تسبّبت الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية، إضافة لما يعيشه سكان في شمال غربي سوريا من نزوح وتهجير قسري ولجوء إلى الدول المجاورة، بإحداث فجوة اقتصادية كبيرة، وإغلاق مئات من المشاريع والشركات، يضاف إلى ذلك، تركز وجود المصانع والمشاريع التجارية الكبرى في المدن، خارج نطاق سيطرة المعارضة اليوم، وغياب دور الحكومات الموجودة، لنقص التمويل والتخطيط، عن إحداث تغيير في حياة السكان وإيجاد فرص عمل بديلة لهم، وتعمّد كثير من المنظمات الابتعاد عن تحقيق دعم مستدام بدعم المشاريع والاكتفاء بتقديم الدعم المستهلك من (سلل غذائية) شهرياً.
كل تلك الأسباب أظهرت فجوة في حياة السكان الذين يعيش القسم الأكبر منهم تحت خط الفقر، وأبرزت احتياجات جديدة، شكّلت أفكاراً للبدء في مشاريع أكبر من “المشاريع الصغيرة أو متناهية الصغر”، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، لتبدأ مرحلة ما يمكن تسميته بـ “ريادة الأعمال” للظهور.
وتعرّف مشاريع ريادة الأعمال بأنها عملية يتوصل فيها الفرد إلى فرصة لسد احتياج معين لدى المجتمع وتحويله إلى مشروع يدر ربحاً، وتتضمن القدرة على تطوير وإدارة المشروع التجاري من قبل رائد الأعمال مع وجود مخاطر محتملة لتحقيق المكاسب على المدى الطويل.
تتشابه المشاريع الريادية من حيث المبدأ مع المشاريع الصغيرة، إذ أن كثيراً من المشاريع الريادية بدأت كمشاريع صغيرة، لكنها افترقت عنها بطموح أصحابها إحداث تغيير في المجتمعات وتطوير أعمالهم، وبالحس الابتكاري والاستباقية، أيضاً بقدرتهم على البدء بأعمالهم دون التفكير بالمخاطر وجني الأرباح ما يدفعم للصبر على مشاريعهم وتطويرها وضخ الأموال فيها لضمان ازدهارها لاحقاً.
اصطدمت المشاريع الريادية في شمال غربي سوريا بصعوبات جمّة، لم تنجح بإيقافها، لكنها أثرت على انتشارها، وأبرزت حاجة المجتمع والفرد لمثل هذه المشاريع، خاصة في ظل قلة فرص العمل والوظائف ثابتة الدخل، وعدم الاستقرار الاقتصادي في منطقة كان يعيش معظم سكانها على الإنتاج الزراعي أو العمل خارج المنطقة في المدن أو البلدان المجاورة قبل عام 2011.
وتوضح دراسة لوحدة تنسيق الدعم Acu، نشرت في آذار الماضي 2023، أهم مجالات المشاريع الريادية الخاصة وتقسمها إلى:
- فرص عمل عن بعد (مواقع إلكترونية للتدريب، التسويق الإلكتروني)
- مشاريع تجارية (تجارة المواد بأنواعها كافة، صناعية غذائية ألبسة)
- مشاريع خدمية (المونة المنزلية، روضات الأطفال، صالونات التجميل، خدمات التوصيل، الخياطة والنسيج، بيع المشروبات الساخنة)
- مشاريع صناعية (ألبان ومشتقاتها، موزاييك وفخار، صيانة الإلكترونيات، تجميع البطاريات السائلة وإصلاحها، تركيب وإصلاح أنظمة الطاقة الشمسية، صيانة الدراجات النارية، الصابون والمنظفات).
- مشاريع زراعية (استنبات الشعير، زراعات غير متوفرة في المنطقة، تربية المواشي والدواجن، مشاتل لتوليد والغراس).
ساهمت في تحقيق هذه المشاريع منظمات إنسانية، لكن بنسبة قليلة لم تتجاوز 33%، بينما اعتمدت باقي المشاريع على الممتلكات الشخصية أو الشراكة مع ممولين آخرين.
وبحسب الدراسة فإن المشاريع التجارية شكّلت 34% من قطاع المشاريع الريادية، تلتها الصناعية بـ 31%، الخدمية 17 %، الزراعية 8%، التعليمية 9٪ ، الصحية 1%. وكان متوسط نسبة العاملين الأعلى في المشاريع الزراعية بواقع 8 عاملين لكل مشروع، الصناعية 5 عاملين، التجارية 4 عاملين.
كسب العيش نتيجة ندرة الوظائف كان السبب الأهم لبدء أشخاص بمشاريعهم الريادية، إذ شكل نسبة 44%، بينما أرجع 27%، بحسب الدراسة، السبب، لإيجاد حلول لمشاكل يعاني منها السكان، و 11% لمواصلة عمل أو إرث عائلي، 11% لبناء ثروة أو تحقيق دخل مرتفع، 7% لإحداث تغيير في العالم.
نحو ثلثي هذه المشاريع، (66%) منها أنشئت في السنوات الخمس الماضية، بينما زاد عمر 16% منها عن عشر سنوات، و 14% أنشئت في السنوات العشر الماضية، و 4% كانت ميراثاً من العائلة.
ارتفاع نسبة المشاريع الريادية في السنوات الخمس الماضية جاء لأسباب كثيرة، منها حاجة السكان وتراجع العمليات العسكرية ونوع من الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته المنطقة، ووصول مصادر الطاقة (الغاز -الكهرباء -المياه) بشكل أسهل إلى شمال غربي سوريا، وإن كان بتكاليف يراها بعضهم “باهظة”، ودخول خدمات التسويق وتكنولوجيا المعلومات إلى السوق، وتوفر الإنترنت، ومكاتب الحوالات المالية.
أفاد، بحسب الدراسة، 85% من أصحاب المشاريع الريادية أن الغاز متوفر في مناطقهم، و 92٪ رؤوا أن المياه متوفرة، 75% تحدثوا عن توفر الكهرباء لمشاريعهم، 95٪ تحدثوا عن وفرة الإنترنت، و 91٪ أفادوا بتوفر مكاتب الحوالات المالية.
توفر الخدمات رفع من نسبة استقرار المشاريع الريادية في شمال غربي سوريا، إذ يرى 87% من أصحاب المشاريع الذين تحدثت عنهم الدراسة، أن مشاريعهم مستقرة، 33٪ منهم قالوا إن الربح يتناسب مع رأس المال و 28% منهم قالوا إن الأرباح جيدة ولكنها لا تتناسب مع رأس المال.
وبالرغم من النسبة الكبيرة التي تحدثت عن استقرار لمشاريعهم لكن صعوبات كثيرة واجهت ريادة الأعمال في المنطقة، إذ أن 49% من أصحاب المشاريع أفادوا بأن (مشاريعهم غير مستقرة أو قليلة الأرباح أو خاسرة أو ما تزال في البداية).
ويعدّ انعدام مصادر الطاقة ونقص المواد الأولية السببان الأكثر أهمية في عدم الاستقرار، وبنسبة 22% لكل منهما، يليهما عدم الاستقرار العسكري بنسبة 13%، وإغلاق المعابر الداخلية بنسبة 11%، والاتاوات التي تفرضها سلطات الأمر الواقع بنسبة 9%، ونقص العمالة الماهرة بنسبة 7%، وإغلاق المعابر الحدودية بنسبة4%، والقيود المفروضة على التراخيص 4%، وانعدام الأمن (السرقة والسطو المسلح) بنسبة 4%.
تمثل المشاريع الريادية أحد الحلول للسكان في المنطقة بتأمين فرص العمل وتصريف الإنتاج وتحقيق شيء من الاكتفاء الذاتي، لكن تحقيقها ليس بالأمر الهيّن، إذ أن 22٪ فقط من أصحاب المشاريع يرون أن البدء بمثل هذه الأعمال “سهل”، وهو ما يفرض إجراءات عملية لتطويرها، أهمها دعم المنظمات للمشاريع الريادية والدعم الحكومي لها بإجراءات الترخيص وتأمين مصادر الطاقة بأسعار مناسبة وحمايتها، وتدريب الأشخاص لاستنباط أفكار لمشاريع جديدة مع تسهيلات لفتح التصدير ودعم الكلف التشغيلية في بدايتها.