ما يزال قسم من أصحاب البيوت المتضررة بزلزال السادس من شباط، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، ينتظرون دورهم في كشف اللجان الهندسية لتقييم الأضرار والاطمئنان على منازلهم للعودة إليها، في الوقت الذي ينتظر متضررون آخرون ترميم وتدعيم هذه المنازل من قبل منظمات أو جهات دولية أو التعويض على المنازل المهدمة أو الآيلة للسقوط.
الأرقام التي صدرت في التقرير النهائي لمنسقي استجابة سوريا أوضحت حجم الضرر الكبير على الأصعدة كافة، سواء في المباني أو المؤسسات والمرافق الخدمية والصحية، إذ سجّلت أضراراً في 433 مدرسة (بين أضرار وتهدم جزئي وأضرار متوسطة)، 73 منشأة صحية، 83 دار عبادة، 13 خزان مياه، إضافة لـ 93 منشأة من مرافق أخرى.
الضرر الذي طال المنازل فصّلته إحصائية منسقو الاستجابة، إذ بلغ عدد المباني المهدمة بشكل فوري بعد الزلزال 2171، المباني غير الآمنة وغير القابلة للتدعيم 5344، المباني التي تحتاج للتدعيم 14844، المباني الآمنة التي تحتاج للصيانة 23788، المباني الآيلة للسقوط والتي جرى هدمها بعد الزلزال 214 مبنى.
وبحسب تصريح لمستشار وزير الإدارة المحلية، سعيد الأشقر، أفاد لفوكس حلب بأن 28 لجنة نفذت 1286 جولة، للكشف على المباني والمنشآت المتضررة بالزلزال، بناء على طلبات الكشوف الفنية المقدمة للمجالس المحلية ومديريات الخدمة الفنية، وأن هذه اللجان كشفت على 5413 مبنى تقرر هدم 214 مبنى منها.
لجان متنوعة للكشف عن الأضرار وتصدير البيانات
غطّت اللجان الهندسية المشكّلة في مناطق حكومة الإنقاذ، جميع القرى والبلدات المتضررة في إدلب وريف حلب الغربي، إضافة لمدينة جنديرس، وتمت الاستجابة على مراحل وفق المناطق الأكثر تضرراً ثم بشكل ممنهج وبالتعاون بين نقابة المهندسين ووزارة الإدارة المحلية ووزارة التنمية، إضافة للمجالس المحلية.
البداية كانت باستجابة طوعية من قبل نقابة المهندسين، بحسب المهندس محمد عيد، مسؤول لجنة مسح جنديرس، والذي تحدّث عن تعاون بين النقابة ووزارة الإدارة المحلية والخدمات في إدلب، جرى من خلاله تغطية المناطق الأكثر تضرراً خلال الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال، وحددها بـ “حارم -سلقين -الأتارب -الدانا -ترمانين -ريف جسر الشغور”، بشكل تطوعي مجاني، عبر 12 لجنة ضمت 45 مهندساً، تتألف كل لجنة منها من مهندسين استشاريين، إضافة لمُدخل بيانات.
إدخال البيانات في هذه المرحلة كان بشكل ورقي على ملفّات “وورد”، تقدّم بعدها إلى النقابة المركزية لتنظمها في جداول “إكسل”، وفق استمارة حددت أربعة أنواع من تصنيفات المنازل “خطر -آمن -يحتاج إلى تدعيم -يحتاج إلى ترميم بسيط”.
واعتمدت اللجان، بحسب المهندس عيد، على نسبة ارتباط الجملة الحاملة بالجملة الإنشائية، في تقييم الأضرار، من حالة الأعمدة والجسور والجدران الحاملة، ودرجة الضرر والتهشم فيها، إضافة لطبيعة البناء والمواد التي بني منها مثل الحجارة والقرميد..
المهندس مالك حاج علي، رئيس لجنة العلاقات العامة والإعلام في نقابة المهندسين، قال إن عدد اللجان زاد بعد أيام، نتيجة ضغط العمل وكثرة المناطق المتضررة، عن 25 لجنة موزعة على مختلف المناطق في شمال غربي سوريا، إضافة لـ 12 لجنة خاصة أرسلت إلى جنديرس، كذلك شكّلت لجنة مختصة من الاستشاريين أخصائيي الجسور، كشفت على حالة جسر ميدانكي بعد ورود أخبار عن تشققات في جسمه.
البداية الورقية لم تستمر لفترة طويلة، و استعيض عنها بتطبيق إلكتروني تدخل فيه المعلومات وفق خرائط إلكترونية وصور مؤرشفة لعمليات المسح وتقارير اللجان النهائية، جمعت في داتا، بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية، تحولت إلى بنك معلومات، وأصبحت مرجعاً للمنظمات والجهات الداعمة، بحسب المهندس الحاج علي.
إضافة للجان التي شكّلت، والتي ضمت فيما بعد نحو 100 مهندس استشاري، تطوّع ما يقارب العدد ذاته من المهندسين استجابة لطلبات الأهالي وطمأنتهم على منازلهم، يضيف رئيس لجنة العلاقات العامة في نقابة المهندسين “استقبلت النقابة الأهالي، أو الجهات الرسمية وأرسلت معهم مهندسين، بلا أجر، لفحص المنازل وتقديم تقارير عنها، وإن كان تصنيفها ضمن المنازل الخطرة يتواصل المهندسون مع اللجان للكشف عنها رسمياً وفق الآلية المتبعة وإضافتها لداتا البيانات”.
اللجان الهندسية صنفت المنازل إلى مبنى آمن (قابل للسكن دون ترميم أو تدعيم)، مبنى قابل للسكن لكنه يحتاج للترميم، مبنى غير قابل للسكن ويجب إخلاؤه ريثما يتم تدعيمه أو ترميمه، مبنى آيل للسقوط ويجب إزالته بسبب تضرر الجملة الإنشائية الحاملة له وعدم إمكانية تدعيمه أو ترميمه. وجميع هذه الكشوفات نقلت إلى مديرية الزلازال التي أنشئت في وزارة التنمية.
في حالة المباني الآيلة للسقوط، كان التنسيق لإزالتها يجري بين نقابة المهندسين، من قبل مهندس استشاري مكلّف في كل منطقة ويشرف على عمليات الهدم، باعتباره رئيساً للجنة الهدم، بالتنسيق مع إدارة المناطق والمديريات الفرعية للخدمات والدفاع المدني.
أما في عمليات الترميم فاقتصر عمل نقابة المهندسين على إجراء الدراسات اللازمة والإشراف على عملية الترميم دون رسوم نقابية، بينما يتفق المتضرر والمهندس المشرف على الأتعاب، وتقديمها للمتضرر الراغب بترميم منزله على نفقته الشخصية، ليكمل الإجراءات النظامية مع الجهات الوصائية مثل الخدمات والجهات الرسمية المعنية بمنح الرخص.
إضافة للجان الهندسية المشكلة من نقابة المهندسين والإدارة المحلية، ساهمت المكاتب الفنية في المجالس المحلية بمسح المنازل المتضررة.
يقول وائل بكور، مسير أمور مجلس الأتارب المحلي، إن فرقاً من نقابة المهندسين والإدارة المحلية ووزارة التنمية ساهموا في تقييم الأضرار ضمن مدينة الأتارب، كذلك المجلس المحلي الذي استجاب لمواطنين راجعوا المكتب الفني للاطمئنان على منازلهم.
بوجود اللجان الهندسية يقتصر عمل المجلس على تيسير عمل اللجان وإرشادهم إلى المنازل المتضررة، ووضع العلامات على المنازل وإخطار أصحاب المنازل الخطرة بإخلائها وتنبيه الأهالي بعدم الاقتراب منها.
وحدّد بكور طريقتين اتبعتا للكشف عن المنازل في مدينة الأتارب، إحداهما كانت عن طريق الفرق التي يرافقها مندوبو المجلس المحلي إلى الأماكن المتضررة، وتقييم أحياء بكاملها، أو الطريقة الأخرى بالاستجابة لطلبات كشف فني قدمها المواطنون.
وعن الآلية المتبعة لإزالة الأبنية يقول البكور إنه وبعد التقييم من قبل نقابة المهندسين ووزارة الإدارة المحلية، يكمل المجلس الإجراءات القانونية والموافقات، وتجري عملية الهدم بحضور مختار القرية ورئيس المجلس المحلي وشرطي من البلدية ومندوب عن وزارة الإدارة المحلية والخدمات إضافة لأصحاب العقار المقرر إزالته.
ويضيف البكور إن طلبات الكشف ما تزال تصل إلى المجلس حتى الآن، ويستجيب لها فريق يتبع للمجلس المحلي مكون من مهندس ومساعد مهندس و شخص مطلع على العقارات والمساحات في المنطقة.
الأبنية غير المدروسة زادت من أضرار الزلزال
غياب الدراسات والإشراف الهندسي عن كثير من أبنية المنطقة، واللجوء، سواء في السابق أو في عمليات الترميم الشخصية الحالية، إلى أصحاب الخبرة من بنائين ونجاري بيتون، زاد من حجم المنازل المتضررة بالزلزال، إضافة لاحتمال زيادة المخاطر خلال عمليات الترميم التي تتم حالياً.
يقول المهندس محمد عيد، إنه لاحظ لجوء كثير من أصحاب المنازل المتضررة إلى متعهدي وعمال البناء لتدعيم وترميم منازلهم، مؤكداً افتقار هؤلاء للخبرة الكافية بهذه العمليات وعدم مراعاتهم لعناصر الأمان التي يجب أن تراعى خلال عمليات الترميم.
ويعطي المهندس محمد عيد حكماً عاماً على المباني التي كشف عليها خلال وجوده في جنديرس، يقول “يطغى على المباني سوء التنفيذ، عدم وجود جدران قصية في المباني بشكل عام، نوعية مواد البناء أو البيتون عبارة عن رمل نهري غير نظيف يحتوي على طمي ونواتج عضوية، اوهو ما يؤدي إلى ضعف كبير في البيتون ويسبب ما يسمى استجابة قسرية للقص القاعدي، إضافة لوجود نقص في ترتيبات تفاصيل التسليح بالنسبة للجدران والأعمدة بشكل واضح”.
الترميم والتدعيم على نفقة المتضرر
شهدت الأسابيع الأخيرة عمليات ترميم وتدعيم من قبل المتضررين وعلى نفقتهم الشخصية، دون وجود، أي مشاريع من شأنها مساعدة المتضررين أو تعويضهم، خاصة أن الاستجابة للزلزال، حتى فيما يخص مساعدة النازحين وعمليات الإنقاذ، وصفت بـ “الهشة”، إذ قدّر منسقو الاستجابة حجم الأضرار بنحو 1.95 مليار دولار، في الوقت الذي لم تمول، حتى الآن، سوى 6.6%من خطة الاستجابة الإنسانية السنوية في سوريا، دون حساب أضرار الزلزال.
يقول رامي، مالك بناء مؤلف من ثلاثة طوابق في سرمدا، إن لجنة مختصة كشفت على المبنى بالتعاون مع المجلس المحلي، وقدّمت لنا تقرير خبرة بتضرر المبنى ووجوب تدعيمه، فطلبنا تعيين مهندس مشرف لترميمه على نفقتنا الشخصية.
ويشرح رامي آلية الترميم، يقول “نقابة المهندسين عينت لنا مهندساً مشرفاً، وتم إفراغ الطابق الأول من الأثاث، وإحداث ثقوب في سطح المحلات حول الأعمدة من أجل إنزال مادة البيتون منها، إضافة لتدعيم الأعمدة بالحديد، وتكبير قطر العامود من 30 إلى 70 سم، وبعض الأعمدة إلى متر واحد،من أجل تدعيم المبنى وبناء جدران حمال من الحجر بدل القرميد، وصب جدران من البيتون المسلح وإعادة ترميم الهيكل بشكل كامل بناءً على دراسة وتوجيهات المهندس المشرف”.
قدّر رامي تكلفة الترميم بنحو عشرة آلاف دولار، في الوقت الذي بقيت آلاف المنازل دون ترميم حتى اللحظة، تقول أم محمد، مقيمة في مدينة الأتارب، إن اللجنة الهندسية قررت إزالة منزلها بعد الكشف، نتيجة تعرضه لضرر كبير، وكتبت على جداره عبارة “ممنوع الاقتراب باللون الأحمر”.
ورثت أم محمد المنزل عن والدها، تعيش فيه مع أطفالها الثلاثة بعد موت زوجها، لتجد نفسها وعائلتها دون مأوى بعد هدم منزلها الذي تقرر إزالته، تقول إنها كانت تنظر إلي ما تبقى من جدرانه وهي تسقط، بحضور الدفاع المدني والمجلس المحلي والشرطة واللجنة الهندسية، “كأن أحدهم يصفعني على وجهي”، أضافت وهي تبنى خيمتين فوق منزلها المهدم.
اللجان الهندسية كشفت على كثير من المنازل، لكن متضررين آخرين لم يسعفهم الحظ بالاطمئنان على منازلهم، قسم منهم يسكنونها دون معرفة إن كانت آمنة، قسم آخر فضّل السكن في الخيام أو مراكز الإيواء، يقول علي العمر، من مدينة الأتارب، إنه سجل بياناته لإجراء كشف على منزله بعد أسبوع من الزلزال، لكن أحداً لم يزره، فقام بمراجعة المجلس المحلي وتقديم طلب، وما يزال ينتظر حتى اللحظة.
يناشد متضررون الجهات والمنظمات المالية لتقديم الدعم لمتضرري الزلزال في عمليات الترميم والتدعيم، كما تطالب نقابة المهندسين الجهات الداعمة بتقديم ما يمكّنها من رفع كفاءة المهندسين وتطوير آليات عملهم، إضافة لدورات متخصصة بالزلازل و الأحمال الزلزالية، والبرامج المتخصصة، لإنشاء بناء مدروس ضد الزلازل ويضاهي الأبنية العصرية، خاصة مع توالي الهزات الارتدادية والخوف من آثارها على المباني السكنية.