فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الثروة الحيوانية.. الأضاحي والقصابة تهددان إناث الأغنام

 محمود يوسف السويد

ينزف شمال غربي سوريا ثروته الحيوانية من المواشي، خاصة الأغنام التي تراجعت أعدادها لأكثر من النصف خلال السنتين الماضيتين، ما تسبب بغلاء أسعار اللحم ومنتجات الأغنام من الألبان ومشتقاتها

تراجعت أعداد الأغنام في شمال غربي سوريا إلى أقل من النصف خلال السنتين الماضيتين لأسباب كثيرة أهمها، قلة المراعي وهجرة أصحاب المواشي إلى مناطق النظام وارتفاع أسعار الأعلاف، لكن الذبح الجائر لإناث الأغنام يعدّ من أهم الأسباب التي ساهمت في هذا التراجع، وعدم تغطية الفقد الحاصل بالولادات الجديدة.

ورغم اتخاذ وزارة الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ، منذ أيام، قراراً بإجراء التراخيص اللازمة من قبل الجزارين وأصحاب المسالخ الخاصة الذين يستقبلون الأضاحي في المديرية العامة للتجارة والتموين، وإعادة تفعيل القرار رقم 17 الصادر في عام 2022، والذي يقضي بمنع ذبح إناث الأغنام دون الرجوع إلى المسلخ البلدي الموجود في المدن والبلدات الكبيرة، إلا أن نزيف الثروة الحيوانية ما يزال مستمراً، لتبقى تلك القرارات في أدراج المنظمات وأصحاب دكاكين الجزارة.

وتقدّر إحصائية رسمية لوزارة الزراعة في حكومة الإنقاذ، صدرت في عام 2022، أعداد الماشية من الأغنام (ذكر وأنثى) بـ 250 ألف رأس، بفارق نحو 300 ألف رأس عن عام 2020، والتي قدّرت فيه أعدادها بنحو 550 ألف رأس من الماشية.

الاستهلاك اليومي وارتفاع أسعار لحم الخروف الذكر الذي تجاوز حاجز 200 ليرة تركية، مقابل الأغنام الأنثى والذي يتراوح بين 160و 185 ليرة تركية، دفع الجزارين للاعتماد على الإناث لزيادة الطلب عليها.

ويقدّر أبو محمد، صاحب ملحمة في سرمدا، عدد إناث الأغنام المذبوحة يومياً في شمال غربي سوريا بنحو 150 رأساً، وهو ما يسبب فقدان ما يزيد عن 50 ألف من إناث الأغنام سنوياً لا يعوّض المتبقي منها حجم هذا الفقد في حال استمراره.

ويقول أبو إسماعيل إنه يستقل دراجته النارية من مكان سكنه في مخيم القلعة بالقرب من سرمدا بريف إدلب إلى محل جزارة في واحدة من القرى القريبة، أخفى اسمها تجنباً لمخالفة صاحب محل الجزارة الذي يشتري منه لحم إناث الأغنام. لا ويضيف أبو اسماعيل أن بيع إناث الأغنام ينتشر في القرى أكثر من المدن الرئيسة لصعوبة وصول مديريات التموين إليها، وأن إقبالاً أكبر على شرائها بين المواطنين لفارق السعر، خاصة مع ضيق الحالة الاقتصادية.

وتقول أم مصطفى، تسكن في مخيم أطمه، إن كثيراً من السكان “نسوا طعم اللحم بالكامل واستعاضوا عنه بالفروج إن توفر ثمنه”، وإنها ومن تعرفهم يشترون “لحم إناث الأغنام في أحيان معينة، إذ يصل يقضم سعر كيلو لحم من الخروف الذكر راتب زوجها لأربعة أيام”.

وترى أم مصطفى في قرار منع ذبح إناث الأغنام مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكلهم اليومية، تقول “هذا القرار، إن طبّق، سيقلل خياراتنا بشكل أكبر، وعلى ربات المنازل أن يتحايلن لصناعة وجبة ما، غالباً ستكون بلا لحم”.

يؤكد أبو علي، صاحب محل جزارة في مدينة سرمدا، ما قالته أم مصطفى، ويشكو من تراجع إقبال الناس على شراء لحم الأغنام بالعموم ولحم ذكور العواس بالخصوص. ويرى أن الناس اتجهت لشراء اللحوم البيضاء وبخاصة الدجاج، أو لحم الفطائم، فهناك مأكولات لا يصلح اللحم الأبيض فيها، على حد قوله. ويختص أبو علي ببيع الخراف في دكانه، لكنه يتمنى لو يستطيع بيع الإناث أفضل من “كش الذباب”، كناية عن الجلوس بلا عمل، بحسب تعبيره.

ويقول عبد الكريم، صاحب محل جزارة في ريف إدلب، إنه لا يبيع سوى إناث الأغنام بسبب إحجام الناس عن شراء الخراف لغلاء ثمنها. ويضيف “ذبح إناث الماشية ليس جديداً، نحن نبيع الأغنام والفطائم منذ وعينا على الدنيا، لكن الأمر تفاقم في السنوات الماضية، مع ارتفاع أسعار لحم الخروف وقلّة أعداد الثروة الحيوانية في المنطقة”.

ويبرر عبد الكريم ذبحه لإناث الأغنام بقوله: “بدنا نعيش، برقبتنا ولاد والعيشة صعبة والناس استوت من الفقر ولولا لحم الفطيمة والغنمة ما أكل الفقير لحمة”.

تنظر أم مصطفى وعبد الكريم إلى القرار بعين القصاب وربّة المنزل لا بعين من يسعى للحفاظ على الثروة الحيوانية من الفقد، وما سيترتب على ذلك من آثار لاحقة، سترفع من أسعار اللحم والألبان ومشتقاتها بشكل أكبر، إضافة لاستحالة تعويض الفاقد منها.

ولتحقيق ذلك أعيد العمل بالقرار رقم 17، يقول حمدو الجاسم، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد لفوكس حلب “يشمل المنع جميع عمليات الذبح العشوائية التي تتم خارج المسالخ، ما يفتح الباب لذبح إناث أغنام فتية قادرة على التوالد والإنجاب”، وبموجب هذا القرار “يوكل للأطباء البيطريين العاملين في المسالخ مهمة تحديد الأنثى التي يسمح بذبحها من غيرها، بناء على عمرها وحالتها الصحية”.

الأضاحي سبب آخر في استنزاف إناث الأغنام في المنطقة، يقول أبو محمد يدير واحدة من المنظمات في إدلب، إن العدد الأكبر من الأضاحي سنوياً تكون من الإناث لا من الذكور، مقدّراً حجم ما تذبحه المنظمات فقط بنحو 15 ألف أضحية. ويرجع السبب إلى توزيع اللحم على أكبر عدد من المستفيدين، إذ يزيد سعر الأضحية الذكر عن الأنثى بنحو دولار ونصف الدولار وقد تصل إلى دولارين للكيلو غرام الواحد.

ويقلل أبو محمد من أهمية القرار الأخير بضرورة الترخيص للعمل على الأضاحي، يقول إن الأمر لا يتعدى عملية إحصائية دون منع أي من المنظمات من ذبح الإناث، خاصة وأنه لا يجوز في الأضحية ذبح المريضة أو غير السليمة مثل العرجاء والعوراء..، ما يعني أن الذبح سيطال الإناث السليمة والقادرة على الإنجاب بما يخالف القرار الصادر.

ويقول محسن أبو خلف، تاجر أغنام يرتاد أسواقها الموزعة في مناطق إدلب، إنه لم يبع أي خروف ذكر إلى لحظة إعداد التقرير، مقابل بيعه لعشرات الأغنام، إذ يتراوح سعر كيلو الخروف الواقف بين 5 إلى 5.5 دولار، بينما يتراوح سعر الأغنام والفطائم بين 3.5 إلى 4 دولارات.

يؤكد الجاسم أن قرار منع ذبح الإناث سيشمل الجميع بما فيهم المنظمات، وأن الذبح سيتم بإشراف أطباء بيطريين معتمدين من قبل وزارتي الزراعة والاقتصاد، تلافياً لمخالفة القرار الصادر.

ويقول الدكتور عبد الحي اليوسف، رئيس دائرة الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة التابعة لحكومة الإنقاذ، إن الأطقم الطبية والكوادر العاملة في مجال الرقابة الصحية على عمليات الذبح، مستعدة لاستقبال عيد الأضحى هذا العام.

قلّة المراعي وارتفاع سعر العلف سبب آخر يضطر أصحاب المواشي لبيع إناث الأغنام أو ذبحها أو الانتقال بها إلى مناطق خارج إدلب طلباً للكلأ، يقول فيصل الحميد، مربي ماشية، إنه باع قطيعه البالغ 180 رأساً من الأغنام بالكامل نهاية العام الماضي، بسبب ارتفاع ثمن العلف وتراكم الديون. ويصف فيصل مراعي شمال غربي سوريا بـ “الجبال الجرداء، كلها صخرية ولا تصلح للرعي”.

مربو ماشية كثر اشتكوا خلال العامين الماضيين من ضيق المساحة وقلة المراعي، وكان الوصف الأدق لمهنتهم بأن “الماشية تأكل بعضها البعض”، إذ اضطروا لبيع قسم منها لإطعام ما تبقى، إضافة لارتفاع ثمن الأدوية والذي فاقم عدم قدرتهم الحصول عليها من أمراض الماشية وبالتالي موتها أو ذبحها. بينما انتقل مربو ماشية عبر طرق التهريب إلى البوادي في مدينتي حماه وحمص للنجاة بقطعانهم، في ظل غياب وجود أي دعم لهم من قبل وزارات الحكومة أو المنظمات العاملة في المنطقة.

المراعي في العام الحالي أفضل حالاً و أسعار الأعلاف انخفضت، بحسب مربي ماشية، وفي الوقت الذي يرجع فيه رئيس دائرة الصحة الحيوانية السبب إلى خطوات قامت بها وزارة الزراعة بمنع تصدير “التبن”، وتقديم الرعاية الطبية للمواشي، إلا أن المربين يرجعون ذلك لتوفر المراعي ووفرة المواسم، خاصة وأن سعر الأعلاف انخفض في عموم المناطق السورية باختلاف الوزارات التي تتبع لها.

الزراعة وتربية الماشية عمودا الحركة الاقتصادية في الشمال السوري، في ظل ندرة الصناعات، ويشكل ذبح إناث الأغنام مشكلة بدأت تتضح آثارها بشكل واضح في العام الحالي لتتفاقم بشكل أسرع إن لم تتخذ إجراءات لا تقتصر على المنع ولكن تقديم الدعم اللازم للحفاظ على الثروة الحيوانية.