فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

تفاقم وضع مرضى السرطان يدفع نشطاء لإطلاق حملة “أنقذوهم”

ٲسامة الشامي

أكثر من ثلاثة آلاف مريض سرطان في الشمال السوري ينتظرون حلّاً بعد منع دخولهم إلى تركيا، وتعذّر علاجهم في المستشفيات المحلية.

أطلق عاملون في مؤسسات طبية وإعلامية وفرق إنسانية في الشمال السوري، يوم الخميس الفائت، حملة “أنقذوهم” لدعم أكثر من ثلاثة آلاف مريض بالسرطان، وجدوا أنفسهم “وحيدين” بعد حرمانهم من العلاج داخل تركيا، إثر الزلزال، وتعذّر توفير الجرعات والأدوية والأجهزة اللازمة في المستشفيات المحلية.

وجاء في بيان الحملة أن توقف تركيا عن استقبال المرضى عبر المعابر الحدودية مع سوريا، منذ شباط الفائت، حال دون علاج مئات من مرضى السرطان، الأكثر تضرراً، ما فاقم حالتهم المرضية والنفسية، وأصبحوا عرضة لاحتمال انتشار المرض، خاصة مع ارتفاع تكاليف العلاج، إن توفرت الأدوية اللازمة، وعدم وجوده بالكامل لبعض الأنواع السرطانية.

يقول، عبد الله، قريب لأمل (45 عاماً، مريضة سرطان في منطقة حارم)، “قبل الزلزال اكتشفنا إصابة أمل بالسرطان، وجرى تحويلها إلى تركيا للعلاج، هناك أخذت عيّنات للتحليل من المريضة وأعيدت لسوريا في انتظار تحديد مواعيد دخولها للبدء بمرحلة العلاج الذي ترافق مع حدوث الزلزال لتتوقف كل الإجراءات”.

تزداد حالة أمل سوء، يوماً بعد يوم، تشعر الآن بفتور يشبه “الشلل” في أطرافها، وتحتاج، بحسب طبيبها، لعلاج بشكل مباشر وبالسرعة الممكنة، لكن ذلك لا يمكن تحقيقه، بحسب عبد الله الذي يتساءل ” كيف يمكن البدء بالعلاج.. الدخول لتركيا اليوم بات مستحيلاً، والجرعات المطلوبة مرتفعة الثمن ولا يمكن تأمينها، وهي خطوة أولى في العلاج، إذ أنها لن تكون كافية؟”.

تشير الحملة أن النقص في مستشفيات شمال غربي سوريا، لا يقتصر، عند مرضى السرطان، على عدم توفر الأدوية الكيماوية لتطبيق البروتوكولات الطبية اللازمة للعلاج، بل يشمل عدم توفر العلاج المناعي والأجهزة الطبية الشعاعية لمتابعة المرضى، والأجهزة الطبية الشعاعية الضرورية لاستكمال العلاج.

ويبلغ عدد مرضى السرطان الذين توقف علاجهم في المستشفيات التركية بعد الزلزال، 1785 مريضاً، وعدد الذين عادوا من تركيا بعد توقف العلاج وباتوا بلا أي فرصة علاجية 450 مريضاً، في حين يبلغ متوسط الحالات السرطانية المسجلة جديداً في شمال غربي سوريا 1100حالة سنوياً (بمعدل ثلاث حالات يومياً)، بحسب المكتب الطبي في معبر باب الهوى الحدودي.

أم زهير (49 عاماً، نازحة من ريف حماة تسكن قرية كفرلوسين في إدلب)، إحدى مريضات السرطان اللواتي توقف علاجهن بعد الزلزال، لتعود إلى سوريا في انتظار حلّ لإنقاذها. نجت أم زهير من تهدم المبنى الذي كانت تسكنه في أنطاكيا، خلال رحلة علاجها في تركيا، وفقدت خلال الزلزال جميع أوراقها وتقاريرها الطبية، تقول إنها “أخذت سبع جرعات كيماوية في تركيا قبل أن يتوقف العلاج وتعود إلى سوريا دون أن تشفى، بفعل الزلزال”.

تشكو أم زهير من سرطان الثدي الذي استؤصل بعمل جراحي، قبل البدء بالجرعات الكيماوية لإيقاف انتشار المرض وعودته من جديد، يقول زوجها إنها “خائفة، وكلما شعرت بألم في أي موضع من جسدها تتوهم بأن المرض قد امتدّ إلى مناطق أخرى”، يبدو ذلك واضحاً على وجهها الشاحب وملامحها اليائسة حين التقيناها، وتخبرنا أنها تأخرت عن جرعاتها وأنها لا تملك ثمن الجرعات اللازمة.

أمل وأم زهير حالتان من أصل 1785 حالة وثقها المركز الطبي بباب الهوى، لمرضى السرطان الداخلين إلى تركيا، أول مرة في عام 2022، ،لا يشمل هذا العدد مرضى السنوات السابقة الذين يتابعون علاجهم في تركيا.

توزّعت الحالات إلى 241 سرطان ثدي، 238 سرطان دم، 136 سرطان دماغ، 130 سرطان رئة، 90 لمفوما، 85 سرطان مثانة، و 865 سرطانات متنوعة.

أما توزع الحالات المرضية على الفئات العمرية فكانت 240 مريضاً تحت 18 سنة يشكون من سرطانات متعددة، منهم 50 طفلاً بسرطان دم، و 48 طفلاً تحت 8 سنوات، أما البالغين من مرضى السرطان فكان عددهم 1545، منهم 866 ذكراً و 679 أنثى.

تفيد بيانات الحملة، أن العلاج المجاني في مستشفيات شمال غربي سوريا يتوفر لنحو 40% فقط من الحالات السرطانية المكتشفة، وأن من يتوقف علاجهم على توفير الجرعات غير المجانية يبلغ 35% من الحالات، بينما لا تملك 25% من الحالات السرطانية أي فرصة للعلاج (المجاني أو المدفوع)، ويتطلب علاجهم أجهزة غير متوفرة سوى في المستشفيات التركية.

وتحتاج الفئة الأخيرة، لواحد من حلين، إما السماح لهم بالدخول إلى تركيا للعلاج أو إنشاء مركز علاج متطور ومتكامل مزود بالأجهزة اللازمة، وهو ما كان السبب الرئيس في إطلاق حملة “أنقذوهم”.

يقول الطبيب بشير الإسماعيل، مدير المكتب الطبي في باب الهوى، إن الحملة التي أطلقها كل من مديرية الصحة ومركز الأورام والمركز الطبي لمعبر باب الهوى في إدلب، بالتعاون مع إعلاميين وناشطين وفريق ملهم التطوعي، تسلط الضوء على مرضى السرطان، بسبب عامل الوقت المهم وعدم إمكانية الانتظار.

وتهدف إلى “جمع تبرعات لصالح مركز الأورام بإدلب لتأمين الجرعات الضرورية غير المتوفرة مجاناً، ومحاولة شراء جهاز العلاج الشعاعي وأجهزة أخرى تساعد في عملية العلاج”.

بصورة أكثر تفصيلاً، حددت الحملة احتياجات الاستجابة لمرضى السرطان، الإسعافية والمستدامة، بـ “توفير الأدوية الكيماوية الإسعافية اللازمة للمرضى، ودعم مستشفيات في المنطقة للحصول على العلاج الشعاعي وحصول المرضى عليه بسرعة وفعالية، وتأمين العلاج الكيماوي والمناعي لمدة سنتين على الأقل، وتأمين الأجهزة الطبية اللازمة لتشخيص وتحديد المرحلة الورمية، لمتابعة المرضى قبل وبعد الانتهاء من العلاج الكيماوي مثل: PET CT, Bone scan, Flowcytometry .i وغيرها، وإنشاء نظام معلومات وأتمتة طبية، ومحاولة تأمين دخول المرضى الذين يحتاجون للعلاج الإشعاعي الإسعافي إلى تركيا بالسرعة الممكنة”.

يقدّر قائمون على الحملة تكاليف شراء بعض الأجهزة اللازمة بنحو مليوني دولار، وتكلفة تأمين الجرعات الكيماوية لثلاثة أشهر بنحو نصف مليون دولار، ما يفرض تأمين دعم دولي وعربي، إضافة للتبرعات، والضغط لإعادة استقبال الحالات المستعصية من مرضى السرطان في المستشفيات التركية. وحدّدت الحملة حساباً بنكياً للتبرع، وسيكون هناك لجنة مالية مؤلفة من أطباء وإعلاميين تشرف على التبرعات وصرفها، بحسب محمد الفيصل (إعلامي في الحملة).

في انتظار حلّ، يعيش أبو خالد (55 عاماً وأب لخمسة أطفال، يسكن مخيمات دير حسان)، مع آلامه الشديدة المرافقة لسرطان البروستات، حاول أن يتماسك عند لقائنا به، لكن ما يشكوه من ألم حال دون ذلك، بدا وجهه مرهقاً يسكنه الخوف وهو يخبرنا “أنا هلق بلشت حس بوجع بعضامي، يعني ممكن وصل للعضم، وكنت بشي وصرت بشي بسبب التأخر بالعلاج، الانسان طبيب نفسو أنا حاسس هيك، إذا ما كملت علاجي المتوقف بموت”. قبل شهرين، كان أبو خالد يخضع للعلاج بتركيا، قال إن “كل شيء كان على ما يرام، أما الآن فقدت كل شيء”.

تتفاقم مشكلة مرضى السرطان في شمال سوريا عاماً بعد عام، إذ سجّل عام 2019، دخول 2013 مريضاً إلى تركيا، و 1772 مريضاً في عام 2020، و 1700 مريضاً عام 2021، و 1785 مريضاً عام 2022، ناهيك عن المرضى الذين توجهوا للعلاج في مناطق النظام، والذين لم تكتشف حالاتهم بعد، وسط غياب للحلول التي تحكمها المعابر ومزاج القائمين عليها ما يستدعي تحرّكاً دولياً للتخفيف عن آلاف المرضى سنوياً، نصفهم من الأطفال والنساء، وسط ظروف مادية قاسية يعيشونها تحول دون تأمين لقمة عيشهم فكيف بتكاليف علاجهم التي تصل إلى آلاف الدولارات، ما يضع العالم أمام مسؤوليات إنسانية وأخلاقية لإنقاذهم.