فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ثياب العيد بين المحلي والمستورد: تكاليف مضاعفة ترهق العائلات في الريف الحلبي

حسين الخطيب

يعتبر شراء ثياب العيد من العادات السائدة في مناطق ريف حلب ، كما هو حال معظم السوريين، الذين يواظبون على تطبيقها رغم ضيق الحال

يتجول حسين العبد الله (28) عاماً، رفقة أسرته بين محال الألبسة التجارية (المفرق) قبل أسبوع من عيد الأضحى في سوق  ألبسة مدينة صوران بريف حلب الشمالي، بغية شراء كسوة لأفراد أسرته المكونة من زوجة و طفلين أكبرهما بعمر ثمانية سنوات، والطفل الأصغر بعمر ست سنوات.

اعتاد العبد الله شراء ثياب العيد من سوق صوران الذي يبعد عدة كيلومترات عن بلدته دابق. يأمل في الحصول على طلبه من الألبسة لأبنائه بأقل التكاليف وبجودة مقبولة لثياب سيرتدونها صيفاً كاملاً كما جرت العادة، سيما وأنه لم يشترِ الثياب الصيفية منذ العام الماضي.

يعتبر شراء ثياب العيد من العادات السائدة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، كما هو حال معظم السوريين، الذين يواظبون على تطبيقها رغم ضيق الحال، فهي نوع من أنواع البهجة والفرحة التي تمنحها العائلات لأبنائها.

كما أنها تكسر روتين ارتداء الملابس ذاتها لفترة طويلة تصل حد العام، فالقانون السائد هو إعادة تداول الثياب بين أفراد الأسرة من أكبر الأطفال لأصغرهم سناً، ما يعني ارتداء الثياب حتى التلف في حال كان التداول داخلياً، فيما قد يتسع النطاق على مستوى الأقارب في ظل ضيق الأحوال المعيشية والاقتصادية المرهقة.

يقصد السوريون أسواق الألبسة في المدن الرئيسة مثل (إعزاز ومارع وعفرين وصوران والباب وجرابلس)، التي تحوي على أنواع متعددة من المحال المتخصصة للفئات العمرية منها: ألبسة الأطفال لكلا الجنسين، والألبسة الرجالية والألبسة النسائية.

متجر ألبسة في بلدة صوران شمالي حلب
متجر ألبسة في بلدة صوران شمالي حلب

لا يقتصر ذلك التنوع على الفئات العمرية فقط، بل يتعداه إلى مصادر الثياب فهي إما تكون مستوردة أو محلية، ما يخلف تفاوتاً واضحاً في الأسعار والجودة. الأمر الذي ينعكس على كبر المحال التجارية، إذ عادةً ما تكون محال الألبسة المستوردة كبيرة تتصدر المولات وشوارع الألبسة المشهورة في المنطقة. ولعل السوق التركي في مدينة إعزاز والمشهور ببضاعته المستوردة من تركيا من أبرز الأسواق، أما المولات التي استحدثت مؤخراً فتحتوي بضائع من مناطق النظام وتركيا.

في المقابل، هناك السوق المسقوف وبعض محال الألبسة الصغيرة والبسطات التي تتوزع على جانبي السوق في المدينة ذاتها، حيث تباع الثياب المنتجة محلياً وبأسعار منخفضة مقارنة بالمنتج المستورد.

ويحدث التنوع في الأسواق فارقاً كبيراً بالأسعار، إذ غالباً ما يرتفع سعر القطعة ذاتها إن كان المتجر في مول تجاري، وينخفض السعر في حال كان المتجر في الشارع الرئيسي، فالتجارة في المنطقة غير خاضعة لأي قوانين رقابية، ومع ذلك لا يشكل اختلاف السعر فارقاً كبيراً، بينما مضاعفة السعر بين الألبسة المستوردة والألبسة المصنوعة محلياً هو الأكثر فرقاً.

لا يختلف التنوع في أسواق مدينة إعزاز عن التنوع في مدن صوران ومارع والباب وغيرها، ففي مدينة مارع يزدهر الشارع العريض ومول تجاري واحد تتنوع مصادر الألبسة فيهما، فمنها التركية والسورية القادمة من مناطق النظام، والمنتجة محلياً والتي غالباً ما تحتل جنبي السوق في محال وبسطات صغيرة كما هو الحال في مدينة صوران.

يقول عمر بريمو، صاحب متجر لألبسة الأطفال في مدينة صوران: “أبيع في متجري ألبسة الأطفال التي تفصل محلياً في مدينة عفرين. هامش ربحي بسيط جداً، بحيث يتناسب مع تكاليف إيجار ومصاريف الكهرباء والعمل، ولا تزال رخيصة مقارنة مع المحال الأخرى”.

وأضاف: “أن تكلفة كسوة الطفل من بلوزة وبنطلون دون العشر سنوات تتراوح بين 150 و200 ليرة تركية (8 دولارات أمريكية”، مشيراً، إلى أن مصادر القماش تركية ويتم تفصيلها في ورشات الخياطة المحلية.

سوق الالبسة في بلدة صوران شمالي حلب
سوق الالبسة في بلدة صوران شمالي حلب

في المقابل، يقول عبدو نجار صاحب متجر “أوف إسطنبول” المخصص لبيع ألبسة الأطفال والألبسة النسائية: “إن متجره يحتوي على صنفين من البضاعة، فالأول منتج محلياً لا يتجاوز سعر فستان الطفلة نحو 200 ليرة تركية في الحد الأقصى، بينما فستان الفتاة الأكبر سناً فوق الـ 12 عاماً يتراوح بين 250 و350 ليرة تركية، وهناك عروض على الكمية التي يتم شراؤها.”

وأضاف: “بينما الألبسة التركية يتراوح ثمن بدلات الأطفال دون الـ 10 سنوات، بين 400 و500 ليرة تركية (16 دولاراً أمريكياً)، في حين يبلغ سعر فستان الفتاة 14 عاماً وما فوق نحو 600 و750 ليرة تركية (30 دولاراً أمريكياً)”.

وأوضح أن الفارق الكبير بين الألبسة المحلية والمستوردة يعود لعدة أسباب، منها تكاليف الشحن، وارتفاع أجور الأيدي العاملة في تركيا، وجودة قماش ولون المنتج، بينما الألبسة المحلية لا تحتاج إلى تكاليف أجور الشحن، وأجور الأيدي العاملة أقل، ناهيك عن رداءة جودة القماش.

وهذا ما تشير إليه مروة نعسان من مدينة صوران خلال حديثها عن تجربتها في الألبسة ذات السعر المنخفض والتي تنتج محلياً في قولها: “إن الألبسة التي تباع بسعر منخفض لا تحتمل غسلتين حتى تظهر عليها علامات الاهتراء وتغير اللون وتمزق القماش وتغير مقاسها، سيما القطنية منها، ما يعني انتهاء عمر الثياب في فترة قصيرة”.

وأضافت أن العائلات تضطر لشرائها بسبب رخص ثمنها، فهي بالكاد تستطيع توفير احتياجاتها الأساسية من طعام ودواء وشراب، وقدرتها المادية لا تتحمل أعباءً مضاعفة في السعر، بينما الثياب المستوردة تكون جودتها أفضل ويمكن ارتداؤها لموسمين، حيث يكون تغيرها بسيط جداً إذا ما قورنت بالمحلية.

خلال جولتنا وصلنا إلى أحد متاجر الألبسة الرجالية في مدينة صوران. يقول صاحب المتجر حسن محروق إنه يحافظ على وجود الصنفين من الألبسة المصنعة محلياً والمستوردة بهدف خدمة الزبائن الذين يرصدون مبلغاً مالياً معيناً لشراء الثياب. يقول: “إنه بإمكان الشاب ارتداء بنطلون وبلوزة بمبلغ 300 ليرة تركية (12 دولاراً أمريكياً)، وفي الوقت ذاته يستطيع ارتداء بنطلون وقميص من البضائع التركية أو القادمة من مناطق النظام، بمبلغ يتراوح بين 500 و600 ليرة تركية (24 دولاراً أمريكياً)”.

وأوضح أن الجودة هي التي تحدد السعر لأن هناك أنواعاً مستوردة لا يتغير لونها ومقاسها، وتتمتع بجودة عالية وقد يصل ثمن البنطلون الرجالي في السوق إلى 300 ليرة تركية (13 دولاراً أمريكياً)، بينما يصل سعر قميص كتان بالجودة ذاتها إلى 350 ليرة تركية (14دولار اً أمريكياً)، مشيراً إلى أن القميص لا يمكن تفصيله في الشمال السوري بسبب ضعف الخبرة في التفصيل والقص، لذلك يبقى سعره مرتفعاً.

متجر ألبسة في بلدة صوران شمال سوريا
متجر ألبسة في بلدة صوران شمالي حلب

بينما كان العبد الله يبحث بين النوع الأفضل للثياب قرر الشراء من المحال التجارية التي تبيع البضاعة المستوردة رغم أنها تفوق قدرته المالية، كون مصدر دخله الشهري لا يتجاوز 100 دولار أمريكي في أحسن الأحوال التي يكون العمل متوفراً فيها، فهو يعمل كما أوضح في صناعة البلوك (الطوب) المخصص للبناء والعمل في هذه المهنة ليس طوال أيام الشهر.

في نهاية جولة أسرة العبدالله في السوق، اشترى لابنته فستاناً بقيمة 500 ليرة تركية، بينما اشترى طقماً لابنه بقيمة 400 ليرة تركية، 150 ليرة إضافية ثمن حذاء صيفي لكل منهما، فيما بلغت تكلفة ثياب زوجته 800 ليرة تركية، بينما بلغ ثمن ثيابه المكونة من بنطلون وقميص وحذاء صيفي 600 ليرة تركية؛ أي أن التكلفة الإجمالية لثياب العائلة المكونة من أربعة أفراد بلغت 2600 ليرة تركية، ما يعادل 104 دولارات أمريكية.

هذا المبلغ يعد رقماً صعباً لدى أصحاب الدخل المحدود في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية التي تعاني منها العائلات السورية، مع انعدام فرص العمل وانخفاض الأجور في حال توفرها. ما يجعل ثياب العيد كلفة مادية مرهقة تدفع بعض الأسر إلى العزوف عن شرائها، أو تضطرها لشراء الألبسة المنتجة محلياً، فيما يضطر البعض إلى دفع تكاليف مضاعفة بغية شراء الثياب المستوردة التي تتميز بجودة ونوعية أفضل.