فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الزلزال شماعة لاستغلال التجار وتقصير المؤسسات الحكومية

 محمود يوسف السويد

يُحمّل الزلزال وتداعياته مسؤولية ما يعيشه سكان الشمال السوري من مشكلات، دون التطرق لأسباب وازنة أخرى مثل الاستغلال والتقصير

يدخل الزلزال، منذ حدوثه في السادس من شباط الماضي، تفاصيل الحياة اليومية لسكان الشمال السوري. ويحمّله تجار ومؤسسات حكومية ومنظمات مسؤولية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات والوقود ونقص الخدمات في الوقت الذي يرى سكان في الشمال السوري أن ما يحدث لا يعدو كونه “استخدام الزلزال كشمّاعة لتبرير الاستغلال الحاصل وضعف الاستجابة وغياب المحاسبة”.

يقول سكان في المنطقة، ومنهم أم مصطفى، معلّمة تعيش في مخيم بالقرب من دير حسان، ” معظم سكان الشمال السوري يعيشون في وضع اقتصادي سيء، ومع الزلزال زادت الأمور سوء، ويمكن تصنيف كل السكان كمتضررين من الزلزال دون استثناء، بعد شلل الحركة الاقتصادية وارتفاع الأسعار الكبير”.

مهند المحمود، خياط في مدينة سرمدا، قال “الورشة التي أعمل بها توقفت منذ حدوث الزلزال، كنت أتقاضى نحو مئة وخمسين دولاراً شهرياً، أنا اليوم، وفي موسم الخياطة مع اقتراب عيد الفطر، عاطل عن العمل، حالي كحال الجميع في الشمال السوري”.

ويتساءل مهند، عن تصنيف “متضرري الزلزال”، وفيما إن “كانت الأرقام المصدرة تشمل الذين فقدوا أعمالهم أو أولئك الذين لا يستطيعون تأمين قوت يوم واحد لعائلاتهم”، كذلك عن “دور المؤسسات الحكومية في مراقبة ارتفاع الأسعار الحاصل” وما وصفه بـ “الاستغلال”. 

وكانت أسعار الخيام والسلع والمواد الغذائية قد تضاعفت مع حدوث الزلزال، إذ ارتفع سعر الخيمة من 70 دولاراً إلى 150 دولاراً، ووصل سعر بعض الأنواع إلى 350  دولاراً، بحسب محمد الرسلان، متعهد بناء وتجهيز مخيمات في الشمال السوري.

الصورة من مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

بعد يومين من الزلزال، وصل سعر الفروج الحي إلى 38 ليرة تركية، ولحم الغنم إلى 140 ليرة تركية، وارتفع ثمن الخضراوات بمقدار النصف، إذ وصل سعر البندورة والبصل، على سبيل المثال، إلى 15 ليرة تركية، بينما زاد سعر الطحين والسكر بمقدار ليرتين تركيتين لكل كيلو غرام.

يقدّر محمود الصطوف، صاحب محل بقالة، مقدار الزيادة في الأسعار بعيد الزلزال بنحو 50%، أما اليوم ومع بداية شهر رمضان، بعد شهر ونصف الشهر من الزلزال،  فالزيادة على بعض المواد وصلت إلى الضعف وأحياناً أكثر من ذلك.

يرجع  الرسلان أسباب الزيادة “لاستغلال التجار ظرف الزلزال في رفع الأسعار وغياب الرقابة التموينية”.

محمد السليمان، المدير العام للتجارة والتموين التابعة لحكومة الإنقاذ، قال إن الزلزال تسبب في ارتفاع أسعار بعض المواد مثل “الخيام والبطانيات”، وربط هذا الارتفاع بسياسة العرض والطلب، ونفى أن يكون للزلزال دور مباشر في رفع أسعار المواد التموينية، بل بقدوم شهر رمضان وزيادة طلب الناس على هذه المواد.

وتحدث السليمان عن وجود آليات تتبعها مديرية التموين لضبط الأسعار ومحاسبة من أسماهم “التجار المستغلين”، وقال إن “فرق الرقابة كثفت من جولاتها على المحلات التجارية لمنع الاحتكار والغش، ونظمت 733 ضبطاً عدلياً بحق المخالفين، منذ حدوث الزلزال وحتى اليوم، وإن باب الشكاوى مفتوح أمام المواطنين للإبلاغ عن التسعيرات الزائدة والمخالفات التموينية”.

يفنّد من قابلناهم كلام السليمان، ويتحدثون عن أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية ترافق مع الزلزال الذي ضرب المنطقة قبل شهر ونصف الشهر من رمضان! ويتساءلون عن استمرار المخالفات التموينية في مختلف الأسواق رغم ما قاله عن العدد الكبير من الضبوط العدلية بحق التجار، ويتساءلون عن جدواها إن لم تكن ستضبط هذه الأسعار؟

وتقول أم مصطفى “الأسعار تتضاعف في كل يوم، حجة البائعين وأصحاب المحلات دائماً هي الزلزال والحصار والمعابر المغلقة وارتفاع سعر الدولار”، ويقول محمد الحلاق، صحفي يعيش في مخيم البردغلي بريف إدلب، إن السبب الرئيس هو “استغلال التجار لقصة الزلزال وجعله شماعة وحجة”، ووصف أعذارهم بغير المنطقية، فـ “المواد في مستودعات التجار ولم تتبخر بفعل الزلزال”، على حد قوله.

ويضيف الحلاق “لا أستطيع فهم العلاقة بين الزلزال وارتفاع سعر اللحوم، على سبيل المثال، فالأغنام لا تستورد من تركيا كذلك الدجاج”.

يخلص من تحدثنا معهم أن المشكلة تكمن في ضعف الرقابة واستغلال التجار والقدرة الشرائية بعد الشلل الاقتصادي الذي أصاب المنطقة من جهة، وتراجع دور المؤسسات الإعلامية التي كانت تسلط الضوء على حياة السكان وانشغالها بتغطية الزلزال من جهة ثانية.

يرى محمد القاسم، مهجر من مدينة كفرنبل، أن أضرار الزلزال لا يمكن حصرها بمن تضرر منزله بشكل مباشر أو اضطر لمغادرته والسكن في مراكز للإيواء، فـ “ضرر الزلزال شمل معظم الناس من عمال وباعة وكثير من المهن وبخاصة ذوي الدخل المحدود إذ تسبب بما يشبه الركود أو التوقف لبعض المهن، يقول محمد: “الزلزال أثر على الجميع وبخاصة عمال المياومة الذين توقف عملهم ومروا بظروف قاسية ولكن لم ينالوا حقهم من الاهتمام الإعلامي كون التركيز منصب على المتضررين بشكل مباشر”.

وتساءل مصطفى المحمود عن “دور المؤسسات الإعلامية في تسليط الضوء على حياة الناس غير المتضررين بشكل مباشر من الزلزال، لكنهم يعيشون آثاره”

الصورة من مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت
الصورة من مدينة إدلب- تصوير: مصطفى الساروت

عبود كليدو، المدير التنفيذي لراديو فرش يجد أن تركيز الاهتمام على قضايا ترتبط بالزلزال ومواكبة أخباره لحظة بلحظة، فرضه حجم الكارثة الكبير، واتساع رقعة الضرر، وأن  الأولوية منحت لعمليات الإنقاذ ومن ثم لأوضاع الناس في مراكز الإيواء، يقول الكليدو: “من غير الممكن أن تتكلم بأمور خدمية والناس تحت الأنقاض، وفيما بعد تحول الاهتمام لقاطني مراكز الإيواء باعتبار أنهم بأمس الحاجة لكثير من الخدمات والرعاية”. ويضيف : ” بالطبع الحدث أدى لما يشبه الشلل لكثير من نواحي الحياة العامة، لكن هناك أولويات تفرضها الأحداث دائماً”.

من جهة أخرى يرى عمر حاج أحمد، رئيس رابطة الصحفيين السوريين في الشمال السوري، “ضرورة اهتمام الصحافة بكل ما يهم المواطن، وعدم إغفال قضية والتركيز على قضية بعينها، لأن ذلك يضعف أهمية الأحداث الأخرى ويحولها إلى ثانوية، في حين أنها تشكل عصب حياة للكثيرين”.

ويقول الأحمد إنه “من غير المقبول صحفياً تناسي أو تجاهل تفاصيل يومية مهمة، من أجل تغطية حدث أكثر أهمية”، دون أن ينكر الأحمد أهمية تغطية أحداث الزلزال وإيلائه اهتماماً كبيراً، لكن “دون فصله عن الصورة العامة للواقع في الشمال السوري، مثل قيام قوات النظام بقصف مناطق المدنيين أو الحالة المعيشية للناس”.

تحت سقف الزلزال، يستغل تجار حاجة السكان وضعف الرقابة لزيادة أرباحهم، بينما يجد مسؤولون ومنظمات مبررات لترقيع تقصيرهم، وسط مطالبة الأهالي للمؤسسات الإعلامية بزيادة دورها في تسليط الضوء عليهم باعتبارهم متضررين من الزلزال وإيصال رسائلهم علّها تلقى أذناً مصغية تقلل من مشكلاتهم.