ينتظر مراجعون في مستشفى مارع ساعات طويلة، قد تصل إلى أيام، للحصول على العلاج، بسبب كثرة المرضى وقلة الكوادر الطبية، بينما تغيب اختصاصات أخرى عن المستشفى، ويشتكي أهالٍ في ريفي حلب الشمالي والشرقي من سوء الخدمات الطبية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة التركية، في ظل عدم توفر بعض الأجهزة الطبية والأدوية أو غلائها، وندرة العلاج لبعض الحالات الحرجة التي تتطلب التحويل إلى المستشفيات التركية و الدخول في دوامة الأوراق للسماح لهم بالتداوي، إن حالفهم الحظ بموافقة الوالي التركي.
محمد الفرج، مهجر من مدينة حلب يسكن في مارع و أحد الأشخاص الذين خاضوا رحلة علاج طويلة بين المستشفيات ما فاقم حالة ابن شقيقه المرضية قبل تلقيه العلاج المناسب.
يقول الفرج ” أسعفت ابن شقيقي إلى المستشفى الوطني في مدينة أعزاز، الذي يتبع إدارياً لوزارة الصحة التركية، عقب تعرضه لحادث مروري أثناء قيادة الدراجة النارية، بغية تلقي العلاج اللازم للإصابة الطارئة التي من المفترض استقبالها في قسم الإسعاف بشكل مباشر”.
رفض الفرج التوجه إلى مستشفى مارع بسبب ما وصفه بـ “سوء الخدمات الصحية والاستجابة العاجلة للمرضى”، سيما وأنه خاض تجربة سابقة عندما تعرض لكسر في أصابع قدمه، اكتفى الطبيب بلفها بقماش طبي، ووصف بعض المسكنات ريثما يشفى، ليكتشف لاحقاً بأن أصابع قدميه مكسورة وتحتاج إلى علاج.
في المشفى الوطني باعزاز أجرى كادر الإسعاف لابن شقيق محمد إسعافات أولية تمثلت بـ “لف قدم المريض بشاش أبيض وإيقاف نزيف الدماء من قدمه، وتخريجه من المستشفى”، لكن وبعد يومين من عودته إلى المنزل تكرر النزف مجدداً وزاد الورم في قدمه وشكا من آلام مبرحة أجبرته على العودة إلى المستشفى.
ويروي محمد: “عندما عدت إلى المستشفى عرضت حالة ابن شقيقي على طبيب طلب مني الانتظار في غرفة المرضى، حتى موعد العملية التي قررها، وأخبرني أن مدة الانتظار قد تطول إلى أسبوع بسبب الازدحام الشديد وغياب بعض الأطباء”.
ويضيف: “سوء الحالة الصحية لابن شقيقي وتزايد الألم دفعاني لمراجعة مستشفى الهلال الأزرق الواقع قرب معبر باب السلامة، لكنه لم يستقبلنا بذريعة عدم توفر أماكن لإجراء عمليات جراحية”.
الأبواب المغلقة أمام محمد وابن شقيقه دفعهما للبحث عن علاج في إحدى المستشفيات الخاصة التي طلبت مبلغ 600 دولاراً لعلاجه وهو ما يفوق قدرته المادية. الحلّ الأخير كانت التوجه إلى مستشفى عقيربات بريف إدلب قاطعاً مسافة 120 كيلومتراً لإجراء العملية الجراحية وتلقي العلاج المجاني هناك.
ولا يقتصر تأخر العلاج على العمليات الجراحية، إذ ينتظر مئات المراجعين يومياً دورهم في قسم عيادات مستشفى مارع، ويجد المرضى صعوبة في استجابة الأطباء المتخصصين لإجراء المعاينات والكشف اللازم، بسبب الازدحام وتأخر الأطباء عن فترة الدوام القصيرة مقارنة بعدد المراجعين الكبير.
تقول دعاء، 34 عاماً، إنها اضطرت للقدوم إلى قسم العيادات في مستشفى مارع منذ الثامنة صباحاً، أي قبل بدء دوام الكادر الطبي. وتصف دعاء: معاملة قسم العيادات في مستشفى مارع العام مع المراجعين بـ “السيئة للغاية، فالأطباء غير مبالين للمريض الذي يقصدهم، فضلاً عن تعامل مكاتب الاستعلامات والسكرتاريا، التي تبدو أشبه بمعاملة أصحاب الفضل وكأنهم لا يؤجرون على عملهم في المشفى”.
وأضافت: “أن قسم العيادات يعج بالمراجعين، ورغم ذلك يتأخر بعض الأطباء عن بدء فترة الدوام لأسباب مجهولة، ما يتسبب في تأخر حصول المرضى كافة على المعاينة مع انتهاء الدوام، وهذا يعني تأجيل المعاينة ليوم آخر، ضمن الأسبوع نفسه أو الأسبوع الذي يليه”.
وأوضحت، أن بعض الحالات شديدة، والتأخر عن تلقيها العلاج يضاعف المرض، وفي الوقت ذاته قد لا يملك المريض القدرة والوقت لزيارة مستشفى مجاني آخر، أو حتى تلقي العلاج في القطاع الخاص بسبب الظروف المادية التي تحكم الناس، وهي لا تخفى على أحد.
اختصاصات معينة وبعض الحالات الطارئة تفرض تحويلها إلى المستشفيات التركية بسبب عدم توفر التجهيزات الطبية والأطباء.
اشتكت والدة علي النجار ، 45 عاماً، من حصر بول في المثانة منذ 16 ساعة، دون أن تستطيع الحركة، و تلقت مسكنات في منزلها قبل إسعافها مع ساعات الصباح الأولى إلى المستشفى لإجراء الكشوفات الطبية اللازمة، وتشخيص مرضها.
يقول علي “بدأ طبيب الإسعاف بمعاينتها لمعرفة أسباب المرض، وأخبرنا بضرورة تحويلها إلى المستشفيات التركية بسبب وضعها الصحي، لكن يجب استكمال إجراءات التشخيص وتسليمها لمكتب الترجمة”.
وأضاف “متابعة الإجراءات بين الكشوفات الطبية والتحاليل والموافقة الإدارية من المستشفى، استغرقت أكثر من أربع ساعات، حتى قام بتسليمها لمكتب الترجمة بغية رفعها للولاية للسماح بدخولها إلى الأراضي التركية”. وأوضح، أنه استطاع إسعاف والدته قرابة الساعة الثانية ظهراً، بعد وصول الموافقة من الأطراف الإدارية كافة، دون مبالاة الوضع الصحي الحرج الذي تعاني منه والدته.
وتستغرق الموافقة على طلبات تحويل المرضى إلى الداخل التركي لتلقي العلاج عدة أيام، بعد تسليمها لمستشفى الراعي للتأكد من سلامة الأوراق ورفعها إلى المكتب الأمني الذي يجري الدراسات الأمنية حول المرضى، حتى تصل في نهاية المطاف إلى الوالي الذي يسمح للمريض بدخول المريض إلى الأراضي التركية بعد الموافقة عليها.
وتعد تلك الإجراءات ضمن النظام المعتمد في التعامل مع المرضى إلا الإسعافات الضرورية التي تستغرق ساعات في حال كانت حياة المريض بخطر، لكن لا يمكن الخروج عنها لأنها انتقال من دولة إلى أخرى ولا يستطع كادر المستشفى البت بها، بحسب مصدر إداري في المستشفى.
رغم شهادات التقصير التي تحدث عنها المرضى خلال إعداد التقرير لا يمكن تعميم سوء الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات، على كل الأقسام والمراكز الصحية والتي قدّمت ما تستطيع خلال الفترات السابقة، لكن هذه الخدمات تراجعت بشكل تدريجي ما تسبب في تفوق القطاع الخاص على القطاع العام، في وقت تسيطر الأوضاع المعيشية والاقتصادية السيئة على حياة الناس وتعرقل حصولهم على الرعاية الصحية.
وكشف مسؤول طبي في مستشفى مارع، شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أن المستشفى كان يوفر الخدمات الصحية التي يحتاجها الأهالي بالشكل الأمثل خلال الأعوام الأولى من انطلاقته، لكن الخدمات تراجعت اليوم مع ارتفاع أعداد السكان في المنطقة، مما ساهم في فقدان قدرة المستشفيات الاستيعابية التي يقصدها المئات من المرضى في مختلف الأقسام، سيما أنه من المستشفيات المجانية.
وعزا ” تقاعس الكثير من الأطباء عن العمل، لأسباب ترتبط معظمها بانخفاض قيمة الأجور الشهرية التي يحصل عليها الأطباء، ما يدفعهم للبحث عن فرص عمل في مستشفيات ونقاط طبية أخرى، قد تكون مدعومة من المنظمات أو ضمن القطاع الخاص بحثاً عن الأجر الأفضل”.
وأضاف أن عزوف الأطباء عن العمل تسبب بعجز في بعض الأقسام، إذ عملت الإدارة على التنسيق مع الأطباء العاملين خارج المستشفى للعمل بدوام جزئي لكنهم رفضوا بسبب ارتفاع أعداد المراجعين وانخفاض الأجور مقارنة بأجور المستشفيات المدعومة من المنظمات، ما دفع إدارة المستشفى إلى اتخاذ إجراءات للعاملين في المجال الطبي من خلال منحهم إذن عبور إلى تركيا لتشجيعهم على الالتحاق بالمستشفيات التركية.
وأوضح، أنه لا يمكن تعميم جزئية سوء الخدمات الصحية وإنكار الجهود المبذولة من قبل الكوادر الطبية رغم الظروف المادية والاقتصادية.
ويقدم مشفى مارع الخدمات الصحية لأهالي المدينة وريفها من البلدات والقرى المجاورة، إضافة إلى مختلف سكان المنطقة، شريطة وجود هوية شخصية صادرة عن أحد المجالس المحلية في المنطقة، ولا يمكن حصول المريض على العلاج أو المعاينة دون وجودها.
ويعد قسم العيادات من أبرز أقسام المستشفى، إضافة لأقسام الجراحة العظمية والعامة والعصبية والعينية والفكية والبولية والصدرية والكلوية وعيادة الأوعية الدموية والجراحة السنية، وعيادات الأطفال و الداخلية والقلبية والأذن أنف حنجرة، إضافة إلى العيادة النسائية.
كما يضم المستشفى مركزاً لغسيل الكلى يعد من أبرز المراكز، ويصل عدد المرضى الذين يغسلون الكلى إلى 50 مريض بشكل شهري، كما يوفر بعض الأدوية المجانية التي توزع على المرضى، إضافةً إلى توفر قسم خاص بالعمليات الجراحية، والعنايات المشددة.
واستقبل المستشفى عشرات المصابين ضمن قسم الإسعافات الأولية والعمليات الجراحية، خلال كارثة الزلزال التي ضربت الشمال السوري في السادس من فبراير/شباط الماضي، كما ساهم طاقم قسم الإسعاف في الاستجابة الطارئة للمئات من المصابين في المناطق الأكثر تضرراً، حسب ما أوضحت الكوادر الطبية في المستشفى.
إلى ذلك، يعد المستشفى ذو أهمية كبيرة كونه يقدم الخدمات الصحية لآلاف المدنيين في ريف حلب الشمالي، لكنه لا يعاني من مشكلات عديدة وعلى رأسها نقص الكوادر الطبية، سيما الاختصاصات النادرة، إضافة إلى عدم توجيه الدعم الصحي بالشكل الصحيح ليكون مركزاً متكاملاً يوفر جميع الخدمات الصحية التي تحتاجها المنطقة، الأمر الذي ساهم في رفع الشكاوى من المراجعين.