تعمل حكومة الإنقاذ، وعلى نطاق واسع، في الأشهر الأخيرة على تطبيق قوانين التنظيم العقاري واستعادة أملاك الدولة المستولى عليها من قبل أشخاص، سواء في مراكز المدن أو المناطق الزراعية.
وتصدر حكومة الإنقاذ بشكل دوري عبر جريدتها الرسمية، تعاميم خاصة بنزع يد المتعدين على أملاك الدولة في المناطق الزراعية بريف إدلب، ومطالبتهم بدفع رسوم المخالفات التراكمية المترتبة عليهم.
التضخم السكاني وحركات النزوح، فضلاً عن حالة الفوضى وغياب القوانين الرادعة عززت استباحة السكان للممتلكات العامة ووسعت من بناء المخالفات، وزادت من الاعتداء على العقارات والمرافق التي تعود ملكيتها للدولة في عموم المناطق السورية وبشكل خاص مدن الشمال السوري خلال السنوات الماضية.
ولا توجد إحصائيات رسمية بعدد المخالفات والتجاوزات على أملاك الدولة في إدلب قبل بداية الثورة عام 2011، فيما بلغ عدد محاضر المخالفات في محافظة إدلب بعد انطلاق الثورة “3852” محضر أجر مثل، و “153” قرار نزع يد، بحسب إحصائيات قدمتها مديرية أملاك الدولة في حكومة الإنقاذ لموقع “فوكس حلب”.
وعن أوجه التمييز بين النوعين، يقول عدنان قاسم مدير مديرية أملاك الدولة في حكومة الإنقاذ بإدلب، إن الفرق يكون ” فيما إن كانت المخالفة قد حصلت قبل صدور القانون رقم 35 الذي صدر في 22 حزيران 2020، أو بعد صدوره”.
ويضيف: “يسوى وضع المخالفين قبل صدور القرار بدفع بدل أجور مثلية على التجاوزات وتبقى الأرض والمشيدات بيدها حتى تُطلب لجهة عامة أو تُنقل لملكية أملاك البلدية وتُدار وفق الخطة المستقبلية لأراضي أملاك الدولة بعد التصنيف الجاري حالياً، أما التجاوزات الحاصلة بعد نفاذ القانون رقم 35 فيُصدر بها قرار نزع يد ويُحال إلى الجهات المعنية كافة من أجل تنفيذه”.
وتعتبر مديرية أملاك الدولة الجهة المسؤولة عن متابعة أمور المخالفات التي تقع خارج المخطط التنظيمي وفق مقتضيات المصلحة العامة، وعدم التجاوز عليها من قبل المستفيدين، أما التجاوزات الواقعة ضمن المخطط فيقع معالجتها على عاتق مديرية الخدمات الإدارة المحلية، بحسب القاسم.
ويمنع إشغال أملاك الدولة من دون ترخيص مسبق من مؤسسة الإصلاح الزراعي وفق قانون أملاك الدولة رقم 252، صدر عام 1959، لكن غياب السلطة القانونية والمؤسسات الحامية للأملاك العامة طيلة السنوات السابقة دفع كثيرون للتعدي على هذه الممتلكات.
ويرى سكان تحدّثنا معهم في هذه المخالفات ضرورة فرضتها الظروف التي يعيشها السكان من نزوح وتهجير، وتقتصر على الانتفاع من هذه الأملاك دون التعرّض لحق الملكيّة. لكن المحامي عبد الناصر حوشان عضو نقابة المحامين الأحرار لفرع حماة، يعتبر أن الحاجة لاتنفي التوصيف القانوني لهذا الفعل، وهو التعدّي على أملاك الدولة التي تعتبر من الجنح المنصوص عنها بالمواد 721 إلى 725 من قانون العقوبات السوري.
ويوضح حوشان أن التسوية مع المخالفين تكون بحسب نوع الاعتداء ” فإن كان الاعتداء بقصد كسب الملكية فإن إزالة المخالفة هو الإجراء القانوني، أما إن اقتصر على الانتفاع بالملك العام فيمكن التصالح على المخالفة عبر إبرام عقد إيجار أو انتفاع”.
وتقسم الأملاك التابعة للدولة بحسب حوشان إلى عدة فئات: أملاك تعود رقبتها للدولة مثل الأراضي الأميرية والمتروكة والوقف من الفئة “أ”، أما الفئة “ب” فتمثل الأملاك التي تعود رقبتها والتصرف بها في آن معاً للدولة وهي الأملاك التي تؤول للدولة من خلال الاستيلاء عليها أو الالتصاق أو التصرف القانوني كالعقد والوصاية والتقادم.
ويضيف: قد تتملك الدولة ملكية خاصة بالوسائل القانونية، مثل قانون الحراج الذي يقضي بأن جميع ما ينبت في الأراضي العائدة للدولة من الأنواع الحراجية تعد من حراج الدولة، أو قانون الإصلاح الزراعي الذي يقضي بتملك الدولة الأراضي الزائدة عن الحد الأعلى للملكية الزراعية.
ويؤكد حوشان على أن “السلطة ذاتها لا تملك أملاك الدولة و إنما تنحصر مهمتها في إدارتها و حمايتها والحفاظ عليها باعتبارها ملك للشعب، والتعدّي على المال العام مُحرّم حرمة مُغلّظة في الشريعة لأنه ملك شائع لعموم الشعب، أي أن كل مواطن يملك مع بقيّة الشعب كل ذرة في المال العام ، لذلك الشريعة والقانون لا يبيحان سرقة أو غصب أو تبديد المال العام”.
وقد نصت تعاميم نزع اليد التي أصدرتها حكومة الإنقاذ على تغريم المخالفين المتعدين على أملاك الدولة بمبلغ “20 دولار أمريكي” عن كل موسم إشغال، فضلاً عن إخراج المتعدين وإعادة الملكية لصالح حكومة الإنقاذ.
ورغم أن هذا التوجه بات ضرورة ملحة مع تسارع الزحف الإسمنتي على حساب المساحات الخضراء في الشمال السوري، لكنه يعتبر صعباً وشاقا وقد يواجه بسخط شعبي، في ظل الاكتظاظ السكاني وعمليات التهجير ووجود نحو مليونين ونصف المليون نازح يعيشون في المخيمات. ماجعل من الأملاك العامة بديلاً مناسباً لرخص أسعارها، فضلاً عن تنامي مشاريع القرى الحجرية البديلة للخيام التي تبنى فوق أراضي تعود ملكيتها للدولة.
ويقول عدنان قاسم: إن “وزارة الزراعة والري تراعي الظروف الحالية، خاصة وأن المنطقة المحررة مساحتها صغيرة جداً ولا تتناسب مع الكثافة السكانية بعد نزوح الملايين من جميع أنحاء سوريا إليها، فكان لابد من تسوية وضع يد المخالفين بدفع بدل أجور مثلية ولو مؤقتاً”.
ويتابع: تعويض واضعي اليد على أراضي أملاك الدولة ممكن فقط في حالة واحدة وهي عقود الإيجار وإنهاء مدتها من قبل الملاك ودون أي تقصير أو إهمال من المستأجر، أما في الحالات الأخرى فإن التعويض يكون لمن لا يمتلك دور سكن والمهجرين، فيمكن منحهم بيوتاً سكنية لإيوائهم وذلك من قِبل التنمية فقط انتفاع بالسكن.
وأشار القاسم إلى أن مديرية الأملاك قامت بتخصيص آلاف الدونمات لإقامة مخيمات منتظمة، كما أن حالات التجاوز يتم دراستها بشكل دقيق قبل إزالتها.
محاولات كثيرة انتهجتها حكومة الإنقاذ للحدّ من الاعتداءات والمخالفات على أملاك الدولة، عبر سنّ القوانين وملاحقة المخالفين وتغريمهم، لكن تطبيقها يواجه الكثير من التحديات وأهمها الاكتظاظ السكاني والحاجة لإقامة تجمعات سكنية منتظمة تمنع التجاوز على أملاك الدولة.