تدخل عملية إزالة أنقاض المباني المهدمة إثر زلزال السادس من شباط (فبراير) في ناحية جنديرس بتعقيدات الأوراق اللازمة والمهل المحددة للاعتراض، إضافة لرخص ثمن طن الحديد المستخرج واقتطاع المجلس المحلي لنصف المبالغ التي يحصل عليها المتضررون لقاء ما يباع من الحديد المبروم، أو المبلغ كاملاً في حال عدم إكمال الأوراق المطلوبة أو غياب تراخيص البناء.
محمد العلي، أحد المتضررين الذين لم يسعفهم الوقت بتقديم طلب إزالة، يقول “كنت حاضراً في عمليات البحث عن أفراد عائلتي الذين قضى خمسة منهم تحت الأنقاض، لم أكن أعلم بفوات وقت تقديم الطلبات، ولذلك حرمت من نصيبي في ثمن الحديد المبروم المستخرج من منزلي!”.
ليست حالة محمد العلي فردية، إذ أعلن الدفاع المدني في السادس من حزيران (يونيو) الجاري عن انتهائه “بشكل شبه كامل من أعمال إزالة أنقاض الأبنية المنهارة وترحيل أكثر من 400 ألف متر مكعب في أكثر من 120 تجمعاً سكنياً (مدينة وبلدة وقرية) في شمال غربي سوريا”.
لا يتقاضى الدفاع المدني أجوراً على ترحيل الأنقاض أو المباني التي عمل على إزالتها بالتعاون مع عدة منظمات وبإشراف المجلس المحلي، بحسب محمود الحفار رئيس مجلس جنديرس المحلي، والذي قال إن “الدفاع المدني هو الجهة الوحيدة المخولة بإزالة المباني وبقية المنظمات تعمل بالتعاون معه، ويحضر عملية الإزالة لجنة مكونة من ثلاثة مهندسين وفريق إطفاء وعضو من الضابطة العدلية وعناصر من الشرطة”.
إزالة أنقاض الأبنية المهدمة تمرّ بسلسلة من الإجراءات التي وضعها المجلس المحلي، وتبدأ بـ تقديم أصحاب العقارات أوراق ثبوتيات التملك، بعدها يكلّف المجلس لجنة هندسية متخصصة لإعادة الكشف على الأبنية، وفي حال ثبت رأي اللجنة على قرار الإزالة، يحق للمالك تقديم طلب تشكيل لجنة هندسية خارجية من قبله، شريطة أن تكون هذه اللجنة مرخصة من قبل نقابة المهندسين، لإعادة تقييم البناء، وذلك بحسب رئيس مجلس جنديرس المحلي محمود الحفار.
ويضيف الحفار: “في حال اختلاف قرار اللجنتين، يحق للمالك اللجوء إلى القضاء للفصل في قرار الإزالة، وهناك عدة حالات وافق المجلس على إعادة تقييم قرار إزالة مبانٍ وترميمها، ضمن شروط وآليات تقررها لجنة التقييم الهندسية، ويُمنح ملاك العقارات مهلة مدتها 72 ساعة، للاعتراض على قرار الهدم وتقديم أوراق ثبوتيات التملك”.
المهلة القصيرة الممنوحة لتقديم طلبات إزالة الأنقاض، انتهت في العاشر من شهر آذار (مارس) الماضي، متجاوزة عشرات الأشخاص، ومنهم محمد، الذي قال إن اهتمامه كان منصباً على البحث بين الركام عن أثاث منزله، إضافة للحالة النفسية التي كان يعيشها والبحث عن مأوى وهو ما حال دون تقديمه الطلبات ضمن المهلة المحددة.
بعد انتهاء المهلة بدأت عملية تقييم المباني المتضررة عبر مسح أولي لكامل المدينة، تبعها كشف نهائي على المباني التي قررت اللجان الهندسية إزالتها، والإعلان عن المباني التي ستهدم على دفعات، بحسب رئيس مجلس جنديرس المحلي، الذي قال إن “عدد الأبنية المرخصة من قبل المجلس المحلي في جنديرس بلغت 96 مبنى بين عامي 2018 و 2023 تهدم منها وقت الزلزال 15 مبنى، وقد أحيل المسؤولين عن بنائها للقضاء، بينما لا تملك الدوائر المختصة سجلات برخص البناء الخاصة بالعقارات التي بنيت قبل عام 2018”.
إزالة المباني وترحيل الأنقاض هي المرحلة الأخيرة، إذ يستخرج الحديد المبروم من المنازل خلال هذه المرحلة ويباع في مزادات تقيمها المجالس المحلية.
يقول الحفار إن طن الحديد المستخرج بيع بنحو 255 دولاراً توزع مناصفة بين مالك العقار، في حال وجوده، والمجلس المحلي، لصالح صندوق خاص في مالية المجلس، وفي حال عدم وجود المالك أو عدم تقدمه بطلب الإزالة أو إثبات الملكية يحوَّل كامل المبلغ لصالح ذلك الصندوق.
ويضيف الحفار: “لا يمكننا حصر نصيب كل مالك من الحديد المستخرج من الركام فهناك من يمتلك أكثر من شقة ضمن مبنى واحد مكون من عدة طوابق، لذلك يجب أن يكون هناك توافق بين جميع الملاك، أما من لم يتقدم بطلب الإزالة أو يراجع المجلس خلال مهلة الإعلان قبل عملية إزالة الأنقاض فبات من الصعب معرفة نصيبه أو كمية الحديد المستخرجة من منزله”.
وعن أحقية المجلس في أخذ نصف ثمن الحديد المبروم، يشرح الحفار “إن عدد كوادر المجلس المحلي لا تكفي لإدارة الكارثة وتبعاتها في جنديرس، لذلك اضطررنا لزيادة عدد الموظفين لأداء هذا الكم الهائل من الأعمال وخصوصاً المهندسين، ورواتب أولئك الموظفين ستدفع من الصندوق الذي جمعنا به ثمن الحديد، وما يتبقى منه سيكون لصالح مشاريع تحسين البنى التحتية في جنديرس”.
بعيداً عن المجالس المحلية لجأ عدد من أصحاب المنازل في جنديرس بالاتفاق مع العاملين على الآليات الثقيلة إلى إزالة أنقاض منازلهم بشكل مباشر وعلى نفقتهم الشخصية، للحفاظ على حقهم من الحديد المستخرج، بعد حصولهم على الموافقات المطلوبة.
أبو علي يعمل على آلية ثقيلة (باكر) لاستخراج الحديد المبروم من المباني المهدمة، يقول “هناك ثلاث طرق نتقاضى بها أجورنا، الأولى وفق كمية الحديد المبروم المستخرجة ويكون الأجر 150 دولاراً مقابل كل طن حديد مبروم مستخرج، والثانية تكون وفق كمية الركام المزال ويتراوح أجر إزالة المتر المكعب من الركام ما بين 25 إلى 30 دولاراً، أما الثالثة تكون عبر استخراج الحديد المبروم وإزالة الأنقاض وتسوية الحديد المبروم، ليكون جاهزاً للاستخدام مرة أخرى، وذلك مقابل 220 دولاراً للطن من الحديد المبروم”.
نسبة كبيرة من أصحاب المنازل المهدمة، باتت تعتمد على ما تبقى من قطع الحديد المبروم المستخرج من ركام منازلهم وبيعه لتحسين أوضاعها المعيشية. يقول أبو حسين، الذي افتتح مركزاً لشراء الحديد بجميع أنواعه والأثاث في شارع الـ 16 بجنديرس: “اشتري الحديد والأثاث وكل ما يمكن استخراجه من المنازل المهدمة، وأغلب من يأتون إليّ هم أشخاص يعملون في البحث ضمن ركام المنازل بعد إزالته، إلى جانب شراء الحديد المبروم المستخرج وتسويته وإعادة بيعه”.
يبيع أبو حسين طن الحديد المبروم، بعد تسويته، بـ 350 دولار، في حين يتجاوز ثمن الطن الجديد منه 700 دولار.
لم يقتصر استخراج الحديد المبروم من الركام على المجلس المحلي أو أصحاب العقارات، بل سبق كل ذلك قيام أشخاص تابعين لفصائل عسكرية أو أشخاص مدنيين باستخراج الحديد المبروم من مبان مهدمة، وقد شهد أبو أيمن، مهجر من حماة، على إزالة الحديد المبروم من بناء مكون من أربعة طوابق بجواره، إذ يقول: “لم يمضِ أسبوع على الزلزال حتى أحضروا باكراً واستخرجوا ما يقارب ست أو سبع سيارات شحن قاطرة ومقطورة من الحديد”.
استخدم ركام المنازل في فرش أرضيات المخيمات التي أنشئت في جنديرس والعديد من الطرقات، كما استخدم الركام في أساسات ما يجري بناؤه من منازل جديدة، بحسب منشور للدفاع المدني تحدث فيه عن “فتح طرق بطول 160 كم في 197 تجمعاً سكنياً وتنفيذ 540 عملية إزالة جدران أو أسقف متصدعة في 99 تجمع سكني، إضافة إلى تجهيز أكثر من 300 ألف متر مربع من الأراضي وفرشها بالحصى والأنقاض التي خلفها الزلزال، بعد إعادة تدويرها، ضمن 241 تجمعاً”.
اختلفت طرق ضياع حقوق مالكي العقارات من ركام منازلهم، جراء العشوائية التي تبعت الزلزال مباشرة وأساليب عمليات الإزالة من قبل الجهات التنظيمية، أو جراء عدم مطالبتهم بتلك الحقوق، عبر تقديم ما يلزم من ثبوتيات للمجلس ما أفقدهم مبالغ مالية قد تساعدهم على تخفيف آثار ما أصابهم.