فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

عمل وصيام وواجبات منزلية.. مسؤوليات المرأة العاملة في شهر رمضان

سيرين مصطفى

تبتكر نساء عاملات طرقاً شتى لتنظيم المهام اليومية وتنسيقها ما بين عملهنّ خارج المنزل وواجباتهنّ داخله خلال شهر رمضان

تواجه النساء العاملات صعوبة في التنسيق بين أعمال المنزل وواجباتهن الزوجية والأسرية من جهة، وعملهن خارج المنزل من جهة أخرى. إذ يتضاعف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهنَّ في شهر رمضان ما يفرض عليهنّ تغييرات في روتين حياتهنّ اليومية، ويضعهنّ تحت ضغوطات تسبب لهن مشاكل جسدية ونفسية. 

تقف أم عبدو، كل يوم سبت، أمام بسطتها، في شارع داخل مخيم نور الهدى بدير حسان، التي امتلأت بمستحضرات التجميل والاكسسوارات النسائية، حاملةً بيدها علبة “كريم” تتحدث لإحدى زبائنها عن فوائده للبشرة محاولة إقناعها بشرائه، تأخذ نفساً عميقاً بعد رحيل الزبونة، وتجلس على كرسي صغير لتريح قدميها، إذ يُخصص يوم السبت من كل أسبوع، لتجمعات الباعة الجوالين فيها ويطلق عليه أهالي المنطقة “سوق السبت”، وفي باقي الأيام يبحث البائعين، ومن بينهم أم عبدو، عن أسواق في مناطق أخرى، تتيح لهم فرش بضاعتهم بشوارعها. 

تقول أم عبدو: “لا استطيع التنقل باستمرار إلى مناطق أخرى بعيدةً عن مكان إقامتي، إذ تزداد صعوبة العمل في شهر رمضان عندما أكون صائمة، لاسيما أن طبيعة عملي تفرض علي الاستيقاظ باكراً والذهاب إلى السوق منذ الساعة الثامنة وأبقى هناك حتى الساعة الثانية ظهراً، أمضي وقتي بالحديث عن مفاتن بضاعتي لامرأة وأتجادل مع أخرى من أجل السعر، وغيرها من الأمور التي تفرضها طبيعة عملي”.

لا تستطيع أم عبدو الحصول على قسط من الراحة عند عودتها من السوق، إذ ينتظرها في البيت واجبات أخرى؛ إطعام بناتها الثلاث وتنظيف المنزل وترتيبه، واستقبال بعض الزبائن الذين اعتادوا على شراء بضاعتها من منزلها، وعليها مسابقة الزمن كي تستطيع تحضير وجبة الإفطار قبل أذان المغرب. 

تعد مهنة التدريس، من المهن التي تتطلب جهداً ذهنياً عالياً، إذ تعمل المدرِّسة 5 أو 6 ساعات تدريس، حسب عدد الحصص المكلفة بها باليوم الواحد وتبقى طوال اليوم واقفة على قدميها تشرح الدروس للطلاب والطالبات، وهذا حال المدرسة فاطمة التي غابت عن الوعي قبل موعد أذان المغرب بساعة واحدة، وأدخلت كل أفراد عائلتها في حالة من الذعر.

تجمعوا حولها وبدؤوا يسكبون قليلاً من الماء على وجهها لتصحو، طالبين منها أن ترتاح، حسب ما روت لنا، تقول: “فشلت بمقاومة التعب مرتين في يوم واحد، الأولى في منتصف الحصة الرابعة من المدرسة، إذ فقدت القدرة على الوقوف على قدمي، فتوقفتُ عن إعطاء الدرس وخرجت من الصف بعد أن شعرت بالدوار، والمرة الثانية قبل أذان المغرب”.

لدى فاطمة، 33 عاماً، طفلة لم تتجاوز الشهرين من عمرها، وهي مضطرة لإرضاعها طوال اليوم، والصيام يؤثر على صحتها، إضافة لعملها بإحدى مدارس دير حسان والذي لا تستطيع الاستغناء عنه، وفي الأيام التي تبذل فيها مجهوداً إضافياً ما بين الاعتناء بطفلتها الرضيعة والواجبات المنزلية، تضطر إلى “كسر صيامها”.

يزداد الأمر صعوبة بالنسبة للنسوة اللاتي تعملن بمهنٍ مثل صنع الحلويات أو الخياطة لأن نشاطهنّ يزداد خلال شهر رمضان، وهو حال غصون شهاب، 37 عاماً، تعمل خيّاطة في قرية مشهد روحين بريف إدلب شمالي، كي تعيل أولادها الخمسة، يتطلب عمل غصون وقتاً طويلاً وذهناً صافياً للخياطة وتفصيل مقاسات القماش، كما توضح لنا، وخاصة مرحلة القص التي تحتاج إلى تركيز عالٍ بعيداً عن ضجيج الأطفال، تجنباً لحدوث خطأ بـ”التفصيلة” يسبب لها خسارة مادية، حسب قولها. 

تقول شهاب: “في شهر رمضان يزداد عدد الزبونات اللواتي يقصدنني من أجل خياطة ملابس لهن ولأطفالهن، خاصة  في الأيام العشرة الأخيرة قبل العيد، وأنا أجد بذلك فرصة لمضاعفة العمل، لكن ذلك يسبب لي معاناة لا توصف سواء من الناحية الجسدية أو الذهنية، فإلى جانب ضغط العمل هناك واجبات المنزل ومتطلبات الأولاد التي لا تنتهي”.

توزع غصون وقتها على مهامها اليومية في شهر رمضان حتى تتمكن من إنجاز جميع الواجبات “في أغلب الأحيان أقوم بالقص في وقت الليل بعد الإفطار، لأنه يحتاج تركيز ونشاط، أما الخياطة أتركها للنهار، بعد الانتهاء من أعمال البيت، فأظلُّ أعمل تقريباً حتى العصر، وبعدها أنشغل بتحضير طعام الإفطار”.

في الوقت ذاته تواجه بعض النساء مشاكل مع أزواجهنَّ وعائلاتهنّ في حال قصرن تجاه الواجبات المنزلية، بسبب الفكرة السائدة في مجتمعاتنا العربية؛ بأن أعمال المنزل هي فرض على المرأة دون الرجل، وهو ما يحدث مع صبحية، 28 عاماً، تقيم في أطمة بريف إدلب الشمالي، والتي يهددها زوجها بالزواج من امرأة أخرى لمجرد أن يرى أي تقصير.

تقول صبحية: “بحكم عملي في إحدى المنظمات الإنسانية في المنطقة، أعود إلى المنزل عند الساعة الرابعة عصراً ولا أعطي نفسي مجالاً للراحة، إذ أمضي وقتي بالترتيب والتنظيف وطهي الطعام، وفي حال قصرت بشيء يثور عليّ زوجي ويتهمني بالإهمال ويهددني بأنه سيجبرني على ترك الوظيفة، فلا يشفع لي صيامي ولا تعبي طوال النهار”.

تتحمل صبحية الضغط والتأنيب اللذين تتعرض لهما من قبل زوجها، لأنه مدخوله لا يغطي نفقات المنزل، وفي الوقت نفسه لا ترغب أن تذهب سنوات دراستها سدى، وتحاول قدر الإمكان استيعاب طباع زوجها الصعبة، ولا تخبر أهلها بما يحدث بينهما من خلافات كي لا تصل الأمور إلى الطلاق. 

لكن هناك رجال آخرون يحرصون على مساعدة زوجاتهم خلال شهر رمضان، ويعذروهنّ في حال لم يتمكنَّ من إنجاز الأعمال كافة، إذ أن المنزل يحتاج اهتمام وجهود الطرفين كليهما، الزوج والزوجة، حتى يبقى محافظاً على توازن العائلة وتكون العلاقة ما بين جميع أفرادها صحية، وذلك بحسب شادي مأمون، 29 عاماً، ويقيم قي معرة مصرين.

يقول المأمون: “مساعدة الزوجة واجب على الزوج حتى في الأيام العادية، فكيف إذا كانت الزوجة تعمل من أجل مساندة زوجها مادياً ومعنوياً، خاصة أن متطلبات الحياة في ظل الغلاء باتت صعبة وهي بحاجة جهود الزوج والزوجة داخل وخارج المنزل”.

تبتكر أغلب النساء اللواتي التقينا بهنّ طُرقاً وحيلاً شتى بهدف تنظيم المهام اليومية وتنسيقها ما بين عملهنّ خارج المنزل وواجباتهنّ داخله خلال شهر رمضان، فبعض النساء تعتمدن على الأطعمة الجاهزة في الأيام التي لا تستطعن تحضير الطعام في المنزل، ونساء أخريات تطلبنّ المساعدة من الأمهات والحماوات، لكن ليس بمقدور جميع النساء العاملات والموظفات الاعتماد على الأطعمة والوجبات الجاهزة، خاصة اللواتي تحصلن على مقابل مادي قليل بالكاد يغطي احتياجات المنزل، لذلك تعمل بعض النساء على تحضير الطعام في الليل لتقدمه في اليوم التالي. 

كما تحرص الموظفات ألَّا تأخذنّ إجازات إدارية قبل شهر رمضان كي تتمكنَّ في هذا الشهر الحصول على إجازة طارئة عند الضرورة، ما يضطرهن لتقليل ساعات النوم كي تستطيعن التوفيق ما بين المهمات والواجبات المفروضة على عاتقهن، وهذا كله على حساب صحتهنّ الجسدية والنفسية.