وجد أطفال، أفقدهم القصف والمعارك العسكرية معيلهم، أنفسهم أمام مسؤولية تحمّل أعباء نفقات عائلاتهم، واتجهوا للعمل في أماكن مختلفة بحسب ما يتاح لهم تاركين مقاعد الدراسة في سبيل إيجاد ما يسدّ الرمق.
وخضع الأطفال للاستغلال بالعمل في مهن لا تتوافق مع بنيتهم الجسدية والنفسية، ودون حماية لحقوقهم، لكن مشاريع جديدة أبصرت النور، أنشأتها منظمات إنسانية، حسّنت من ظروفهم الحياتية وجمعت بين تدريبهم المهني وتحصيل أجر مادي يعينهم على أعباء المعيشة.
أحمد راجح، طفل لم يكن قد تجاوز 15 سنة حين فقد والده في القصف، ليتركه وأخوته الخمسة في عهدة جدتهم، تاركاً للطفل مسؤولية البحث عن عمل في كل صباح. يقول أحمد “معظم ما وجدته من أعمال كان لا يتناسب من حيث المشقة والتعب أو البدل المالي مع طفل بعمري”، قبل أن “تفتح “بوابة الفرج” له، على حدّ تعبيره، إثر التحاقه بدورة خياطة في المدينة نظمتها جمعية (يني أدم).
لم تبدأ الفكرة بالتدريب المهني، لكنها اقتصرت في البداية على قيام تجمع من الشباب الأتراك بمساعدة الأطفال الأيتام في ريف حلب الشرقي، والاهتمام بتحصيلهم العلمي في ثلاثة مراكز موزعة على مدينة الباب وبزاعة والمخيم القطري في سوسيان، بحسب حسين أبو كشة: المدير الإداري لمشغل خياطة جمعية يني أدم في مدينة الباب.
الطلاب غير القادرين على الاستمرار بالتعليم وضعوا الجمعية أمام تحدّ جديد، بالبحث عن حلّ يضمن مساعدتهم في كسب رزقهم ليجدوا مخرجاً في إنشاء مشغل للتعليم والتدريب على الخياطة فتح أبوابه في آب من عام 2020.
يقول أبو كشة إن المشروع بدأ بـ “14 ماكينة خياطة قبل أن يتطور اليوم ويصل إلى 32 ماكينة، يبدأ العمل عليها من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساء”.
ويمر المتدرّب قبل عمله على ماكينة الخياطة بثلاثة مراحل يتعلم فيها الحبكة والدرزة والرش، ويحتاج لنحو ثلاثة أشهر قبل إتمامها، يفرز المتدربون بعدها وتخصص لهم “ماكينات” للعمل عليها مدة سنة كاملة يكون فيها الحضور إلزامياً، ويمنحون في نهايتها شهادة خبرة تصادق عليها كل من مديرية التربية وجمعية الحرفيين والجمعية المنفذة (يني أدم)، ثم يخير المتدرب بين الانتقال للعمل في السوق ومساعدته من خلال التنسيق مع بعض المعامل والورش بالانتقال إليها أو الاستمرار بعمله داخل المشغل.
يشرح أحمد خطوات التدريب، يقول إنه أتقن العمل على ماكينة الخياطة بعد نحو 9 أشهر، ويرجع السبب إلى الاهتمام والدروس التي تلقاها في المشغل الذي يعمل على خياطة جميع أنواع الألبسة ( أطفال ونساء ورجال).
ويضيف “تقدّم الجمعية المواصلات والطعام مجاناً، ومنحة شهرية تبلغ 2000 ليرة تركية لكل عامل، إضافة لرحلات ترفيهية للمتدربين”.
وبحسب أبو كشة، فإن جميع المنتجات والثياب المصنعة في المشغل عمل خيري يقدم للمتدربين وعائلاتهم، إضافة للأيتام في المنطقة، إذ وزّع المشغل منذ بداية عمله نحو 41 ألف قطعة ملابس في مدينة الباب وريفها و22 ألف قطعة في مدينة بزاعة.
أيضاً، يلبي المشغل طلبات المديريات والجمعية الخيرية، إذ تتكفل(يني أدم) بتأمين العمال والمشغل والكهرباء ولوازم الخياطة، وتقع على عاتق مقدمي الطلبات تكاليف الأقمشة.
وتعمل الجمعية اليوم، بحسب أبو كشة، على مشروع تمت الموافقة عليه لإنشاء مشغل للحاصلين على شهادة خبرة وتخصيص ماكينة لكل متدرب، والسماح لهم بتلبية طلبات السوق المحلي والحصول على أجرته ليكون مصدر رزق إضافي لهم.
تأمين فرصة عمل والدخول إلى السوق كل ما يحتاجه شبان في المنطقة، خاصة من الأيتام، لتغطية نفقات عائلاتهم دون مساعدة من أحد، ونجاح فكرة المشغل والتزام المتدربين به يدلّ على ضرورة إعادة التفكير في تمكين شباب المنطقة للتخلص من البطالة والبحث عن مساعدات لا تغطي احتياجاتهم في طوابير طويلة أو العمل بمهن يستغل أربابها حاجة الأطفال للعمل ما يترك أثراً على صحتهم النفسية والجسدية ويحدّ من أحلامهم وطموحاتهم.