فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

كلاب مدرّبة وأجهزة متطورة.. تقنيات إنقاذ غابت عن الأنقاض في شمالي غربي سوريا

محمد كنعان

غياب الأجهزة والمعدات المتطورة والكلاب المدربة، خلال الاستجابة التي رافقت الزلزال، شمالي غربي سوريا، حال دون توسيع عمليات الإنقاذ والبحث عن ناجين قضوا تحت الأنقاض.

تسبّب نقص المعدات والآليات الثقيلة خلال عمليات الإنقاذ التي قادتها فرق الدفاع المدني، استجابة للزلزال الذي ضرب شمالي غربي سوريا، بتأخر الوصول إلى العالقين، والبحث عن ناجين تحت الأنقاض.

الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الدفاع المدني أثناء القصف والمعارك، والاستجابة المحلية من الأهالي والمؤسسات، لم تغطّ النقص الحاصل، خاصة على صعيد الأجهزة المتطورة والكلاب المدربة.

في الساعات التي كانت فيها فرص النجاة معقولة، لم يصل إلى فرق الدفاع المدني ما يساعد على إنقاذ العالقين، من مركبات وآليات ثقيلة ومعدات هندسيّة وأجهزة تقنيّة، سواء من الأمم المتّحدة التي تذرّعت بأسباب بيروقراطيّة وعوائق لوجستيّة بحسب مدير الدفاع المدني، مغفلة أن غالبية أنقاض الشمال السوري قبل الزلزال نتجت عن قصف النظام وحليفه الروسي، رغم أنها أرسلت نحو 4948 خبير بحث وإنقاذ إلى تركيا وفقاً لنظام تنسيق وإدارة الكوارث(UNDAC)، أو من الدول العربية والأجنبيّة الداعمة للخوذ البيضاء.

بعد 108 ساعات من وقوع الزلزال، عمل فيها متطوعو الخوذ البيضاء دون نوم أو راحة، أعلن مدير الدفاع المدني السوري(الخوذ البيضاء)، رائد الصالح الانتقال من مرحلة البحث والإنقاذ إلى مرحلة البحث والانتشال، نتيجة ندرة فرص الحياة للعالقين تحت الأنقاض، في الوقت الذي كانت فيه عمليات الإنقاذ تجري على قدم وساق في تركيا، و بدرجة أقل في مناطق النظام السوري، استخدمت فيها كلاب مدرّبة وأجهزة تقنية متطورة، كانت خارج قاموس الاستجابة في الشمال السوري ومنعت عنه.

مجمل ما قدم للدفاع المدني كان نحو مئتي آلية وكميّات من الوقود ومعدّات حفر بسيطة من المنظمات الأهلية والمحليّة ومن السكان، لكن ما أنتجته الكارثة من دمار كان يحتاج لعشرات أضعاف ذلك، في ظل ضيق الوقت لاستكمال تأهيل المعدات القديمة، وإصلاح المعطّلة منها، وقلة عدد آليات مهمة مثل رافعات الأسقف، وشح الوقود.

 إلى جانب معدات الحفر البسيطة استعمل متطوعو الخوذ البيضاء الوسائد الهوائية (ابتكار صممه المهندس السوري أسامة شمّا) في سحب العالقين تحت الأنقاض، وهي أكياس متينة بسماكة تقل عن 2 سنتيمتراً، تضغط بالهواء، وترفع أوزان تتراوح بين 5 إلى 6 طن من الكتل البيتونيّة حتى ارتفاع 13 سنتيمتراً، ويمكن استعمالها بطريقة مزدوجة، إذ توضع وسادتين تحت الخرسانية للحصول على ارتفاع يساعد على انتشال الضحية.

كما لم تدخل المنطقة للمساعدة فرق إنقاذ خارجية، باستثناء فريق تقني مصري يضم أطباء ويقيم أفراده في تركيا، وفريق إسباني، يضم أربعة أفراد، دخل دون معدات واستعان بما هو موجود لدى الدفاع المدني، في الوقت الذي وثق أفراد من الفريق ذاته عملية إنقاذ ثلاثة أشخاص باستخدام تقنيات حديثة، وهم من بين أزيد من ستين فريقاً دخلوا تركيا بكامل معدّاتهم التقنية رفقة كلابهم المدربة، في حين وصل إلى مناطق النظام نحو 13 فريقاً، ما عدا الطائرات التي حملت مساعدات إغاثية وطبية، وحطت في مطارات البلدين.

يقول رائد الصالح، مدير الدفاع المدني في تحقيق صحفي أجرته BBC، إنه “لو وصل إلى مناطق الشمال السوري فرق إنقاذ، كالتي أتت إلى تركيا، تمتلك كلاباً مدرّبة وكاميرات حرارية، لأحدث ذلك فارقاً كبيراً في عمليات البحث والإنقاذ، خاصة أن الدفاع المدني لا يمتلك مثل وسائل الإنقاذ هذه”.

في حديثه لفوكس حلب يؤكد أحمد يازجي، عضو مجلس إدارة الدفاع المدني، أن الكلاب المدرّبة كبيرة الفعالية في مثل هكذا كوارث لكنهم لا يمتلكونها، ويرجع ذلك لانعدام السلالات المطلوبة في الشمال السوري وصعوبة تأمينها من الخارج، إضافة لعدم وجود كوادر مخصصة  في الدفاع المدني قادرة على تدريب الكلاب والتعامل معها.

يتماهى كلام يازجي  والصالح مع ما فعلته الكلاب المدرّبة والأجهزة التقنية في تسهيل وتسريع عمليات الإنقاذ، وإجراء بحث أوسع وأعمق وأدق، دون الاكتفاء بالنمط التقليدي(أسلوب الإنقاذ الوحيد المتبع في شمال غربي سورية) الذي يعتمد على نداء رجال الإنقاذ، وصمتهم لسماع صوت الضحية أو طرقها على الخرسانة.

في تركيا مثلاً، نجحت كلبة مدرّبة تسمّى “سيلا” في العثور على 12 شخصاً تحت الأنقاض جرى إنقاذهم في ولاية ملاطية بحسب وزارة الدفاع التركيّة.إضافة للكلاب التركيّة، كان نحو 388 كلباً مدرّباً جاءت بها الفرق التي وصلت إلى تركيا تساهم في عمليات الإنقاذ، إذ أنقذت نحو 74 شخصاً في كهرمان مرعش وحدها.

لم تعتمد فرق الإنقاذ في تركيا على الكلاب المدرّبة فقط، لكن على الأجهزة والمعدّات المتطورة التي أثبتت قدرة فائقة في عمليات البحث، مثل نظام رادر “DAR” التركي الذي يخترق الخرسانة بواسطة أشعة واسعة الانتشار ترصد الأجسام الثابتة والمتحرّكة، ويمكنه رصد دقات القلب، وتحديد محيط الضحيّة بمدىً يصل إلى 22 متراً.

إلى جانب ذلك برز دور الكاميرات الحرارية، وهي تقنية تحدد مكان العالقين تحت الأنقاض وتستشعر ضربات القلب وزفرات التنفّس وحرارة الجسم بواسطة الأشعة تحت الحمراء، بالإضافة إلى الأفعى الروبوت وروبوتات عالية التقنيّة والفئران المزوّدة بكاميرات يمكن إرسالها إلى فجوات ضيقة تحت الركام، وأجهزة تقنية استخدمت الفرق الأجنبية  والعربية التي دخلت تركيا، وشكلت الأنقاض بيئة خصبة لإظهار فعالية هذه الأجهزة واختبار قدرتها على البحث والتعرف.

في مناطق شمالي غربي سوريا، لم يكن بأيدي عناصر الدفاع المدني سوى كاميرات حرارية قليلة وقديمة، غير متطوّرة، لم تؤدّ الغرض المطلوب منها، يقول يازجي إن “الأمل كان محصوراً بدخول فرق إنقاذ لاستعمال هذه المعدات التقنية في الوقت الذهبي للإنقاذ”، والتي حددها في الـ 72 ساعة الأولى، “نظراً لحساسية هذه الأجهزة كونها تستعمل لأغراض غير مدنيّة ويحظر بيعها لمناطق النزاعات مثل سورية وليبيا واليمن”.

ويؤكد يازجي على أن فرق الدفاع المدني السوري تمتلك قدرات وخبرة عالية في انتشال العالقين تحت الأنقاض، اكتسبتها من التدريبات المستمرّة والعمل المتواصل لأكثر عشر سنوات خلال الحرب في سورية، لكن وجود وسائل حفر وانتشال بسيطة تطلّب جهداً ووقتاً إضافيين.

رابع أيام الكارثة وصلت مساعدات أممية إلى شمالي غربي سوريا، تتعلق بإغاثة المنكوبين من الزلزال دون أن يكون بينها معدات إنقاذ، رغم الحاجة الماسّة إليها، يقول يازجي إن الوكالة الأميركيّة للتنمية هي فقط من زودهم بمعدات إنقاذ تقليدية وصلت في اليوم الثامن عشر من الكارثة.

أنقذت فرق الاستجابة أزيد من ثلاثة آلاف إنسان في المنطقة، وعجزت عن إنقاذ مثل هذا العدد من الذين قضوا تحت الأنقاض، بعد تعذّر الوصول إليهم في الوقت المناسب الذي كان من الممكن أن تحدده أجهزة متطورة، إن وُجدت، أو كلاب مدربة تلتقط ما يشير إلى مكانهم.