منع قرار أصدرته وزارة الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ في الثالث من حزيران 2023، استيراد وإدخال الحديد بأنواعه الثلاثة (المبسط، المربع، المجدول) من معبر دارة عزة الفاصل بين ريفي حلب (تسيطر عليهما الحكومة المؤقتة) ومحافظة حلب.
القرار جاء لأسباب حددتها الوزارة بحماية المنتج المحلي ومنع ظاهرة الإغراق وبناء على مقتضيات المصلحة العامة، وترافق مع قرارات أخرى من وزارة الإدارة المحلية بإيقاف تراخيص البناء وتحييد نقابة المهندسين الحرّة في المنطقة، وتشكيل لجنة لدراسة هذه التراخيص سواء الجديدة أو التي ما تزال قيد التنفيذ، ما عطّل حركة البناء بعد الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا وتركيا في السادس من شباط الماضي وهدّم آلاف الأبنية بشكل كلي أو جزئي.
وتضاربت الإفادات حول قرار منع إدخال الحديد بين من رأى فيه خطوة إيجابية لضمان مراقبة جودة الحديد، أو وقف على الحياد اعتماداً على ثبات أو انخفاض سعر الحديد في المنطقة، ومن رأى فيه تجاهلاً للمنتج المحلي وإخراجه من المنافسة ما سيتسبب بخسائر للورش والمعامل في ريفي حلب وارتفاع الأسعار لاحقاً بعد تنشيط الحركة العمرانية، خاصة مع غياب صناعة الحديد عن إدلب، متسائلين عن سبب السماح باستيراده من تركيا وأوكرانيا عبر معبر باب الهوى ومنع إدخاله عبر معبر دارة عزة!
يقول عبدالله المصري، المدير العام للصناعة في حكومة الإنقاذ، إن الرقابة الصناعية، وبعد كارثة الزلزال، جالت على منشآت إنتاج الحديد (السيخ -المفصل وغيرها)، إضافة لمستوردي الحديد، وحلّلت عينات من المعامل الموجودة في المنطقة وأجرت الاختبارات اللازمة عليها لتخلص إلى “مخالفة العينات للمواصفات القياسية العالمية”، ما دفع المديرية لمنع إدخال الحديد المستورد غير المطابق للمواصفات العالمية، وتشديد الرقابة على المعامل الموجودة في الداخل،لإنتاجه بالجودة المطلوبة وتلافي أي إشكاليات قد تتعلق بتسليح المباني.
وأضاف المصري أن المنع يشمل جميع أنواع الحديد وليس المعاد تدويره فقط، وأن القرار حصر دخول الحديد بمعبر باب الهوى لإجراء الاختبارات اللازمة عليه، إذ يمنع دخول أي شحنة لا تطابق المواصفات.
ويوجد، بحسب المصري، 9 معامل حديد في مناطق حكومة الإنقاذ، يعمل بها نحو 200 عامل، تؤمن احتياجات السوق الداخلي وتحقق فائضاً يمكن تصديره، وأن جميع هذه المعامل تحت المراقبة وتنتج الحديد بالجودة والكفاءة المطلوبتين، مؤكداً أنه لا توجد أزمة حديد حالياً، إذ انخفضت أسعاره بنسبة 3% تماشياً مع انخفاض سعر السوق عالمياً، إضافة لتحسن مواصفاته، سواء المستورد أو المحلي.
ويقول محمد جمعة، صاحب مستودع حديد في منطقة كفر كرمين، إنه لم يفهم السبب الحقيقي وراء قرار المنع، خاصة وأن الرقابة تستطيع أخذ العينات من معامل ريفي حلب وإخضاعها للتحليل، شأنها شأن الشحنات المستوردة من الدول المجاورة، ورفض الشحنات غير المطابقة.
ويضيف محمد أن هذا القرار سيعطّل عمل معامل في ريفي حلب، وأن أنواعاً من الحديد، خاصة ما يعرف بـ “الزاوية والمبسط حلبي”، تصنع بجودة أعلى من المستوردة من (إيران) وبأسعار أرخص، مستغرباً إيقاف دخولها دون أخذ عينات منها، رغم أن هذه الأنواع لا تدخل في عمليات البناء، إن كانت الحجة هي الزلزال وتداعياته.
من الممكن منع السيخ الذي يدخل في البناء والإبقاء على باقي الأنواع، بحسب محمد الذي يرى أن جودته تفوق المستورد إيرانياً والذي يسمح بدخوله إلى المنطقة.
ويرى محمد، رغم عدم وجود مشكلة بتوفر مادة الحديد حالياً في الأسواق، أن المشكلة ستحدث بعد تنشيط الحركة العمرانية المتوقفة، وأن قرار المنع سيحول دون إمكانية التنافس في الأسواق التي تعتمد على العرض والطلب دون قوانين محددة للأسعار، متسائلاً عن سبب “تشجيع استيراد الأصناف التي نمتلك القدرة على صناعتها محلياً، ويمكن أن توفر فرص عمل لمئات العمال في المنطقة التي يشكو سكانها من البطالة؟”.
ويستورد الحديد بأنواعه كافة عبر معبر باب الهوى، ويصنف (التركي، الأوكراني، الإيراني) بالترتيب من حيث الجودة، و يتراوح سعر طن الحديد بين 600 إلى 800 دولار.
ويرجع تجار بناء، ومنهم طه أبو محمد، سبب توفر وانخفاض سعر الحديد حالياً وعدم تأثر التجار بقرار المنع إلى توقف حركة البناء بعد الزلزال، ما انعكس على استهلاك الحديد. ويقول “العمل شبه متوقف الآن في مناطقنا في انتظار قرار اللجنة الجديدة التي تبت بشأن التراخيص سواء القديمة التي ما تزال قيد التنفيذ والتي أوقف العمل بها أو استصدار رخص لأبنية جديدة”.
وكانت وزارة الإدارة المحلية قد أوقفت رخص البناء منذ نحو شهر، وحيّدت نقابة المهندسين وألغت التراخيص القديمة وشكّلت لجنة جديدة لدراستها .
يقدّر طه الفارق السعري بين المستورد والمحلي سابقاً بـ 150 دولاراً للطن الواحد، أما اليوم فلا يتوفر الحديد المنتج في ريفي حلب داخل أسواق إدلب، مؤكداً أن إنتاج معامل إدلب يقتصر على جمع الخردة وكبسها أو على صهرها وإعادة تدويرها وإرسالها إلى تركيا، حيث يتم سحبها على شكل أسياخ وإعادة إدخالها إلى المنطقة، بينما يوجد معامل حديد للسحب في مدينة الباب بريف حلب الشرقي كانت تنتج الأسياخ بسعرمنافس، إضافة لأن العاملين في هذا المجال بريفي حلب يملكون خبرة كبيرة في هذا المجال.
ويرى صاحب شركة الهاشم للبناء أن الحديد الذي يعاد تصنيعه يستخدم في المنطقة فقط في البناء غير النظامي أما الأبنية الطابقية فتعتمد على الحديد المستورد، والذي تتراوح أسعاره اليوم بين 600 إلى 650 دولار، مؤكداً أن تأثير قرار المنع “لا يشعر به إلا تجار بناء النوع الأول”.
ويضيف الهاشم “المنتج المحلي استخداماته قليلة، نحن نعتمد بالدرجة الأولى على الحديد التركي، ولا أرى تأثيراً كبيراً لقرار المنع، خاصة مع انخفاض سعر الحديد المستورد”.
وتحدث تجّار بناء وأصحاب محلات لبيعه عن ضرورة تطوير المعامل في الداخل السوري لصهر وصب وسحب الحديد في المنطقة، والسماح باستيراده من مناطق الشمال السوري كافة. ويقول أبو أحمد الحاضري، صاحب ورشة صناعة للخزانات بمختلف أنواعها، أن الحديد الذي يحتاجه لا يصنع محلياً، وأن محاولات من المهامل الموجودة جرت لتصنيع هذه الأنواع مما يعرف بـ “القضيب المربع”، أو حديد الدفلة المستخدمة بصناعة السلالم والكراسي المكتبية، لكنها لم تفلح حتى الآن لعدم توفر الخبرة ونوعية آلات السحب الموجودة، وفي حال إنتاجها ستتراجع أسعار ها التي تتراوح بين 500 إلى 1000 دولار، بحسب نوعها وجودتها، في السوق وتؤمن فرص عمل لكثير من الشباب.
أنواع كثيرة كانت تصنع في مدينة الباب المشمولة بقرار المنع، منها الحديد المبروم والمربع المسحوب على شكل “قضبان أو بواري او بشكل مسدس” وغيرها من الانواع التي كانت متوفرة سابقا في السوق، بحسب علي الأحمد صاحب ورشة لصناعة الأبواب والنوافذ الحديدية.
ويضيف الأحمد أن المنتج المحلي سلس في عملية التشكيل واللف، ويباع بأسعار أقل بـ 40 سنتاً للكيلو غرام الواحد عن المستورد.
يتحفظ تجار بناء وأصحاب ورش صناعية على كلمة استيراد، فكيف بمنعه، بين مناطق سورية، ويرون أن مصيراً مشتركاً يجمع بين هذه المناطق، وأن أي تطور صناعي فيها يجب أن يراعى ويدعم لا أن يحدّ ويمنع، لما يتركه من أثر إيجابي في خلق فرص عمل وتقليل التكاليف وتخفيض الأسعار، خاصة وأن المنطقة ستشهد حركة عمرانية نتيجة الضرر الذي ألحقه الزلزال والاكتظاظ السكاني.