شكّل الزلزال وتداعياته بوابة شرعية لاستعادة دول عربية ودولية علاقاتها المقطوعة مع النظام السوري، تمثل بعودة النظام إلى الجامعة العربية ودعمه اقتصادياً والمطالبة برفع العقوبات عن مؤسساته وشخوصه المتورطين بجرائم ضد الإنسانية.
الدعم الاقتصادي كان المطلب الأكبر الذي سعى إليه النظام عبر مؤسساته، خاصة الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد، مصدّراً أرقاماً تخالف الحقيقة عن حجم الأضرار في المنطقة التي يسيطر عليها، ليضيف إليها ما دمّره خلال قصفه للمدن والبلدات الثائرة، في خطوة لطمس معالم جرائمه، وتسويقه للأمانة السورية كأحد أكبر الجهات التي توسّع عملها خلال السنتين الأخيرتين، وبعد الزلزال، وربط عمل المنظمات الأخرى، المحلية والدولية، بها، وقيادة دفة المجتمع المدني في سوريا، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لم يحصل متضررو الزلزال منها في مناطق النظام السوري سوى على الفتات، مقارنة بتدفق المساعدات الكبير إليها، كذلك حرمان مناطق المعارضة في شمال غربي سوريا رغم الضرر الأكبر الذي طالها.
وبمقارنة إحصائية بداية لحجم الأضرار نجد أن عدد الأسر المتضررة في مناطق النظام، بحسب إحصائية مركز عمران، بلغت نحو 91 ألف عائلة، وعدد الأبنية غير الصالحة للاستخدام 4444 مبنى، والتي تحتاج للتدعيم 29 ألف مبنى، فيما بلغ عدد الأبنية المهدمة 292 مبنى، والوفيات 1414 إضافة لـ 2357 إصابة.
زاد عدد الأسر المتضررة في مناطق المعارضة، شمال غربي سوريا، بنحو أربعة أضعاف مناطق النظام، إذ بلغ، بحسب منسقو استجابة سوريا، نحو 334 ألف عائلة، والضحايا 4256 إضافة لـ 11774 إصابة. أما المباني المهدمة بشكل مباشر فوصلت إلى عشر أضعاف مناطق النظام بواقع 2171 مبنى، إضافة لنحو 20 ألف مبنى المباني غير القابلة للسكن أو تلك التي تحتاج للتدعيم.
ولم تستطع الأمم المتحدة والمانحين الدوليين تحقيق استقرار فعلي للمدنيين في سوريا على مدار السنوات السابقة، مع تراجع واضح وكبير في تمويل خطة الاستجابة الطارئة الحالية، والتي لم تتجاوز فيها نسبة التمويل أكثر من 6.6%من إجمالي الخطة الأساسية، وفق تصاعد في عدد السكان الذين يعيشون تحت خطي الفقر والجوع في شمال غربي سوريا، بحسب منسقو استجابة سوريا.
الأرقام المتفاوتة فرضت استجابات متفاوتة أيضاً، ففي الوقت الذي وصلت فيه إلى مناطق النظام برياً وبحرياً وجواً آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية، لم يتجاوز ما دخل إلى مناطق شمال غربي سوريا 7 آلاف طن حتى الثامن من آذار، وهو ما يشير إلى توجه دولي وعربي لإيصال المساعدات الاقتصادية إلى مناطق النظام، وعبر 134 جهة مدنية، 45% مرتبطة بالأمانة السورية للتنمية، بحسب دراسة لمركز عمران، إذ فرضت المؤسسة مرور المساعدات وتوزيعها عبرها، بما في ذلك المساعدات المحلية أو من التجار والأشخاص الموسرين.
وتحدّثت تقارير إعلامية عن عدم وصول الدعم إلى المتضررين في مناطق النظام، وعن دور كبير للأمانة السورية ومن خلفها جهات عسكرية، مثل الحشد الشعبي في حلب، بالإشراف على المساعدات وتخزينها وبيعها عوضاً عن توزيعها.
المساعدات تلك وصلت باستثناء المساعدات الدولية والتي تظهر نظرة إلى أرقامها إلى فتح خطوط جديدة مع النظام السوري، على سبيل المثال كان للإمارات العربية الحصة الأكبر من المساعدات المقدمة ومثلت 71%، تلتها ليبيا والعراق بواقع 9 و 7%، ودخلت كل من السعودية والأردن ومصر وتونس في خطة المساعدات، السعودية كأول شكل من أشكال الوجود داخل مناطق النظام منذ قيام الثورة السورية، والتي ظهرت نتائجه أخيراً بدعوة بشار الأسد إلى قمة الرياض وإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
على الصعيد الآسيوي كان لإيران الحصة الأكبر بنسبة 42%، تلتها باكستان وكازخستان والصين والهند، أما دولياً فسجل حضور كبير لإيطاليا ورومانيا، تلتهما الدنمارك وصربيا وألمانيا والنرويج، بحسب دراسة مركز عمران.
مقابل ذلك غابت المساعدات الإماراتية والأردنية مثلاً إلى مناطق المعارضة، والتي تمثل فقط إضافة لتركيا ومنظمات دولية بالسعودية 31 قافلة، الكويت 12، ليبيا 12، جمعية بارزاني 71.
يظهر تنوع الدول التي فتحت مع النظام السوري بعد الزلزال قنوات اقتصادية والتي وصلت إلى 33 دولة، مقابل المعارضة السورية، إضافة لدعوات أوروبية برفع العقوبات أو تخفيفها، وأصوات في أمريكا أيضاً دعت إلى إيقاف العمل بقانون قيصر، توجهاً نحو تعويم النظام السوري عربياً ودولياً من جديد، متجاهلين ما ارتكب من مجازر خلال سنوات الثورة، وقتل واعتقال وتغييب مئات الآلاف من الأشخاص، في حصيلة تفوق ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا مجتمعين، بأضعاف على الأقل، وتؤكد على تراجع الدعم المقدم للمعارضة السورية اقتصادياً وسياسياً، لتحمل الأمانة السورية للتنمية وفيلق المدافعين عن حلب والحشد الشعبي وغيرها من المؤسسات المتورطة بجرائم في سوريا على عاتقها قيادة المواطن السوري في مختلف المناطق، والذي يعيش أكثر من 90% منه تحت خط الفقر، أو في السجون والمعتقلات.