يتجول أصحاب مهن بالقرب من الدوارات والأسواق الرئيسة في إدلب وداخل شوارعها في سيارات عدّلوها لتتناسب مع أعمالهم، ووجدوا فيها حلّاً يغنيهم عن دفع الضرائب التي فرضتها حكومة الإنقاذ والأجور المرتفعة للمحلات والتي تزيد عن مئتي دولار.
ودخلت مهن جديدة إلى سوق الباعة الجوالين الموجودة سابقاً، مثل الحدادة وصناعة المأكولات والمفاتيح وغيرها، خاصة بعد قرار حكومة الإنقاذ الصادر في العام 2022، والذي أفضى بإزالة عدد من (البراكيات) في مدينة إدلب، ما دفع أصحابها لنقل نشاطهم إلى سيارات عدّلت للغرض ذاته.
السيارات الجوّالة في مدينة إدلب تحوّلت إلى محال متنقلة أمنت فرص عمل لقسم من السكان في ظل البطالة المنتشرة والتي قدّرها منسقو الاستجابة في شهر حزيران الماضي وسطياً بنحو 88.48% (تشمل عمال المياومة)، لكنّ مشكلات كثيرة رافقت هذا النوع من الأعمال، أهمها ضيق المساحة لقسم من المهن، وعدم الاستقرار في مكان محدّد ما يحول دون جذب زبائن دائمين، ومنع البلدية لهم من ركن سياراتهم في أماكن معينة.
أبو ربيع، ثلاثيني من مدينة إدلب وأب لأربعة أطفال إحداهن من ذوي الاحتياجات الخاصة، واحد من متضرري قرار إزالة (البراكيات)، وجد في تحويل سيارته إلى محل متنقل مختص بصناعة وبيع المفاتيح والأقفال حلّاً لمشكلته.
يقول أبو ربيع إن سيارته التي عدلّها أصبحت سببباً في رزقه رغم ضيق مساحتها وعدم استيعابها للمعدات اللازمة لمهنته.
ويفرق أبو ربيع بين السيارة والمحلّ التجاري، يقول “يستوعب المحل معداتي كاملة من طاولات وماكينات تصليح، ويترك مجالاً لحركتي داخل المكان، إضافة لسهولة خدمة الزبائن الذين كانوا يقصدون محلي”.
جميع هذه الظروف لا تتوفر في السيارة المتنقلة، يضيف أبو ربيع ، ما “تسبب بتراجع عملي وقلّة الزبائن، خاصة مع اضطراري للتنقل بها من مكان لآخر خوفاً من موظفي البلدية والضرائب”.
نوع المهنة يحدّد الفائدة والضرر من الوقوف في مكان معيّن أو التنقل بين شارع وآخر، يقول أبو ربيع إن مهنته تحتاج للاستقرار في مكان ثابت لـ يقصده السكان، بخلاف مهن أخرى مثل بيع المأكولات والحلويات.
يقول أبو محمد، يملك سيارة متنقلة لبيع المعجنات والبيتزا في شوارع إدلب، إنه يتنقل بين مكان وآخر في ساعات الصباح، أما بعد ساعات العصر فيختار مكاناً بالقرب من “كورنيش إدلب الغربي”، حيث يلجأ السكان إلى المكان للترويح عن أنفسهم.
يجني أبو محمد وسطياً من عمله بين 5 إلى 15 دولاراً، ويشكو مثل غيره من أصحاب السيارات الجوالة من ضيق المساحة ، إذ تحوي سيارته على عجّانة وطاولة بيع إضافة للفرن الذي يزيد من مشكلة ارتفاع درجات الحرارة.
وتبلغ تكلفة سيارة جوّالة معدّلة لصناعة المأكولات نحو 3500 دولار، في حالة أبو محمد، اشترى السيارة التي تحوي صندوقاً بنحو ألف وخمسمائة دولار، والمعدات بنحو ألفي دولار.
تبقى هذه التكلفة أقلّ من دفع بدلات الإيجار والتي تختلف بحسب المساحة والمكان والقرب والبعد عن السوق والشوارع الرئيسية، وتتراوح بين 200 إلى 1000 دولار أمريكي، إضافة للضرائب والرسوم المفروضة عليها، بحسب من تحدثنا معهم من أصحاب المحلات المستأجرة، أما السيارات فتخضع للرسوم العامة، سواء كانت مخصصة للتنقل أو البيع، إلا في حال إلغاء العجلات، فتعامل معاملة المحلات التجارية من حيث الرسوم.
ويضيف شحود إن “وزارة الاقتصاد والموارد عبر المديرية العامة للتجارة والتموين تمنح سجلات تجارية للفعاليات التجارية والمنشآت الصناعية، وبما فيها المحال بمختلف أنواعها، ضمن شروط تضبط وتنظم وتراقب عملها لتأدية الخدمة على الشكل الأمثل”.
يقول جمال شحود، مدير العلاقات العامة في رئاسة وزراء حكومة الإنقاذ، “تخضع إيجارات المحلات للعرض والطلب، وتختلف بحسب مكان المحل وحجمه ومساحته وقربه من السوق، ومن حيث التجهيز وديكور المحل، ولا تفرض الحكومة أسعاراً محددة على أصحابها”.
وفنّد شحود كلام أصحاب المحلات التجارية عن الضرائب، وقال إن الحكومة تفرض على المحلات رسوم خدمات تقدمها البلدية مثل النظافة وغيرها فقط. ولا تفرض حكومة الإنقاذ أي ضرائب أو رسوم على السيارات الجوالة والثابتة، وتعاملها معاملة السيارات العامة من ناحية تسجيلها في المؤسسة العامة للنقل، بحسب شحود.
أسعد بيلساني، رئيس بلدية إدلب، قال إنه “لا يوجد أي قرار بمنع دخول سيارات الباعة الجوالة إلى الأسواق لممارسة نشاطها التجاري، ويتم متابعتهم كـ سائر الفعاليات التي تقوم ببيع السلع للأهالي، قد تؤخذ بعض الإجراءات بحقهم مثل مصادرة أجهزة الصوت في حال اشتكى عليهم الجوار فقط”.
كما تقوم الرقابة التموينية بدوريات على الفعاليات التجارية والأسواق الشعبية وجميع الباعة المنتشرين لتفقد المواد وسلامتها ومطابقتها للشروط الصحية وشروط التخزين، بما فيها سحب عينات وتحليلها، وتنظيم ضبوط بحق المخالفين، بحسب محمد هشوم مدير الرقابة التموينية في إدلب.
يشكو أصحاب السيارات الجوّالة من قلّة الزبائن وارتفاع التكلفة، خاصة بعد الزلزال الذي ترك أثره على مفاصل حياة السكان كافة، يقول أنس الشامي، يملك سيارة لبيع المشروبات الساخنة في إدلب، إن “الناس لم تتعافى بعد من آثار الزلزال، قسم كبير منهم فقدوا الرغبة بالخروج والتنزه، حتى بالطعام والشراب”.
ينتظر أنس، مثل غيره من أصحاب السيارات الجوالة، بالقرب من أحد الدوارات أو الشوارع الرئيسة، زبوناً يساعدهم على تأمين تكاليف المعيشة القاسية، خاصة وأن 90% من السكان في شمال غربي سوريا يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من 40% يعيشون تحت خط الجوع ما يحول دون قدرتهم على تأمين أساسيات الحياة لعائلاتهم.
وتتنوع مهن الباعة الجوّالين، منها القديمة مثل بائعي الخضار والفاكهة والمثلجات، والحديثة مثل الحدادين وصناع المفاتيح وبائعي الحلويات والعطورات والمعجنات، ويلجأ قسم منهم لاستخدام وسائل مختلفة للتعريف عن أنفسهم والدلالة على أماكنهم، مثل مكبرات الصوت والنداء على البضائع والمنتجات التي يبيعونها أو تشغيل موسيقى أو أغنية محددة ترتبط بهم لجذب الزبائن، خاصة من الأطفال الذين ينتظرون وصول بائع المثلجات إلى شارعهم من سماع أغاني “طيور الجنة” التي اختارها للتعريف بقدومه.