لم ينته بعد المسح الكلي للمنازل المتضررة بالزلزال الذي ضرب الشمال السوري في السادس من شباط الماضي، لكن إحصائيات اللجان المشكلة من قبل نقابة المهندسين الأحرار فرع حلب والمستمرة حتى اللحظة، أظهرت دماراً كبيراً في المنطقة جرى تقييمه وفق معايير عالمية، دون أي مشاريع مستقبلية لترميم هذه المنازل أو تعويض أصحابها تمهيداً لعودتهم إلى بيوتهم.
ومع مرور أزيد من ثلاثة أشهر على الزلزال ما تزال آلاف العائلات التي تركت منازلها في الخيام أو مراكز الإيواء أو في منازل مستأجرة أو عند أقاربهم، بينما عاد قسم منهم بعد كشف اللجان المسحية وإثبات قابلية منازلهم للسكن. قسم آخر من العائلات جرى إخلاؤهم بحسب توصيات اللجان الهندسية والتي قررت هدم هذه البيوت أو حاجتها للتدعيم مع تبيان خطر الإقامة فيها عليهم وعلى سكان المنازل المجاورة.
يقول خالد عثمان، رئيس فرع نقابة المهندسين بحلب -مدير مشروع المسح الشامل، إن حالات المسح الهندسي زادت حتى السابع من أيار الجاري عن 22 ألف حالة مسح في مناطق الحكومة المؤقتة كافة، وأن العمل ما يزال مستمراً حتى تغطية الطلبات كافة.
وأوضح تقرير “حول استجابة النقابة لكارثة الزلزال” صدر في الأول من أيار الجاري، طبيعة عمل اللجان الهندسية والتوصيات الصادرة عنها، إضافة لحجم الضرر في المنازل والمعايير المحددة لهذا الضرر.
ومرّ عمل اللجان الهندسية المنبثقة عن نقابة المهندسين الأحرار، وفق مرحلتين:
استجابة طارئة
وبدأت بعد ساعات من الزلزال واستمرت حتى الخامس عشر من شباط الماضي، واقتصرت هذه المرحلة بحسب المهندس خالد عثمان، على الاستجابة للحالات الأكثر خطورة، بعد إنشاء رابط إلكتروني من قبل النقابة وتعميمه عبر معرفات النقابة ووسائل التواصل، يبلّغ من خلاله المواطن عن الحالة ويرسل البيانات والمعلومات لتقوم اللجان بالتواصل معه عبر العنوان المحدد لتقييمها.
وشكّلت في مرحلة الاستجابة الطارئة غرفتي عمليات في كل من مدينتي إعزاز وعفرين لإدارة الاستجابة، إضافة لتشكيل لجان هندسية (20 لجنة) تضم كل منها ثلاثة مهندسين يرأسهم مهندس مدني بمثابة استشاري، إذ بلغ عدد المهندسين المشاركين في تلك المرحلة خمسين مهندساً، عالجت هذه اللجان ألف طلب، توزعت على عشر مناطق من أصل ثلاثة آلاف طلب وصلت إليها عبر الرابط الإلكتروني في تلك المرحلة.
حجم الدمار الكبير وكثرة المناطق المتضررة دفعت نقابة المهندسين إلى تشكيل مجموعات “أونلاين”، من مهندسين سوريين استشاريين مغتربين للمساعدة في عمليات التقييم عن طريق التواصل المباشر مع المواطنين، وتشكيل، بمساعدة المجالس المحلية، فرقاً تطوعية شبابية بإدارة النقابة للمساعدة في عمليات الإحصاء والاستجابة وتنظيم العمل.
إضافة للجان تقييم المنازل، تشكّلت لجان فنية للكشف على المدارس والمساجد والمنشآت العامة والحكومية وأبنية المنظمات، كذلك تشكلت لجنة فنية خاصة للكشف على سد ميدانكي.
مرحلة المسح الشامل
بدأت مع انتهاء مرحلة الطوارئ، وما تزال مستمرّة حتى اللحظة، إذ قامت هذه اللجان التي وصل عددها إلى 27 لجنة تضم 64 مهندساً بمسح 22 ألف حالة في 51 منطقة متضررة.
وعن آلية العمل في هذه المرحلة يقول نقيب المهندسين، إنه وإضافة للجان الهندسية تشكلت ثلاث لجان سلامة عامة ولجنة هدم وإزالة.
مرحلة المسح الشامل جاءت بالتنسيق مع منظمة رحمة بلا حدود، والتي قدّمت الدعم المادي واللوجستي لفرق المسح، وبالتعاون مع المجالس المحلية، إذ بدأت بتقسيم المدن المتضررة ، بحسب المخططات التنظيمية، وعملت على ترقيم الأحياء والشوارع والأبنية والشقق.
وتعمل الفرق الهندسية بحسب المهندس خالد عثمان، على مسح الأضرار في المنازل المسجلة عبر الرابط الإلكتروني، وإدخال البيانات عبر رابط “كوبو”، يتضمن المعلومات كافة، من توثيق بالصور للعقار وتوصيف حالة البناء وتحديد مالكه وموقعه عن طريق الإحداثيات GPS.
وصنّفت اللجان الهندسية المباني وفق أربعة تصنيفات:
البناء السليم
لا يوجد أي مظاهر خطورة فيه، توجد بعض الشقوق الشعرية البسيطة في العناصر غير الإنشائية، وهو بناء قابل للسكن.
ضرر بسيط
توجد مؤشرات (شقوق) متعددة في العناصر غير الإنشائية وبعض المؤشرات البسيطة غير الخطرة في العناصر الإنشائية، وهو قابل للسكن مع ضروة الإصلاح.
ضرر متوسط
توجد مؤشرات متعددة في العناصر الإنشائية. تصدعات خطرة في العناصر غير الإنشائية، وهو غير قابل للسكن إذ يجب إخلاؤه حتى انتهاء عمليات الإصلاح.
ضرر جسيم
توجد مؤشرات على بداية حدوث انهيار، المبنى يشكل خطراً على سلامة شاغليه والجوار، ويحتاج للإخلاء الفوري وإحالة دراسته إلى لجنة االسلامة العامة.
يقول مدير مشروع المسح الشامل إنه وبعد الانتهاء من تقييم الحالات، تصل النتائج عبر قاعدة بيانات إلى النقابة،وتحال الأبنية المصنفة بـ “الضرر الجسيم” إلى لجان السلامة العامة، وهي ثلاث لجان تشكلت في كل من إعزاز وعفرين وجنديرس، تضم مهندسين استشاريين، مهمتها إعادة تقييم الأبنية الموصى بإزالتها لإعطاء فرصة أكبر للعمل المهني وزيادة الاحتراز.
بعد إقرار حالة البناء من لجنة السلامة العامة، وفي حال تثبيت إزالته، يحال القرار إلى لجنة الهدم والإزالة، وهي لجنة شكّلت بالتعاون مع المجلس المحلي في جنديرس، تضم ثلاثة مهندسين استشاريين، لدراسة الحالات واختيار الطريقة الأسلم للإزالة بالتنسيق مع المجلس المحلي وفرق الدفاع المدني.
وتعتمد لجان السلامة العامة على ثلاثة معايير أساسية لإزالة وهدم الأبنية المتصدعة، يشرحها نقيب المهندسين بقوله ” إن المعيار الأول يعتمد على الميول الشديد غير القابل للتقويم، وهي الأبنية التي يكون ميولها أكثر من 2 سم على ارتفاع 60 سم، أما المعيار الثاني فيراعي الجدوى الاقتصادية من التدعيم في حالة كانت تكلفته تزيد عن 50% من كلفة البناء على الهيكل. المعيار الأخير هو فرق الهبوطات الذي يؤدي إلى تكسر في معظم الشيناجات (الجسور الأرضية التي تحمل جدران الطابق الملامس للتربة، وظيفتها الربط بين أساسات الأعمدة من أجل توحيد الهبوط بين الأساسات) والبلاطات”.
وبحسب نقابة المهندسين فإن نسبة المنازل غير القابلة للسكن من المنازل التي تم مسحها حتى بداية أيار الحالي وهي (16947) في 51 منطقة، بلغت 19.73%، منها 16.33% مصنفة تحت بند “الضرر المتوسط”، و 3.4% تحت بند “الضرر الجسيم”.
حفظ البيانات وآليات التنفيذ
بعد إجراء عمليات المسح تحفظ البيانات وترسل المعلومات، إما في نهاية عمليات المسح أو بالتدريج، إلى المجالس المحلية، الجهة المعنية بتنفيذ قرارات لجان السلامة العامة والهدم والإزالة، إذ تصدّر النقابة القرارات بشكل تقني وترسل نسخة موقعة ومختومة إليها لاتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية.
قرارات اللجان الهندسية ملزمة، حفاظاً على السلامة العامة، وفي حال عدم تنفيذها تلجأ المجالس المحلية إلى القضاء لتنفيذها، إذ تشارك في عمليات الإزالة، لجنة الهدم والإزالة، المجلس المحلي، الدفاع المدني، الشرطة المدنية، وتقوم الجهات المنفذة بإخطار أصحاب المنزل، والمنازل المجاورة للإخلاء المؤقت خشية تضررهم خلال عمليات الهدم ووضع طوق حول المبنى المراد هدمه ريثما تتم العملية بمعدات مقدمة من الدفاع المدني.
تقدم نقابة المهندسين الأحرار فرع حلب الذي تأسس منتصف 2015، خدمات المسح وقاعدة بيانات بوضع المنازل المتضررة، أملاً في مشاريع قادمة من قبل المنظمات والجهات المعنية لترميم وتدعيم البيوت وعودة سكانها إليها، وتعويض أصحاب البيوت المهدمة أو الموصى بإزالتها تمهيداً لإعادة إعمارها من جديد.