فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مراكز التجميل: تجارب متفاوتة ونتائج مختلفة بين سيدة وأخرى

مرام حمزة

تضاعف عدد مراكز التجميل والعناية بالبشرة والجسم في منطقة إدلب، تقصدها شابات لأهداف متنوعة. تعكس تلك المراكز تعطش المنطقة إلى وجودها ورغبة النسوة في البحث عن تفاصيل تخصهن وتهتم بهن

قصدت دعاء شابة مقبلة على الزواج عدة مراكز تجميل في مدينة إدلب لتختار الأفضل منها، بهدف إجراء جلسات معينة قبل زفافها، كإحدى التجهيزات التي تسبق العرس، بعد نصائح عدة من صديقاتها.

في أحد مراكز التجميل ذات الواجهة الوردية اللون، جلست ابنة الأربعة وعشرين ربيعاً في قاعة الاستقبال مع عدة نساء أخريات بانتظار دورها للحصول على شرح واف عن خدمات المركز، وانتقاء الجلسة المناسبة لها. تقول: “تبادلت الحديث مع النسوة حول فوائد الجلسات من تجاربهن. كنّ بأعمار متفاوتة، بين 18 وحتى 45 عاماً. قسم منهن يتابعن جلسات الليزر أو العناية بالبشرة منذ عدة أشهر، وقسم مثلي يزرن المركز لأول مرة.”

اختارت دعاء جلسة الميزوثيربي، وهي تقنية تجميلية غير جراحية، تعمل على مبدأ حقن البشرة بمزيج من المعادن والفيتامينات التي تعالج المشاكل مثل الندبات وحب الشباب والبقع، وتساعد على توحيد لون البشرة وإزالة التصبغات وشد البشرة. تقول دعاء: “كانت نتائج الجلسة فورية، وفي أقل من أسبوع واحد لاحظت الفرق، وزادت ثقتي بنفسي وكل من رآني من صديقاتي أعجبن بالنتائج. لقد كانت هذه الجلسة هدية لنفسي قبل الزواج.”

تبلغ تكلفة هذه الجلسات حوالي 20 دولاراً وتنتهي بمدة لا تزيد عن ربع ساعة فقط. تخبرنا دعاء وهي تبتسم أنها تألمت قليلاً نتيجة وخز الإبر، ولكنه ألم تستطيع الفتاة تحمله من أجل زيادة جمالها، فلكل شيء ضريبة، حسب قولها.

افتتحت في منطقة إدلب والمدن الرئيسية حولها، مراكز عدة مختصة بالتجميل والعناية بالبشرة والجسم تحت مسميات كثيرة. يغلب عليها الطابع الأنثوي واللون الوردي كونها تجذب النساء بشكل أكبر من الرجال. وقد تضاعف عددها في السنتين الأخيرتين، إذ لم تكن هذه المراكز موجودة بهذا العدد من قبل، وإنما اقتصرت على مركز واحد أو اثنين وعلى نطاق ضيق. أما قبل الثورة فقد كان هناك مركز واحد فقط، وتوقف عن العمل عقب الأحداث، حسب قول عدد من أهالي مدينة إدلب.

تقصد سيدات وشابات كثيرات اليوم هذه المراكز لأهداف متنوعة، معظمها تصب في خانة التجميل والبحث عن أفضل الخدمات المقدمة للعناية بالبشرة والجسم. تقول عدة نساء تحدثنا إليهن إن تلك المراكز أمنت لهن مكاناً لزيادة اهتمامهن بجمالهن وثقتهن بأنفسهن، إذ تقدم معظم تلك المراكز الخدمات التالية: الهيدرافيشال، والبلازما للشعر والوجه، والديرمابن، الميزوثيربي، وهي جلسات للعناية بالبشرة بأجهزة حديثة، فضلاً عن شد الترهلات في الجسم والبشرة واليدين، وإزالة الشعر غير المرغوب به من كافة أنحاء الجسم وإزالة الشامات، والزوائد اللحمية، وتكسير الدهون، إضافة إلى وجود قسم التغذية والعناية بالوزن والقوام المثالي، فيما تختص مراكز قليلة بزراعة الشعر وإزالة الوشم.

ليس هوس التجميل ما يدفع الفتيات لارتياد تلك المراكز فحسب، بل هناك أسباب طبية قد تكون وراء الخضوع لجلسات علاجية، إذ لم تفكر هبة (27 عاماً) قبل عامين أنها ستخضع لرحلة علاج طويلة من جلسات الليزر لإزالة الشعر الزائد من جسمها، بعد خلل في هرموناتها أثرت على نمو الشعر بشكل واضح في مختلف أنحاء جسدها لاسيما في بشرة الوجه، وبات مظهرها غير لائق ويتعارض مع أنوثتها، حسب وصفها.

تتابع هبة جلسات الليزر في جميع المراكز المتوفرة في مكان سكنها، إذ تنقلت خلال العامين الماضيين بين عدة مناطق في الشمال السوري، ما جعلها تجري تجارب متنوعة في مراكز مختلفة، تشترك جميعها بأنها مراكز تجميلية، وتختلف في نوعية الأجهزة الموجودة، والكادر المتخصص والأسعار المطلوبة.

الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب
الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب

تقول هبة: “لم تكن تجربة ارتياد مراكز التجميل أمراً اختيارياً بالنسبة لي كحال كثير من السيدات. ولكن بعد أخذي جرعات معينة من الأدوية سببت لي نمواً كثيفاً في شعر الجسم. وبناء على نصائح عدة من صديقاتي خضعت لجلسات الليزر. ومنذ عامين إلى اليوم تفاوتت نسبة الاستفادة من الجلسات. وأدى تنقلي بين عدد منها إلى اختلاف النتائج. حققت استفادة نسبة 60 بالمائة فقط، في حين أن الإعلانات وما أخبرتني به العاملات والموظفات في المراكز أن النسبة مضمونة مائة بالمائة، إلا أن التجربة تقول غير ذلك.”

هل تصلح مراكز التجميل ما أفسدته سنوات الحرب؟

بعد افتقاد المراكز التجميلية في السنوات السابقة، نظراً لخصوصية المنطقة والأحداث التي عاشتها من حرب وصراع ونزوح مستمر، جعل كفة التجميل من الأمور المنسية وخارج حسابات الأهالي من النساء والرجال معاً.

لا تقتصر تلك المراكز على تقديم خدماتها للسيدات، وإن كان المظهر العام وألوان واجهات المراكز يغلب عليها الطابع الأنثوي، إلا أنها تخصص قسماً للرجال، كعمليات زارعة الشعر وإزالة الوشم وعمليات قص المعدة وتصحيح التشوهات الخلقية أو الناتجة عن إصابات حربية وكافة العمليات الجراحية والترميمية في مراكز مختصة بها.

إذ تُجرى العمليات الجراحية في مركز طبي متخصص بكوادر طبية، حسب ما أخبرنا به الطبيب أحمد صطوف، مدير المركز الأكاديمي للتجميل والليزر وطب الأسنان في مدينة إدلب، الذي يعد المركز الوحيد في الجراحة التجميلية الترميمية وقسم الحروق والتشوهات والندبات في المنطقة.

افتُتح المركز في مدينة إدلب في عام 2021، كمركز متخصص وشامل لكل أنواع التجميل والترميم والليزر والعمليات الجراحية، بما فيها عمليات الأنف والشفاه والصدر وزراعة الشعر، وهي حسب ما أكده صطوف لا تزال مستهجنة اجتماعياً، وتجري بشكل محدود جداً وسري أحياناً، إذ يفضل المرضى عدم البوح بها حفاظاً على الخصوصية. يقول لنا: “حتى هذه العمليات الغرض منها علاجي وترميمي وليس مبالغة في التجميل.”

مراكز كثيرة وإقبال ضعيف

حتى عام 2019 كانت مراكز التجميل قليلة جداً، ونسبة الإقبال عليها محدودة أيضاً. ولكن في السنوات الثلاث الماضية زاد عدد المراكز بشكل مضاعف، حسب ما أكده الطبيب صطوف.

جميع المراكز مرخصة وتتبع لوزارة الصحة في إدلب. إلا أنه وبعد التواصل مع الوزارة للحصول على إحصائية رسمية عن عدد المراكز المنتشرة في المنطقة ومعرفة شروط معايير الترخيص المطلوبة، تم رفض الإجابة أو إعطاء أية معلومة بخصوص مراكز التجميل، دون معرفة السبب.

الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب
الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب

رغم الإقبال على مراكز التجميل، إلا أن ارتفاع تكاليف العمليات التجميلية تمنع كثيرات من تحقيق أمنياتهن بإجراء عملية تجميلية، بحسب الطبيب صطوف، مع أنها – حسب قوله – أقل من تكلفة العمليات التي تجرى في تركيا. بيد أن المنظمات الإنسانية تتكفل بتغطية تكاليف بعض العمليات، شريطة أن تصب في خانة العمليات الجراحية العلاجية مثل الحروق والتشوهات الناتجة عنها.

ما نوعية الأجهزة؟

جميع الأجهزة الموجودة في معظم المراكز هي مستوردة من تركيا، وتتفاوت جودتها حسب السعر والمنطقة المصنعة، إذ يتم الاعتماد على تجميع القطع من عدة شركات، كنوع من التحايل على السعر والحصول على الجهاز بجودة عالية وسعر منخفض.

ولتوضيح ذلك شرح الطبيب مثالاً عن أحد أنواع أجهزة الليزر المجمعة كأن تكون القبضة أمريكية، وجهاز التبريد ياباني، وبالتالي نحصل على جهاز بتكلفة 20 ألف دولار بدلاً من أربعين أو ستين ألف لو كان من ذات الشركة المصنعة.

الكوادر المتخصصة

تشرف على عدد من المراكز كوادر متخصصة كطبيب جلدية وصيدلانية وممرضة وفننين متدربين على استعمال الأجهزة. كما يوجد، حسب ما ذكرت عدد من السيدات اللواتي تحدثن عن تجاربهن، مراكز تفتقر إلى الكوادر الطبية المتخصصة وتقتصر على متدربات فقط.

وهناك صالونات نسائية تدير جلسات إزالة الشعر والعناية بالبشرة من قبل “الكوافيرة” فقط بعد شراء الأجهزة ومعرفة كيفية استخدامها، إذ تتخوف نساء كثيرات من الخلط بين العمل في الجانب التجميلي كتجارة مادية ربحية تمارس من قبل أشخاص ليست لديهم المعرفة الكافية ما يتسبب بأضرار لدى البعض، وبين الحاجة الفعلية للعمليات الجراحية التجميلية من قبل أطباء مختصين.

هذه العشوائية التي وصفتها الشابة سلمى (30 عاماً) من خلال تجربتها في عدد من المراكز للبحث عن أفضل نتائج ممكنة، جعلت التجارب متفاوتة، والنتائج مختلفة بين سيدة وأخرى، ومن مركز لآخر.

خضعت سلمى لأكثر من 15 جلسة إزالة الشعر بالليزر، استمرت لأكثر من عام تقريباً لكامل الجسم. تكلفة كل جلسة 100 دولار. وهناك عروض وتخفيضات تقدمها معظم المراكز لاستقطاب عدد من الزبائن، تتراوح ما بين 50 إلى 70 دولاراً، وهو مبلغ مرتفع جداً حسب قولها، لذا كانت تنتظر فترات العروض والتخفيضات لتكمل الجلسات، في حين تكون تكلفة منطقة محددة من الجسم كالوجه مثلاً أو الساقين أو اليدين حوالي 10 دولارات فقط. لذا تحظى هذه الجلسات بإقبال أكثر كون المبلغ أقل.

سلمى واحدة من الموظفات في إحدى منظمات المجتمع المدني، تمكنت من إجراء الجلسات، رغم تكاليفها المرتفعة، إلا أن معظم النساء من طبقات محدودة الدخل أو حتى المتوسطة لا يستطعن زيارة هذه المراكز ومتابعة الجلسات، بل تقتصر على الموظفات والعائلات الميسورة الدخل، وهذا ما لاحظته سلمى من خلال زياراتها المتكررة إلى المراكز واحتكاكها مع باقي النساء الموجودات ضمن المركز.

ووفقاً لطبيبة الجلدية مايا عبد اللطيف، مديرة مركز باربي سنتر للتجميل في مدينة سرمدا، قالت: إن النساء بفطرتهن هن أكثر هوساً بعمليات التجميل لزيادة جمالهن وشعورهن براحة نفسية، سواء الشابات العازبات أو المتزوجات. غير أن الوضع المعيشي للأهالي في المنطقة جعل الإقبال قليل نوعاً ما، ويقتصر على جلسات العناية بالبشرة والليزر لمنطقة واحدة عند معظم الحالات التي تزور مركزها.

ثمة اختلاف واضح في نتائج جلسات العلاج المتوفرة في المراكز، خاصة جلسات الليزر وإزالة الشعر، إذ تتفق عدد من النساء اللواتي أجرين تلك الجلسات أن النتائج لم تكن مرضية لهن مائة بالمائة، كما توقعنّ بناء على الإعلانات المكثفة التي تنشرها المراكز في وسائل التواصل الاجتماعي، أو أثناء الشرح للسيدة عن الفائدة المرجوة. هذا ما أكدته ولاء (28 عاماً) معلمة مقيمة في إدلب، خضعت لعدة جلسات إزالة الشعر من منطقة الوجه بالليزر.

الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب
الصورة من مركز تجميل في مدينة إدلب

تقول: “إن الجلسة الأولى كانت مرضية، وشعرت بتحسن واضح في بشرتها، وبعد فترة عادت الشعيرات للظهور بشكل أقوى”، وشبهت وجهها (بالرجل) لكثافة الشعر الذي نبت فيه، ولونه الداكن وسماكته، وذلك لأن أي سيدة تجري ليزر عليها أن تحلق المنطقة بأداة تسمى (الشفرة) ثم تخضعها لليزر، ما يتسبب بنمو الشعر بكثافة في حال توقف العلاج، وتحتاج السيدة من 10 إلى 15 جلسة متتابعات لاستكمال العلاج، بمعدل جلسة كل شهر لأول أربع جلسات، ثم كل شهرين جلسة. إلا أنه رغم انتهاء عدد الجلسات المخصصة، يجب القيام بجلسات داعمة لتحقيق أثر أكبر.

هذا ما وضحه الطبيب صطوف، الذي أكد أنه لا يوجد شيء اسمه ليزر دائم واختفاء للشعر مائة بالمائة. ولتحقيق نتائج مرضية يبقى هناك جلسات متابعة رغم انتهاء فترة العلاج، وهذا ما يخبره للسيدات في المركز قبل أن يخضعن للعلاج.

فضلاً عن عدة عوامل تتحكم بنمو الشعر، منها الحالة الهرمونية للسيدة، وطبيعة الجسم، ونوعية الشعر ولونه وغزارته، ونوعية الأجهزة المستخدمة في الجلسات، يقول الطبيب: “إن بعض المراكز تعطي صورة مبالغاً فيها عن نتائج الجلسات، وقد تسبب صدمة للمريضة بعد حصولها على نتيجة أقل مما هو متوقع، ما يستدعي من القائمين على العلاج الشرح الكافي لها قبل البدء بالجلسات لتكون على معرفة كاملة بالنتائج.”

فيما لاقت السيدة الثلاثينية نجاح، فائدة كبيرة من جلسة البلازما للشعر والبشرة بنسبة قدرتها حوالي 90 بالمائة. حقن البلازما هي إحدى التقنيات التجميلية الحديثة التي تعمل على زيادة نضارة البشرة وإخفاء عيوبها، عن طريق فصل البلازما من دم المريضة عن كريات الدم الحمراء، ثم حقنها في وجه المريضة مرة أخرى كي تستعيد البشرة نضارتها وحيويتها، حسب ما تم شرحه للسيدة نجاح.

تقول لنا إنها حصلت على بشرة تشبه بشرة الأطفال، وتشجع السيدات على إجراء تلك الجلسات لما لها من فائدة كبيرة على جمال السيدة، وقد نصحت شقيقتها العشرينية بذلك.

وفرت هذه المراكز في إدلب مساحة نسائية تعنى بالجانب الجمالي، بعد سنوات من الحرب، جعلت التفكير بالأمور الجمالية خارج حسابات الأهالي، لتعود اليوم بأعدادها المتزايدة، عاكسة تعطش المنطقة إلى وجودها ورغبة النسوة في البحث عن تفاصيل تخصهن وتهتم بهن.