أُغلقت مراكز إيواء فتحت أبوابها خلال الاستجابة الأولية لمتضرري الزلزال، بقيت أخرى متاحة حتى اللحظة في انتظار حلّ لقاطنيها، قسم من العائلات بحث عن حلول فردية، أخرى انتقلت إلى كتل سكنية بنتها منظمات وفق شروط محددة، وعادت عائلات إلى منازلها رغم تضررها.
منذ الأيام الأولى للزلزال، أنشئ، بحسب لجنة الاستجابة الطارئة، 52 مركز إيواء، فيها 5677 عائلة في مناطق حكومة الإنقاذ، وضمّت بلدات “كللي وحتان، سلقين، عزمارين، دارة عزة، دركوش” القسم الأكبر من هذه العائلات.
ولم تغطّ هذه المراكز القسم الأكبر من المتضررين، إذ شكّلت نسبة النازحين إليها نحو 30% فقط، إذ بلغ عددهم في مراكز الإيواء 55362 من أصل 189843 شخصاً أحصاهم فريق “منسقو استجابة سوريا” بعد نحو شهر من الزلزال.
المشكلة الأكبر تمثلت، خارج مراكز الإيواء في تأمين خيام للمتضررين، إذ قدّر منسقو الاستجابة الحاجة بنحو عشرين ألف خيمة، تلاها تأمين الخبز والمواد الغذائية داخل مراكز الإيواء وخارجها، إضافة للفرش ومواد التدفئة والمياه، ترافق ذلك مع تعدّد الجهات التي يجب على المتضررين مراجعتها والضغط الحاصل عليها، وقلّة الموارد.
يقول أبو محمد، متضرر من الزلزال يسكن رفقة عائلته المكونة من خمس أخوة إضافة لوالده ووالدته ضمن مبنى على الطريق الزراعي في مدينة الدانا، إنهم أمضوا الأيام الأولى داخل سيارتهم أو في الشارع والساحات العامة.
فكرة سكن أبي محمد وعائلته في مركز إيواء فرضها غياب الحلول المتاحة وبرودة الطقس، وعند وصوله إلى أحد المراكز بالقرب من محل سكنه، طلب مسؤول المركز منه الحصول على ورقة موافقة من مديرية التنمية، في معمل السجاد الموجود في الدانا، ليفاجأ بوجود أكثر من ألفي شخص بانتظار الموافقة.
ثلاثة أيام أمضاها أبو محمد بانتظار دوره، وعند وصوله إلى المسؤول عن منح الموافقات، طلب منه الحصول على ورقة كشف من المجلس المحلي بالضرر الواقع على المبنى الذي يسكنه في البداية، قبل تحويله إلى المديرية الخاصة بالمتضررين لمتابعة الإجراءات.
تخلّى أبو محمد عن فكرة السكن في مراكز الإيواء لطول الإجراءات والشروط الموضوعة، والتي لا تراعي، بحسب أبو محمد، الخوف من السكن في الطوابق العليا والحالة النفسية التي رافقت حدوث الزلزال، ليبدأ بحثه عن خيمة ينصبها أمام المبنى الذي يسكنه.
بمراجعة المجلس المحلي وتوجيهه لأبي محمد نحو مديرية التنمية، طلب منه ترك عنوانه وتسجيل اسمه لديها، وانتظار الكشف على منزله بعد تأمين خيام من قبل المنظمات، لكن أحداً لم يزره، يقول “ما حدا زارنا لا من المجلس ولا من التنمية!”
عشرون يوماً أمضاها أبو محمد دون جدوى، ليعود إلى منزله بعد أن يئس من إيجاد حلّ لمشكلته، حتى لو على صعيد وجود بيت يستأجره بمواصفات مناسبة.
إضافة للمجلس المحلي، تشكّلت في 12 شباط مديرية متضرري الزلزال التابعة لوزارة التنمية، بهدف إحصاء وإعانة المتضررين وتوجيه الدعم الإنساني لهم، عبر مكاتبها الموزعة على كامل المنطقة، بحسب عمار النجار، مدير شؤون متضرري الزلزال.
وينقسم عمل المديرية، ضمن مكاتبها واللجان التي شكلتها داخل المجالس المحلية، إلى ثلاثة مراحل: “مرحلة الطوارئ وإيواء المتضررين وتوزيع المساعدات، مرحلة تقييم الاحتياجات وفرزها، ومرحلة نقل المتضررين من مركز الإيواء إلى كتل سكنية”، يضيف النجار، إن هذه المراحل الثلاث جرت بالتنسيق مع نقابة المهندسين والمنظمات الإنسانية.
ويقدّر النجار عدد العائلات المتضررة بنحو 42 ألف عائلة،وُثقت ضمن بنك معلومات، ووقع على عاتق المديرية إحصاؤها والتحقق منها، وفرزها بحسب الأولوية من حيث حجم الضرر والحاجة إلى السكن، كذلك الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وإعداد قوائم لتقديمها للجهات والمنظمات.
و للوقوف على عمل مديرية متضرري الزلزال، يقول أبو محمد، العامل في مديرية تنمية الكمونة وسرمدا، إن لجاناً خاصة بمتضرري الزلزال تشكّلت في المديريات الفرعية، لمتابعة المقيمين داخل مراكز الإيواء، ومتابعة نقلهم إلى كتل سكنية بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، إذ تم نقل ألف عائلة إلى شقق جاهزة بنتها منظمة “هيومن” في بلدة كللي، من مراكز الإيواء في سرمدا والدانا والأتارب، إضافة لنقل عائلات، بشكل فردي، إلى تجمعات سكنية مبنية مسبقة، وتتوفر فيها شقق فارغة أو مغادرة أحد سكان هذه التجمعات لسكنه، إذ يتم تسليمه لواحدة من العائلات المتضررة.
ويضيف أبو محمد، هناك كتل سكنية تبنى حالياً لنقل المتضررين من مراكز الإيواء أو خارجه، إذ يجري احتواء العائلات المتضررة وتسكينها ضمن مراكز الإيواء المتوفرة أو إنشاء مراكز جديدة، في انتظار إيجاد حلّ لتسكينها ضمن كتل سكنية وفق المشاريع التي تبنى حالياً أو المخطط لبنائها لاحقاً.
إضافة للكتل السكنية، وزّعت خيام من قبل المديرية، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، على قسم من المتضررين، كذلك عادت عائلات إلى منازلها بعد التأكد من سلامتها من قبل اللجان المسحية الهندسية، وشعور العائلات بالأمان.
لم تلبِّ الخطوات المقدمة من المديرية والمنظمات احتياجات المتضررين، إذ لم يحالف الحظ كثر بالدخول إلى مراكز الإيواء أو الحصول على خيمة، كذلك أزيلت خيام من داخل الحدائق والساحات العامة من قبل لجان التنمية، بحجة “تشويه المنظر العام”، بحسب أبو عبد الله، متضرر في مدينة سرمدا.
من حالفه الحظ بالحصول على كتلة سكنية، اصطدم بعدة نقاط سلبية حددها منسقو الاستجابة، بضيق المساحة، إذ غلب على الوحدات السكنية قلة المساحة التي لم تتجاوز 45 متراً، في أحسن الأحوال، وهي غير قادرة على استيعاب العائلات الكبيرة، إضافة لانعدام الخصوصية بسبب تقارب هذه الوحدات من بعضها البعض، والاعتماد بشكل كامل على أراض زراعية للتشييد وحرمان المنطقة من رافد غذائي مهم، وضعف الخدمات، سواء المياه أو الصرف الصحي أو الشبكات الكهربائية.
يضيف أبو عبد الله مشكلة أخرى، وهي بعد هذه الكتل السكنية عن أماكن العمل، يقول إنه لم يسجل اسمه للحصول على شقة سكنية لبعدها عن مكان عمله في سرمدا، إذ سيضطر في هذه الحالة، إلى دفع مبالغ كبيرة للوصول، وبقائه دون عمل المترافق بقلة الخدمات وعدم كفايتها لتحقيق شكل من أشكال الاستقرار لعائلته، ما اضطره للبحث عن بيت مستأجر في المدينة.
يصف أحمد الإبراهيم، متضرر من الزلزال في مدينة الأتارب ويسكن شقة سلمت له في مشروع كللي، حياته داخل هذه الشقة بـ “السجن”، آملاً بدعم منظمات لعمليات الترميم والتدعيم بما يضمن عودة المتضررين إلى منازلهم.
ويشرح الإبراهيم، كان يعمل كبائع متجول، رحلته للحصول على الشقة السكنية وما يعيشه داخلها من مشكلات، يقول ” أقمت وعائلتي في مركز إيواء ضمن مدينة الأتارب، وبعد عشرة أيام من حدوث الزلزال حضرت لجنة من التنمية سجّلت أسماءنا لنقلنا إلى منطقة كللي، وطلبت منا إحضار ورقة مختومة من المجلس المحلي وكشف بالأضرار التي قيمتها اللجان الهندسية، لننقل بعدها إلى كتلة سكنية بمساحة 35 متراً مربعاً، غرفتان ومنتفعات، نعيش فيها أنا وعائلتي المكونة من سبعة أشخاص”.
ويضيف “وُزعت لنا سلة تضم اسفنجات وبطانيات وحصيرة وسجادة ومعدات للمطبخ، إضافة للوح طاقة وبطارية، إضافة لحصة غذائية شهرية ومياه و ربطتين من الخبز”.
يشكل النساء والأطفال والحالات الخاصة أكثر من ثلثي النازحين المتضررين بالزلزال، بحسب منسقو استجابة سوريا، ولا تزيد نسبة الاستجابة الإنسانية في القطاعات كافة عن 25% من هذه الاحتياجات، لكن البحث عن مأوى آمن يشغل رأس سلّم الأولويات غير المحققة، في الوقت الذي تبدو فيه الحلول المؤقتة غير ناجعة ، خاصة مع غياب أي أفق لمساعدة المتضررين بترميم منازلهم وإعادتهم إليها أو تعويضهم عنها.