجود تين تركي وإن كان بجودة أقل من السوري، أثر على مبيع التين وسط مخاوف بكساده.
وتحتل تركيا المركز الأول بإنتاج التين وتصديره عالمياً، بنحو 305 ألف طن، بينما تنتج سوريا نحو 43 ألف طناً يصدّر القسم الأكبر منها وتقع في المركز السادس من حيث الإنتاج العالمي.
يقول علاء بركات، أحد المسؤولين في شركة المنار التجارية العاملة في تصدير المواد الغذائية من إدلب إلى دول العالم، إن نحو ٣٠% من إنتاج العام الماضي من التين في تركيا الذي وصفه بـ “الوفير” تعرّض للكساد. ويفرز التين بحسب جودته، وتصدّر تركيا الأنواع ذات الجودة العالية إلى أوروبا وأمريكا، بينما كانت حصة الشمال السوري الأصناف ذات الجودة المنخفضة، على حد قول بركات.
ويلجأ التجّار في سوريا إلى شراء الأنواع الرديئة من التين التركي لانخفاض ثمنها مقارنة بأسعار التين المحلي، ويقدّر بركات سعر طن التين المستورد من تركيا بنحو 1800 دولار، ينظّف ويعلب ويخلط بالتين المحلي ويعاد تصديره كمنتج سوري.
ويضيف بركات “يقدم مستورد التين للمعبر أوراقاً تصنفه على أنه علف للحيوانات، لكن ما يحدث خلاف ذلك، إذ يعاد تنظيف وتبييض التين في ورش مختصة ويخلط بالتين المحلي لتصديره”.
يقول الخالد “هذه العملية خفّضت أسعار التين المحلي من جهة وأساءت لسمعته من جهة أخرى”، مؤكداً أن “نتائج هذه العملية ستظهر خلال السنوات اللاحقة، وأن مزارعي التين يخشون توقف الطلب على التين السوري نتيجة غشّه، خاصة وأنه يصدّر إلى دول عديدة في لبنان والخليج العربي وبعض الدول الأوروبية، ويمتلك سمعة جيدة فيها”.
زراعة التين ثالث أهم المحاصيل في شمال غربي سوريا بعد الزيتون والكرز، إذ تقدّر آخر إحصائية لوزارة الزراعة في إدلب عدد أشجار التين عام 2020، بنحو 873,368 شجرة، منها 838.900 شجرة مثمرة بعلية، تتوزع على نحو 4500 هكتاراً، تنتج وسطياً نحو 17.5 ألف طن، بحسب المجموعة الإحصائية في وزارة الزراعة.
ومع سيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من القرى والبلدات في إدلب تقلصت مساحة الأراضي المزروعة بالتين والتابعة لحكومة الإنقاذ إلى نحو 1735 هكتاراً تتوزع فيها نحو 329 ألف شجرة، يقدّر إنتاجها بنحو 4000 طن.
وللعام الثاني على التوالي تسمح حكومة الإنقاذ باستيراد التين التركي، إذ قدّرت وزارة الاقتصاد الكميات المستوردة من التين المجفف في العام الماضي بنحو 4000طن، وهي الكمية ذاتها المنتجة محلياً.
وحول تأثير التين التركي على الموسم المحلي يقول بركات إن معاون وزير الاقتصاد في حكومة الإنقاذ أكّد خلال اجتماع مع التجار في العام الماضي على أن التين التركي يدخل إلى الأراضي السورية ضمن معايير جمركية وبجودة وصفها بـ “الجيدة”، وهناك نوع آخر يستورد كعلف للحيوانات، وأن الحكومة تحرص على حرية الاستيراد والتصدير للمنتجات المتوفرة كافة.
وقال حمدو الجاسم، مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد إن الحكومة لم تمنع دخول المنتجات التركية، وأن حماية المنتج المحلي يخضع لدراسات للتكلفة والإنتاج وتحقيق الاكتفاء من المادة في المنطقة وما إن كانت السلعة للتصدير أو الاستهلاك المحلي.
وقلل الجاسم في حديثه لفوكس حلب من تأثير استيراد التين التركي على المنتج المحلي، وأوضح أن نوعية التين في شمال غربي سوريا أكثر جودة ومعظمه يكون للتصدير أما التين التركي فهو للاستهلاك المحلي لانخفاض ثمنه. وتحدّث الجاسم أن السماح باستيراد التين التركي وفر فرص عمل لنحو ألفي شخص يعملون في 23 مشغلاً مخصصة لتنظيف وتبييض التين.
حديث الجاسم ومعاون وزير الاقتصاد قابله مزارعون للتين بالرفض والاستغراب، يقول الخالد “لا يعدّ التين المجفف من أساسيات السلع التي يمونها المواطن في إدلب سابقاً، أما حالياً فالوضع الاقتصادي لا يسمح بشراء الخبز فكيف بالتين المجفف!”.
ويضيف الخالد “معظم التين التركي عبئ في مشاغل وصدّر إلى الخارج وليس للتين المحلي؛، وتساءل “إن كانت الحكومة قد حددت عند استيراده منع تصديره مرّة أخرى، وفيما إن كانت الحكومة أو المعابر تستطيع فرز التين التركي عن السوري؟”.
محمد، تاجر تين في إدلب، قال إن الاستهلاك المحلي من التين المجفف لا يتجاوز 20% من الإنتاج، وأن من يخزن التين لأكله في الشتاء هم أصحاب الأراضي في قسم من محصولهم أو ما يهدونه إلى أقاربهم ومعارفهم وبعض الميسورين.
وأكد محمد أن هناك فائض في الإنتاج المحلي لتصديره في كل عام، وأن قرار الحكومة السماح باستيراد التين ستجبر المزارعين على بيع تينهم بأسعار تقارب التين التركي أو كساده ما يعرضهم للخسارة، خاصة وأن الظرف الاقتصادي واعتماد المزارعين على مواسمهم لتأمين لقمة العيش تحول دون تخزين التين لفترات طويلة.
ويخزّن التين المجفف بعد تعقيمه بحبة الغاز وإغلاق أكياسه لفترة من الزمن للقضاء على الديدان وبيوضها ثم يعمل أشخاص على فرزه بحسب جودته وحجمه إلى عدة أصناف. وينظّف التين بعد نقعه بماء الأكسجين اليوم خلافاً لما كان يستخدم سابقاً في التنظيف بمادة الكبريت.
ويبلغ إنتاج شجرة التين المخدّمة بالشكل المناسب نحو 80 كيلو غراماً من التين الطازج، 20 كيلو غرام من التين المجفف، لكن أسعاره الحالية تسبب تراجعاً في أرباحه، خاصة مع ارتفاع التكلفة، إذ يدفع المزارع، بحسب أم مصطفى مالكة أرض زراعية في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، 15 دولاراً تكلفة حراثة الدونم الواحد، 10 دولارات رش مبيدات حشرية ومثلها للأسمدة والتقليم، إضافة لأجور العمال، إذ يتقاضى عامل المياومة بين 75 إلى 125 ليرة تركية من (3-5) دولارات عن اليوم الواحد، خاصة في المناطق المتاخمة لقوات النظام أو التي تتعرض للقصف.
يقول أبو قاسم مالك أرض زراعية في قرية البارة بريف إدلب الجنوبي “عم اضطر أعطي أجرة زيادة للعمال لتروح معي لأنه تخاف ع أرواحها”.
قرارات غير مدروسة تصدر في كل مرة من قبل الحكومة، يستفيد منها التجار ومن ورائهم دون الأخذ بالاعتبار مصلحة المزارعين، أو اتخاذ إجراءات لحماية المنتج المحلي خاصة وأن إغراق السوق بمواد غير أساسية مثل التين المجفف لن يعود بالنفع على السكان، أفضل ما يمكن أن يحققه فائدة للتجار والحكومة من خلال الرسوم وآثار سلبية مستقبلية على تصدير التين مستقبلاً.