تجاوز عدد المنازل المهدّمة أو المتضررة بالزلزال في الشمال السوري الآلاف، فقد أشخاص فيها تحت الأنقاض أو في حالة الرعب والنجاة التي رافقت هروبهم من المكان وثائقهم الرسمية من “هويات ودفاتر عائلة وشهادات قيادة كشوف علامات وسندات ملكية…”، ليمرّوا بسلسلة من الإجراءات المعقدة لإعادة استخراج بدل فاقد عنها أو خسارتها، وفق ما يتطلبه الحصول عليها من دفع مبالغ مالية كبيرة أو حضور شخصي وموافقات أمنية.
وتختلف صعوبة وتكلفة الحصول على بدل فاقد بين وثيقة وأخرى، إضافة لمكان استصدارها من مناطق النظام أو مناطق حكومتي المؤقتة والإنقاذ، ويعدّ الحصول على جواز سفر وسندات الملكية العقارية أكثر هذه الوثائق صعوبة.
يقول عمر خيرو، إنه استطاع تعويض معظم الأوراق التي فقدها بعد دمار منزله في مدينة حارم بريف إدلب، باستثناء جواز سفره. خرج عمر وأسرته مع حدوث الزلزال إلى الشارع قبل لحظات من تهدّم منزله بالكامل، ولم يفلح باستعادة “دفتر العائلة والبطاقات الشخصية وجواز السفر” من تحت الركام.
ويضيف عمر “استخرجت بدل فاقد عن البطاقات التعريفية الشخصية من دوائر النفوس في المدينة”، ولا تختلف إجراءات الحصول عليها بين الحكومتين “المؤقتة والإنقاذ”، إذ يطلب في كل منهما تقديم طلب لأمانة السجل المدني والحصول على ضبط شرطة قبل استصدار بدائل عنها من الدوائر المختصة.
لكن مشكلة جواز السفر ما تزال عالقة حتى اللحظة لارتباطها بدوائر الهجرة في مناطق النظام وعدم وجود جوازات بديلة في مناطق المعارضة، يقول عمر “طلب مني أحد السماسرة في مناطق النظام السفر إلى القنصلية السورية في اسطنبول، هذه العملية ستحتاج لدفع مبلغ ألف وثمانمئة دولار دون حساب تكلفة السفر والوصول إلى تركيا، أما من مناطق النظام فالأمر مستحيل إذ يتطلب حضوراً شخصياً وهو ما لا أستطيع فعله”.
ولا يخضع السوريون في مناطق المعارضة للقوانين الناظمة لإصدار بدل فاقد عن جوازات السفر والتي يعفى المواطن السوري بموجبها، في حالة الكوارث الطبيعية، من الرسوم، ويمنح بدل فاقد بعد تقديم الأوراق اللازمة، وذلك لاشتراط وزارة خارجية النظام أن يكون صاحب الجواز قد خرج من سوريا بطريقة شرعية، ويحمل إقامة البلد الذي يعيش فيه، إضافة لوثائق أخرى يصعب الحصول عليها من إخراج قيد مدني ووثيقة تثبت وضعه التجنيدي.
سندات الملكية العقارية لا يقل استخراج بدل فاقد عنها صعوبة عن جوازات السفر، بل تزيد التعقيدات فيها، بحسب رياض البشير، من مدينة حمص ويسكن في ريف إدلب، أحد الأشخاص الذين فقدوا سندات ملكيتهم بعد تهدم منزله.
يقول البشير “فقدت سندات الملكية التي جلبتها معي قبل أن أغادر منزلي في حي القصور بمدينة حمص، تلك السندات هي كل ما أملكه لإثبات حقي في الممتلكات التي استولى عليها أشخاص تابعين للنظام في المدينة قبل أعوام”.
تواصل البشير مع أشخاص تربطهم علاقة بدوائر النظام وسجلاته من معارفه في المدينة، لكن الجميع أبلغه بـ “استحالة الحصول على سندات ملكية جديدة، نظراً لاشتراط السجلات العقارية في دوائر النظام حضوره بشكل شخصي، والتشديد على هذا الإجراء بعد حادثة الزلزال”.
ويضيف رياض” تواصلت مع السجل العقاري في محافظة إدلب، لكنهم أبلغوني بعدم القدرة على استخراج سندات ملكية من مدينة أخرى لعدم امتلاكهم السجلات العقارية الخاصة بأي مدينة أخرى باستثناء إدلب”.
مشكلة رياض تنطبق على المهجّرين، الذين فقدوا سندات ملكياتهم ووثائق أخرى مثل كشف العلامات من الجامعات وغيرها، من المحافظات السورية كافة، باستثناء محافظة إدلب، إذ يعتبر استخراج بديل عنها مستحيلاً لاشتراط الحضور الشخصي أو مكلفاً وغير آمن بالتعاون مع السماسرة الذين يطلبون مبالغ كبيرة لاستخراجها، وفي كثير من الأحيان يقع الأشخاص ضحية النصب من قبلهم، كذلك الخوف من إرسال البطاقة التعريفية الشخصية “الهوية” لهم، خشية استخدامها في عمليات الاستيلاء على الملكية أو لأغراض أخرى.
يقول ملهم ضبيط، نازح من حي العامرية في حلب فقد جميع أوراقه بما فيها سندات تمليك لمنزله، إنه تواصل مع عدد من السماسرة العاملين في استخراج المعاملات والأوراق الثبوتية من دوائر النظام، وإن معظمهم أبلغه بقدرته على استخراج تلك السندات مقابل مبالغ مالية تراوحت بين مئة ومئتين وخمسين دولاراً للسند الواحد.
ويروي الضبيط “اتفقت مع أحد السماسرة على مبلغ ثلاثمئة دولار مقابل سندات التمليك الثلاث التي أحتاجها، وطلب مني صورة عن الهوية الشخصية ورقم ومنطقة العقار، إضافة لتسليم نصف المبلغ لرجل اختاره السمسار يقيم في مخيم الكمونة بريف إدلب، على أن أسلمه باقي المبلغ بعد حصولي على السندات خلال خمسة أيام”.
ويضيف “مضت الأيام الخمسة، وأوقف السمسار حسابه على فيسبوك، وعند الذهاب إلى المخيم لمقابلة السمسار تبين لي أن ذلك الاسم غير موجود ضمن القاطنين في المخيم وأني وقعت ضحية لعملية نصب”.
جميع الأوراق الثبوتية والمعاملات والوثائق الشخصية من مناطق النظام ارتفعت تكاليف الحصول عليها عبر السماسرة بنسبة تراوحت بين 30 إلى 60%، بحسب نور عتيق، عامل في مجال إصدار الأوراق الثبوتية الصادرة عن النظام.
يرجع العتيق السبب إلى زيادة الطلب على هذه الوثائق بعد الزلزال، ويقول إن “ارتفاع التكلفة جاء بالدرجة الأولى، نتيجة استغلال بعض المتنفذين في مؤسسات النظام الزلزال لفرض مبالغ أكبر، خاصة بعد فرض السلطات هناك إجراءات أمنية مشددة على إصدار تلك الأوراق والمعاملات خلال الفترة الأخيرة ما يستدعي مخاطرة أكبر أو دفع مبالغ إضافية لإرضائهم”.
لا يحصل العتيق، على حد قوله، شأنه شأن السماسرة الآخرين، إلا على مبالغ بسيطة، إذ أن عملهم محدود ويقتصر على الوساطة بين صاحب العلاقة والموظف المسؤول عن استخراج الورقة اللازمة والذي يأخذ الحصة الأكبر.
مشكلة المهجرين في الحصول على أوراق ثبوتية أو سندات ملكية لا تنطبق على السكان في محافظة إدلب، إذ بقي السجل العقاري فيها بعد خروج قوات النظام منها، وهو ما أتاح لمالكي العقارات داخلها استخراج سندات بديلة بعد تقديم طلب بدل فاقد إلى المديرية العامة للمصالح العقارية في المدينة.
وعن آلية استخراج بدل فاقد لسندات الملكية العقارية في إدلب يقول عبد الباسط قيراطة، مدير المديرية العامة للمصالح العقارية، إنه “من الممكن لأي صاحب عقار يتبع لمحافظة إدلب أن يتقدم بطلب لاستخراج سندات التمليك الخاصة بالعقار، حيث تقوم مديرية المصالح العقارية بنشر طلب صاحب العلاقة الذي يقضي باستخراج بدل عن ضائع على صفحتها وضمن الجريدة الرسمية”.
ويضيف قيراطة “يتم نشر الطلب عبر المعرفات لمدة خمسة عشر يوماً، ليتسنى لأي شخص الاعتراض على الطلب ومراجعة المديرية العامة للمصالح العقارية، ليتم بعد ذلك التحقق والتأكد من صدق الطلب قبل منحه لمقدّمه”.
وكانت مديرية المصالح العقارية في مدينة إدلب قد نشرت عبر الجريدة الرسمية التابعة لحكومة الإنقاذ تعميماً عن فقدان أربعة وخمسين سند تمليك عقاري خلال شهر أيار الفائت، منها ثلاثين سنداً في مدينة إدلب وحدها، وأحد عشر في منطقة سرمدا، وثلاثة عشر ضمن مناطق متفرقة من الشمال السوري.
معظم تلك السندات فقدت خلال فترة الزلزال، وتوجه أصحابها لاستخراج بدل فاقد عنها من مديرية المصالح العقارية في مدينة إدلب. وبحسب مديرية المصالح العقارية فإن “الإعلان عن فقدان سندات الملكية العقارية عبر الجريدة الرسمية يأتي لتلافي أي ادعاءات من قبل الأشخاص بفقدان سندات تمليك قد لا تكون مطوّبة بأسمائهم”.
كعادته، يستغل النظام وموظفيه أي فرصة لتعزيز الفساد المستشري في مؤسساته، وفرض الإتاوات والرشى عبر التضييق، حتى وإن كان المتضرر ناج من زلزال أودى بحياة آلاف الأشخاص وما تزال تداعياته عالقة في أذهان الجميع دون استثناء، ويتركهم أمام خيار فقد هذه الوثائق أو دفع مبالغ لا يستطيعون تأمينها للحصول على أوراق قد تكون مزورة في معظم الأحيان.