يشارف العام الدراسي في جامعة إدلب على الانتهاء دون أن تتحقق أمنية ولاء بديوي بابتكار حلول تسهل حركتها وزملاءها طلاب الجامعة من ذوي الاحتياجات الخاصة. فالطالبة في كلية الحقوق والشريعة، التي فقدت طرفيها السفليين إثر تفجير سيارة مفخخة في شارع الثلاثين بمدينة إدلب منذ أعوام، تواجه صعوبة بالغة أثناء دخولها الكلية في ظل افتقارها لممرات خاصة بالكراسي المتحركة وأصحاب الأطراف الاصطناعية.
الدرج الطويل، الذي يتعين على مرتادي كلية الشريعة والحقوق صعوده لدخولها، لم يثنِ عزيمة ولاء التي تستعين بأطراف صناعية عن صعود درجاته ببطء وحذر شديدين. بيد أن هذه المعاناة المتكررة طيلة العام الدراسيّ، تهون على ولاء كلما رأت مشهد زميلتها سلام (اسم مستعار) المصابة بتليّن عظام منذ الصغر، ما خلف لديها إعاقة دائمة أجبرتها على ملازمة كرسيها المتحرك دائماً، “فمن يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته”، تقول ولاء.
تنظر سلام الطالبة في كلية الشريعة والحقوق أيضاً بعين الخجل والإحراج من زميلاتها اللواتي يحملنها إلى الطابق الثاني لحضور محاضراتها، إذ يتبادلن حملها ومن ثم كرسيها المتحرك لمساعدتها. في حال اعترض والدها ظرف يجبره على عدم اصطحابها إلى الكلية، فإن خجلها يدفعها لعدم حضور المحاضرات والاكتفاء بتقديم الامتحانات نهاية العام، خاصة وأن معاناتها لا تقف عند هذا الحد، فهي بحاجة لسيارة خاصة لنقلها كون النقل العام صعب عليها، وهذا يرتب عليها أعباء مادية تفوق طاقة أسرتها.
تكاد تنعدم الخدمات الواجب توفيرها لذوي الاحتياجات الخاصة في جامعة إدلب، على الرغم من تزايد أعدادهم بشكلٍ ملحوظ هذه السنة، بحسب محمد عيان، مدير شؤون الطلاب المركزية. أطلع عيان موقعنا فوكس حلب على إحصائية أعداد الطلاب ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في الجامعة، والذي يبلغ ٢٠٠ طالب وطالبة، مشيراً إلى أن هذه السنة من أكثر السنوات التي أقدَمَ بها ذوو الاحتياجات الخاصة على الدراسة في الجامعة.
وتعرف منظمة الصحة العالمية، ذوي الاحتياجات الخاصة، بـ “الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في المجتمع في صفة أو قدرة شخصية، سواء كانت ظاهرة كالشلل وبتر الأطراف وكف البصر، أو غير ظاهرة مثل التخلف العقلي والصم والإعاقات السلوكية والعاطفية، بحيث يستوجب تعديل في المتطلبات التعليمية والتربوية والحياتية تتفق مع قدرات وإمكانات الشخص المعاق مهما كانت محدودة ليكون بالإمكان تنمية تلك القدرات إلى أقصى حد ممكن”.
بعد سنوات الدراسة استطاع محمد معتوق إتمام المرحلة الجامعية والتخرج من قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة إدلب، متغلباً بذلك على إعاقته انعدام البصر. يعتبر محمد أن المواصلات كانت أبرز المصاعب التي واجهته خلال دراسته في جامعة إدلب، فالاعتماد على العائلة قد يتسبب لها بالملل، كما أنه لا يمكنه أن يستقل سيارة تاكسي نظراً لمصاريف الأجرة، مؤكداً أنها مشكلة تحتاج حلاً جذرياً فهم “فئة بحاجةٍ إلى إرشاد ومساعدةً في التنقّل للوصول للجامعة.”
إضافة لذلك واجه محمد في أحد امتحاناته مشكلة تمثلت بنفاد صبر الموظف المُكلّف بالكتابة عنه، حين طلب محمد من الموظف أن يقرأ له أجوبته حتى يتأكد منها، فاستنكر الأمر محتججاً بضيق الوقت. وبناء على ما سبق لا يمكن تلخيص معاناة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بأسطر، فهي تختلف باختلاف حالاتهم وظروفهم.
الأستاذ سهيل الحمود، أحد المُحاضرين في جامعة إدلب بقسم اللغة الإنكليزية، يعترف بأنّ هناك نقصاً كبيراً في الدعم الخاص بطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تعدد حالاتهم واختلافها وتنوّعها يحتاج إلى أساليب متعددة للتعامل معها.
يؤكد الحمود أن جامعة إدلب تساوي بين المُبصر والكفيف والعاجز والسليم، من ناحية الوقت المحدد للاختبارات دون استثناءات أو مراعاة للظروف الصحية والقدرات التي يمتلكها أحدهم دون الآخر. إضافة إلى أن عدداً من الموظفين يفتقرون لكفاءة التعامل مع الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة بحسب رأيه، وهذا ما أكده محمد معتوق.
الصعوبات التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة في الجامعة لا تقتصر على أوضاعهم الصحية وظروفهم الجسدية الخاصة، بل تتعداها بشكل أساسي إلى عجزهم عن دفع رسوم ونفقات الجامعة وهذا ما أكدته الدكتورة نجوى قصاص، نائب عميد كلية الآداب في جامعة إدلب. لا يغيب عن ذهنها أحد طلابها في ماجستير قسم اللغة العربية الذي انقطع عن الدراسة لعجزه عن تأمين أقساط الجامعة مع مصاريف عائلته وأبنائه، مؤكدة أن العجز الجسدي لم يمنعه من إتمام دراسته بقدر ما منعته الظروف المادية.
لم تصدر رئاسة جامعة إدلب أي قرار بخصوص إعفاء الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة من الرسوم المالية بشكل كامل، بل أصدرت قراراً إدارياً بتشكيل لجنة طبيّة تقيِّم الحالة ونسبة الإعاقة، لتقديم حسم مالي قد يصل الى ٥٠٪ أو أقل، كما تتفاوت الحسومات بين حالة وأخرى، وهي مشروطة بحيث لا يحق للطالب المستفيد من حسومات تقييم اللجنة أن يحصل على حسم آخر من جهة أخرى أياً كانت بحسب الدكتور زاهر الطقش، العضو في اللجنة الطبية والأخصائي في الطب الشرعي.
خلال رصدنا وبحثنا عن حالات الإعاقة في كليّات جامعة إدلب صادفتنا حالاتٌ من البتر والعجز والقزامة والتهاب الأعصاب والعديد من المكفوفين، معظمهم يحمل نفس الهمّ، وآخرون مبتوري الأطراف إثر إصابة حربية أو إعاقة خلقية. في ظل غياب الحلول يقوم بعض زملائهم بحمل الطالب مع كرسيه المتحرك والصعود به إلى قاعته، كما قالت الأستاذة رقية، مسؤولة شؤون الطلبة في كلية الحقوق والشريعة.
يؤكد أنس زيدان، الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة إدلب، أن هؤلاء الطلبة يتمتعون بمعاملة خاصة، على الرغم من أن أعدادهم في ازدياد دائم لاسيما طلبة إصابات الحرب، وأن الهيئة العامة للزكاة تتكفّل بدفع الرسوم المالية للجامعة عن بعضهم. وهذا ما أكدته الطالبة “أ. ر.” بأن الهيئة العامة للزكاة قد تكفّلت بدفع رسومها مرتين لكونها من ذوات القزامة ويكون ذلك بالتنسيق مع المكاتب المالية في الكليات.
يشار إلى أن جامعة إدلب تحدد الرسوم السنوية لجميع الطلاب المقبولين بالمفاضلة العامة بـ250 دولاراً لطلاب الكليات الطبية، و200 دولار لطلاب الهندسات (المعلوماتية، المدنية، المعمارية) و175 دولاراً لكليتي الهندسة والطب البيطري، و150 دولاراً لباقي الكليات والمعاهد. أما الموازي بالنسبة للكليات الطبية600 دولار، في حين يكون للكليات الهندسية 400 دولار، و 250 دولاراً لباقي الاختصاصات في الكليات والمعاهد.
يحاول بعض من التقيناهم خلق أعذار واهية لعدم إنشاء ممرات داخلية –على الأقل – خاصة في الوقت الراهن متذرعين بالتكلفة الباهظة، لكن ذلك لا يُبرر إهمال الحلول بشكل كامل بحسب آخرين، مثل إنشاء ممر بسيط على الدرج الخارجي فقط؛ وذلك لمرور الكراسي المتحركة إلى الداخل، ومن ثم جعل القاعات التي يدرس بها ذوي الاحتياجات الخاصة في الطابق الأرضي لتجنيبهم أعباء الصعود والنزول من وإلى الطوابق العليا.