فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

المناطق الصناعية في ريف حلب الشمالي.. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي

حسين الخطيب

تواصل العجلة الصناعية دورانها في المناطق الصناعية الناشئة في ريف حلب الشمالي وصولاً إلى مرحلة الإنتاج والتصدير والتسويق

يتابع مؤيد أبو يزن بشكل دوري حركة عجلات الآلات الصناعية خطوة بخطوة في معمل لصناعة السنار (الليف)، حيث يعمل على إصلاح المتعثرة منها وتزييت الأخرى وتبديل بكرات الخيوط المنتهية، ضمن خطة عمل يومية في المصنع.
تنسج الآلات الصناعية من خيوط الليف الملونة على بكرات متعددة الأحجام بقوالب وقياسات موحدة ترسل بعد عملية إنتاجها إلى منازل بعض العائلات المتعاونة مع المصنع لحشوها بقطعة إسفنجية مقابل أجر مالي، يحسب على القطعة الواحدة.

تعود تلك القطع إلى مصنع عوض وشركائه الواقع في المنطقة الصناعية الوسطى في مدينة مارع، مرةً أخرى، بغية وضع اللمسات الأخيرة على المنتج المحلي، من خلال كيّ أطرافها بإحكام وتغليفها ضمن أكياس من النايلون وكراتين ورقية تصل بذلك إلى مرحلة التعبئة والتصدير.

وتواصل العجلة الصناعية دورانها في المناطق الصناعية الناشئة في ريف حلب الشمالي وصولاً إلى مرحلة الإنتاج والتصدير والتسويق، في ظروف شبه مستحيلة نتيجة انعدام الاستقرار الأمني والتجاري والاقتصادي في المنطقة والذي ينعكس سلباً على القطاع الصناعي والتجاري.

من المنطقة الصناعية في مدينة مارع
من المنطقة الصناعية في مدينة مارع

فرصة عمل

يعمل أبو يزن، الذي ينحدر من بلدة معر شورين الواقعة بالقرب من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، ضمن وردية تصل إلى 12 ساعة يومياً مقابل أجر مالي نحو200 دولار أمريكي يحصل عليه كل شهر. ويقيم في مدينة مارع بريف حلب الشمالي في منزل للإيجار مع عائلته المكونة من ستة أفراد.

يقول أبو يزن: “إنني سعيد بمتابعة عملي خلال فترة النزوح حيث واصلت العمل، متنقلاً من بلدتي في إدلب بعد سيطرة النظام عليها خلال العام 2020، وصولاً إلى ريف حلب الشمالي، كون الحصول على فرصة عمل مستحيل في ظل استمرار رحلة النزوح”.

توفر المنطقة الصناعية الوسطى في مدينة مارع فرص عمل لأكثر من 300 عامل من معيلي الأسر من مناطق مختلفة بأجور تبلغ في حدها الأدنى 140، وفي حدها الأعلى نحو 200 دولار أمريكي في مهن وصناعات متعددة، تختلف فيها أساليب العمل ومشاقه وساعات الدوام اليومية، بحسب ما أوضح المسؤول الإداري في المنطقة الصناعية محمد الشيخ.

 من المنطقة الصناعية في مدينة مارع
من المنطقة الصناعية في مدينة مارع

محمد عروق، معيل لأسرة مكونة من أربعة أفراد ويقيم في منزل عائلته الواقع في بلدة تلالين، ويعمل خياطاً منذ ثلاثة أشهر في شركة النعمة لصناعة الألبسة والسبورات النسائية، التي انطلقت مطلع العام الحالي في مدينة مارع. يقول عروق: “تعلمت مهنة خياطة الثياب أثناء إقامتي في تركيا عندما سيطر تنظيم داعش على البلدة. قبل عدة أعوام قررت العودة إلى سوريا، حيث تزوجت وأنجبت طفلين، لكنني لم أحظَ بفرصة عمل مستقرة، إذ كنت أعمل لدى ورشات خياطة صغيرة.”

يضيف أنه تقدم للشركة في رمضان للحصول على فرصة عمل. ولأنه يمتلك خبرة جيدة بمهنة الخياطة، تم توظيفه مباشرة. يبلغ أجره 45 دولار أسبوعياً، أي 180 دولاراً شهرياً. وأوضح أن الأجر، الذي يحصل عليه، مقبول، لكنه لا يكفي لتغطية احتياجات عائلته كافة، والتي يقدرها أسبوعياً بنحو 70 دولاراً .

مدن صناعية ناشئة

ما تزال المدن الصناعية، الناشئة في مدن أعزاز وصوران ومارع والراعي في منطقة ريف حلب الشمالي خلال العامين الماضيين، قيد مرحلة البناء، فبعضها استطاع الوصول إلى مرحلة متقدمة من خلال وصوله إلى مرحلة الإنتاج.
ففي المنطقة الصناعية لمدينة مارع يعمل 50 معملاً تقريباً في صناعات متعددة، منها صناعة حصر البلاستيك، وصناعة أكياس النايلون، وأنابيب المياه البلاستيكية، وأبواب ونوافذ بلاستيكية PVC، ومساحات التنظيف البلاستيكية، وصناعة الليف والسيف المخصص لجلي الأواني، وقص الإسفنج وورشات خياطة الثياب؛ إضافةً إلى معامل صناعة وتغليف المواد الغذائية (البن والموالح والمكسرات، والأرز والعدس، والمثلجات.

من المنطقة الصناعية في مدينة مارع
من المنطقة الصناعية في مدينة مارع

وفي المنطقة الصناعية في مدينة الراعي تُصنّع الأحذية والألبسة والمنتجات البلاستيكية ويُعاد تصنيع وتغليف المنتجات الزراعية وصهر الحديد والمواد الغذائية. بينما في المنطقة الصناعية الوسطى في مدينة صوران، حيث باشر نحو 20 مصنعاً العمل، فيتم إنتاج الأواني والأكياس والأبواب والنوافذ البلاستيكية، إضافة إلى ورشات خياطة الملابس. وقد بلغت نسبة المعامل النشطة 25 في المائة من عدد المحاضر التي بيعت، فيما يستمر العمل على بناء ما تبقى من قِبل أصحابها.

يقول إبراهيم سمعو دربالة، نائب رئيس المجلس المحلي لمدينة أعزاز ومدير المكتب التجاري، لـ “فوكس حلب”: “إن عدد المعامل الكلي في المنطقة الصناعية 30 معملاً ثلاثة منها وصلت لمرحلة الإنتاج والتصدير، يصنع فيها المشروبات الطبيعية، والمثلجات، بالإضافة إلى المناديل الورقية، وما تبقى قيد التجهيز.”

وأضاف: “أنه يوجد 12 معملاً خارج المنطقة الصناعية، تعمل في صناعة المواد الغذائية والمواد البلاستيكية، تتحضر للانتقال إلى المناطق الصناعية.” وأوضح أن عملية التصدير تتم عبر المعابر الحدودية مع تركيا، وتعبر (ترانزيت) إلى دول شمال إفريقيا ودول إفريقيا الوسطى ودول الخليج والعراق ودول آسيا وأوروبا ولجميع أنحاء العالم، بشرط أن يقوم المنتج بالتنسيق والحصول على الموافقة من الدولة المستوردة.

سوق محلي وخارجي

يعتمد صناعيون في المناطق الصناعية بريف حلب الشمالي على تسويق منتجاتهم محلياً وخارجياً. المحلي متجاوزاً مناطق السيطرة السورية من خلال معابر تفصل فيما بينها في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب ومناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، وإلى مناطق سيطرة النظام عبر مدينة منبج.

وقال عبد الرحمن الأبرش، الذي يملك مصنع ياسمين الشام لصناعة الحصر البلاستيكية في المنطقة الصناعية في مارع، لـ “فوكس حلب” إنه يصدر منتجات الحصر ضمن السوق الداخلية إلى إدلب ومنبج، والسوق الخارجية إلى شمال العراق عبر تركيا (ترانزيت). بيد أن التصدير متوقف خلال هذه الفترة.

 من المنطقة الصناعية في مدينة مارع
من المنطقة الصناعية في مدينة مارع

وأضاف: “أن أكبر التحديات تتمثل في التصدير، سواءً إلى السوق الداخلية إلى مناطق السيطرة الأخرى أو إلى السوق الخارجية عبر تركيا، حيث تراجعت الكمية التي يمكن تصديرها، فعلى سبيل المثال كنا نصدّر من خلال السيارات السورية نحو 240 قطعة، بينما نصدّر الآن عبر السيارات التركية 150 قطعة فقط.” وأشار إلى أن الزلزال أثّر على الإنتاج والتصريف، إذ أُجبر على إغلاق مصنعه لمدة شهر، لكنه بعد فترة وجيزة عاد للعمل مجدداً.

بدوره محمد نعمة، صاحب شركة النعمة لصناعة الألبسة النسائية، قال لـ “فوكس حلب” إن 80 في المائة من إنتاجه يصرّف في السوق الداخلية في الشمال السوري، لكنه يشهد ضعفاً كبيراً، بينما 20 في المائة يتم تصديره (ترانزيت) عبر الأراضي التركية إلى العراق وليبيا.

وأضاف: “أن ضعف السوق الداخلية ومنع دخول المنتجات إلى الأراضي التركية لتسويقها يسبب مشكلة كبيرة في عملية التصدير، لذا نحتاج إلى منطقة حرة في الداخل التركي للمنتجين في الشمال السوري حتى يتسنى للتاجر شراء المنتجات دون اضطراره للدخول إلى الشمال السوري، وهذا ما يرفضه التجار بسبب الظروف الأمنية.”

يتفق معظم المنتجين في المناطق الصناعية على ضعف السوق الداخلية في ظل انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية. ويقترحون فتح المجال أمامهم بشكل أوسع وتخصيص مناطق حرة في السوق التركية لتسهل عملية البيع للتجار وتصدير البضائع بالشكل الأمثل وبوتيرة متواصلة، لأن عرقلتها لفترة قصيرة تسهم في كساد الكميات الموجودة نتيجة عدم القدرة على تصريفها محلياً.

 من المنطقة الصناعية في مدينة مارع
من المنطقة الصناعية في مدينة مارع

ولعل من أبرز العقبات التي تواجه القطاع الصناعي والتجاري، هشاشة الاستقرار الأمني، فالمنطقة مرشحة للتصعيد العسكري في أي لحظة، وهذا ما يدفع أصحاب رؤوس الأموال لعدم الاستثمار في المنطقة، كما أن التراجع الحاد في مستوى الدخل في المنطقة قد يؤثر على قدرة هذه المناطق على تسويق منتجاتها محلياً، بحسب ما أوضح الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر.

وقال لـ “فوكس حلب”: “إن المناطق الصناعية تلعب دوراً هاماً في دعم الاستقرار الاقتصادي، ولكن شريطة أن يتم التركيز في هذه المناطق على صناعات تتناسب مع المستوى الاقتصادي السائد في المنطقة، ففاعلية المناطق الصناعية لا بد أن تستند على صناعات تحويلية، وتترافق بمشاريع صغيرة، بحيث تكون مخرجات هذه المشاريع مدخلات للمصانع في المناطق الصناعية، ولا بد من تلبية المصانع والمعامل لاحتياجات الأسواق المحلية.”

وأضاف: “أن عقبة التصدير خطيرة، فمن غير الممكن التصدير بدون شهادات منشأ، أو أن يتم التصدير بشهادة منشأ تركية، وهذا الأمر يعد عقبة رئيسة، إضافة لضعف البنية التشريعية وعدم وجود قوانين محفزة على الاستثمار وناظمة لعمل المناطق الصناعية، مما يؤثر بشكل سلبي على فرص عمل المناطق الصناعية في الشمال السوري. وحل هذه العقبات يحتاج لدعم خارجي، سياسي واقتصادي، وهو غير متاح في ظل الظروف الراهنة.”

وأخيراً، تحقق المناطق الصناعية، في حال حصلت على استقرار في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية وتزويدها ببنية تحتية وخدمية لوجستية، العديد من المنافع الاقتصادية التي تسهم في توفير احتياجات السوق المحلية وتحسين مستوى الدخل وتوفير فرص عمل.