فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

معالجة النطق عند الأطفال ليست أولوية

سلام زيدان

يمكن لمن يعانون صعوبة أو انعدام في النطق التغلب على هذه المشكلات بوجود مراكز مؤهلة لرعاية ومتابعة هذه الحالات، وهو مالا يتوفر بالشكل المطلوب في شمال غربي سوريا

يعيش سامي ضمن مخيمات الكرامة بأطمة. في كل مرة يرفض ابن العشرة أعوام الذهاب إلى المدرسة. يختار العزلة وعدم مشاركة أبناء الحي باللعب بسبب خجله من الحديث أمامهم. في معظم الأحيان يعود للبيت باكياً إثر تنمر الأطفال عليه بسبب التأتأة والتلعثم أثناء محاولته التواصل مع أقرانه.

تقول والدة سامي: “حصلت هذه الحالة مع سامي إثر حادث أليم فقدنا فيه والده وأخوته الصغار.” في كل مرة تبحث فيها عن مركز مجاني أو معالج خاص في منطقة سكنها، تجد نفسها عاجزة.

يُعرّف اضطراب النطق بأنه مشكلة أو صعوبة في إصدار الأصوات اللازمة للكلام بالطريقة الصحيحة. يعاني الأطفال الذين لديهم مشاكل في النطق والتأخر اللغوي بشكل عام من صعوبة في إيجاد مراكز أو الوصول لها وعدم القدرة على متابعة العلاج بسبب قلة عددها أو بعدها عن مكان إقامة الطفل، وخصوصاً أطفال المخيمات على الحدود السورية التركية ضمن منطقة تفتقد لأي مركز ثابت بالتوازي مع وجود حالات كثيرة بحاجة لعلاج.

عند بحثنا عن أجوبة لغياب أو انعدام هذه المشاريع حصلنا على عدة إجابات من قبل معالجي ومختصي النطق العاملين في المنطقة، الذين قالوا إن قلة توجه المنظمات لهذه الفئة سببه التكلفة الباهظة لهذه المشاريع وما تحتاجه من أمد طويل في متابعة بعض الحالات الصعبة.

وربما يعتقد المانحون بأنها من المشاريع التنموية التي تنفذ بعد الاستقرار وأن هناك مشاريع مهمة أكثر وتكون لها الأولوية مثل مشاريع الدعم النفسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وغيرها.

غير أن مثل هذه المشاريع في الحقيقة لا تقل أهمية عن غيرها وذلك كون الطفل الذي يعاني من انعدام أو صعوبة في النطق أو أي شكل من أشكال اضطرابات النطق يصنف من ضمن الحالات المرضية التي قد يكون لديها إعاقة وتواجه ضغطاً نفسياً في المستقبل القريب أو البعيد، بحسب رأي المختصين.

قلة المختصين وبعد المراكز

عوامل أخرى تزيد الطين بلة: مثل قلة أعداد الأخصائيين والمعالجين المتواجدين في إدلب وريفها وريف حلب الغربي، وعدم وجود مواصلات مجانية في حال توافر الخدمة. ما يتسبب بالكثير من التحديات والصعوبات التي تقع على عاتق الأهالي ممن يريدون متابعة علاج أطفالهم سواء في مراكز مجانية أو متخصصة.

ففي مدينة إدلب يوجد مركز وحيد خاص، لكنه لم يعد يستقبل أي حالة منذ نهاية الشهر الماضي بسبب العجز المالي المترتب على القائمين عليه، إذ ليس هناك إقبال على الجلسات العلاجية كونها مأجورة بقيمة 5 دولارات لكل جلسة، بحسب إدارة المركز.

رابعة أم لطفلين من ريف حلب الغربي تخبرنا بمعاناتها مع طفليها وما يتعرضا له من تنمر من المجتمع المحيط. تقوم بضربهما وإلقاء اللوم عليهما ومقارنتهما بمن هم أصغر منهما سناً ويجيدون النطق. تقول رابعة: “بعرف تصرفي غلط بس تعبت من تعليق الجيران والأقارب. ومركز عالجن فيه ما عم لاقي الموضوع صعب بالنسبة الي بدو أخصائية أو معالجة تتابع معهن لنخلص من هالمشكلة.”

تتعدد هذه الحالات وتكثر، ولا يوجد إحصائية دقيقة لعدد هؤلاء الأطفال. كما أن منطقة المخيمات الحدودية أطمة وقاح وما حولها تفتقر إلى مركز يقدم خدمة لهذه الحالات، إذ تنحصر الخدمة ببعض المراكز القليلة والبعيدة عن المخيمات مثل مدينة إدلب ومعرتمصرين وكفريحمول وترمانين.

سعيدة 30 عاماً نازحة من ريف حماة تسكن مخيمات أطمة الحدودية رزقت بطفلها الأول بعد انتظار دام عدة سنوات لتواجه مشكلة عدم النطق وضعف السمع لدى الطفل. لم تكتشف المشكلة من بدايتها ظنّاً منها أنه نوع من الدلال الزائد، على حد تعبيرها. بالإضافة لعدم سماح زوجها لأفراد أسرته بالاختلاط بمن حولهم ودمج الطفل مع غيره، لذا تقضي وطفلها كل وقتها ضمن جدران القبو الذي تسكنه.

عرضت سعيدة طفلها على طبيب مختص لتفاجأ بأنه يعاني من نقص سمع درجة متوسطة، تسبب بصعوبة في النطق. أخبرها الطبيب أن الطفل بحاجة لسماعة ومتابعة لدى مركز معالجة نطق. تقول سعيدة بأنها بدأت رحلة البحث عن مركز لعلاج النطق، لكن رحلتها باءت بالفشل. بعد عدة شهور علمت سعيدة بوجود أخصائي في مشفى أطمة للأطفال وعند وصولها للمشفى أخبروها بانتهاء المشروع منذ أشهر.

إهمال من الأهالي

تتوفر بعض مشاريع تأهيل النطق أحياناً عبر فترات قصيرة ثلاثة أو ستة شهور وبمراحل طفيفة ومتباعدة وتعتمد على عدد محدد من المستفيدين لا يفي بالغرض ولا يشمل جميع الحالات في المنطقة المتوفرة فيها الخدمة.

على عكس بقية الإعاقات، كالتوحد وطيف التوحد والإعاقات الذهنية، لا يكون هناك اهتمام من الأهل إلا بنسب قليلة مقابل اضطرابات التواصل والنطق، وذلك أن بعض الحالات تصل لمرحلة التعافي بشكل كامل خلال ثلاثة أو ستة شهور يتجاوز بها إعاقة مدى الحياة، وحالات أخرى تحتاج لوقت أطول ومتابعة دورية كطيف التوحد.

مازن كان أفضل حظاً من غيره، فقد التحق بأحد المراكز المدعومة من قبل منظمة نفذت مشروع معالجة نطق لمدة ستة أشهر في مخيمات أطمة العام الماضي بعد تشخيص حالة الطفل وتقييمه بأنه مصاب باضطراب النطق وعدم القدرة على نطق 14 صوتاً بالشكل الصحيح، خضع الطفل لبرنامج علاجي ومتابعة لمدة ثلاثة أشهر لتقوية عضلات النطق لديه.

أراء مختصين الاسباب والعلاج

يقول المعالج سليمان: “تأخر النطق عند الأطفال يكون عندما لا يستخدمون كلماتٍ ذات معنى عند بلوغ سن السنة ونصف. وقد تمتد هذه الفترةُ إلى 30 شهراً. يفهم الطفل اللغةَ جيِّداً، وتظهر لديه مهاراتُ اللعب والمهارات الحركية ومهارات التفكير والمهارات الاجتماعيَّة، ولكن لديه مفرداتٌ محدودة بالنسبة لعمره. تكمُن مشكلة تأخُّر النطق لدى الأطفال تحديداً في اللغة المنطوقة أو التعبيريَّة. ومشكلةُ هؤلاء الأطفال مُحيِّرة جداً؛ لأنَّ لديهم كلَّ أساسيات اللغة المنطوقة، ولكنَّهم لا يتحدَّثون أبداً أو يتحدَّثون بشكلٍ محدود جداً.”

ترجع أخصائية النطق رغد مظلوم أسباب تأخر الكلام عند الأطفال بعمر السنتين إلى عدة أسباب منها قلة التواصل مع الطفل من قبل الأهل والمشاهدة المستمرة للتلفاز والأجهزة الإلكترونية، بالإضافة لقلة تواصل الطفل مع أطفال آخرين من عمره ليتعلم الكلام والتحدث خلال السنتين الأولى من عمره.

تنصح المظلوم الآباء والأمهات بالانتباه جيدًا لأطفالهم المتأخرين بالنطق، من خلال ملاحظة تطور قدراتهم بصفة عامة، حتى يستطيعوا تحديد ما إذا كانوا متأخرين في مهارة الكلام فقط، أم أنهم يعانون من مشاكل أخرى تؤثر عليهم وتؤخرهم في النطق، ففي بعض الأحيان، قد يشير التأخر في الكلام إلى وجود اضطراب في النمو أو اضطراب في التطور العصبي، مثل الإصابة بالتوحد أو الصمم أو صعوبات التعلم.

تخبرنا صبا كيلاني معالجة النطق، التي لا تمارس عملها حالياً بسبب عدم توفر فرصة عمل، بأنه يمكن أن تحدث عيوب النطق في الحروف المتحركة أو في الحروف الساكنة، ويمكن أن يشمل الاضطراب بعض الأصوات، أو جميع الأصوات في أي موضع من الكلمة. وتعتبر عيوب النطق حتى الآن أكثر أشكال اضطرابات الكلام شيوعاً.

تقول كيلاني بأن أسباب تأخر الكلام عند الأطفال يعود لعدة أسباب منها عضوية: مثل اللسان المربوط، وهي مشكلة شائعة جداً، إذ يولد كثير من الأطفال ومقدمة ألسنتهم مربوطة بحزام نسيجي إلى أسفل، وتحتاج هذه المشكلة إلى عملية بسيطة جداً. وأخرى كفقدان السمع. وكذلك اضطراب طيف التوحد، إذ غالباً ما تُوجد مشكلات النطق واللغة عند الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد والإعاقات الذهنية والعصبية.

وهناك أيضاً أسباب مهمة كالأسباب النفسية والتخاطبية مثل التلعثم وعدم التعلم أو تخويف الصغير باستمرار أو من الممكن أن يكون بسبب حادثة أليمة أو حدث صادم تعرض له الطفل أثناء فترة الحرب أو في الزلزال الذي ضرب المنطقة. وأحياناً نرى أطفالاً يعانون من نفس المشكلة بسبب كون الأم والأب من جنسيتين مختلفتين.

يلاحظ على الطفل في المرحلة العمرية الواقعة بين الأربع والتسع سنوات ممن يواجه صعوبة في التعلم والنطق بأنه يعاني من صعوبات في الربط بين الحروف لتكوين كلمة وطريقة لفظها، بالإضافة لعدم تمييزه للكلمات التي يقرأها، بحيث يخلط فيما بينها، إضافة إلى وجود أخطاء في التهجئة بشكل مستمر، كما أنه لا يجيد القراءة بشكل جيد.

كما يؤكد المعالج سليمان على دور العمر في العلاج، فالطفل ذو الخمس سنوات بحاجة لوقت أطول يصل لستة أشهر أو أكثر بحالات التأتأة واضطراب النطق. وتصل نسبة التحسن إلى 90 في المائة، وفي بعض الحالات إلى 100 في المائة. أما حالات الـتأخر اللغوي والتأهيل السمعي، فتحتاج فترة أطول تتعدى ستة أشهر إذا كان العمر أقل من خمس سنوات.

تكمن أهمية وجود مراكز لعلاج اضطراب النطق في متابعة علاج الطفل قبل أن تلازمه هذه الإعاقة بشكل دائم، والتي قد تتسبب له بعقد نفسية بسبب تنمر أصدقائه أو خجله من المجتمع المحيط. تقدم هذه المراكز تقييماً للطفل وتشخيصاً للحالة من قبل المختصين لتحديد وقياس حالة الطفل واحتياجاته والخطة المناسبة للعلاج، فالبدء المبكر بالجلسات العلاجية يساهم بشكل كبير في الوصول إلى نتائج إيجابية وفعالة وسريعة.

تقول الكيلاني بأن الحالات التي تلقى تجاوباً ويفضل متابعتها، لأنها لا تحتاج لوقت طويل وتنقذ الطفل من إعاقة قد تكون دائمة، هي حالات نقص السمع البسيط والمتوسط بعد وضع سماعات للطفل، وكذلك حالات اضطراب النطق.
يجمع جميع من التقيناهم من أخصائيين ومعالجين ضرورة توفير مشاريع من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة تكون طويلة الأمد وتوفر جميع الخدمات والاحتياجات اللازمة وتكون موزعة على مساحات عادلة في المنطقة يسهل الوصول إليها من قبل جميع الشرائح في المجتمع على اختلاف توزعهم.