فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

ألعاب القوى البدنية.. لاعبون على خطى سامر زيدان

مرام حمزة

تجذب لعبة كمال الأجسام شريحة كبيرة من الشبّان واليافعين في إدلب، ويصبح اسم البطل حلماً يراود الكثير من اللاعبين

توسط الطفل عمر سامر زيدان، 5 سنوات، حشداً من المشاركين في بطولة ألعاب القوى البدنية؛ من مدربين وحكّام ولاعبين ومنظمي الحفل في مدينة إدلب، دون أن يدرك ما الذي يحدث، إذ قضى والده اللاعب والمدرب سامر زيدان، 43 عاماً، وإخوته؛ محمود 12 عاماً ومحمد 11 عاماً تحت أنقاض منزلهم في زلزال السادس من شباط (فبراير) الماضي، ليحل عمر مكان والده في تكريم الفائزين، ويحمل وسام وكأس الفوز، في البطولة التي نُظِّمت تحت عنوان “بطولة الشهيد سامر محمود زيدان للقوة البدنية لفئة الشباب”، في 17 آذار (مارس ) الجاري، تكريماً لوالده.

أمضى سامر زيدان، كان يقيم في منطقة الأتارب بريف حلب، بعد أن هجِّرَ وعائلته من مدينة حلب، نحو 25 عاماً من حياته في الرياضة وتحديداً كمال الأجسام، وكان له دور كبير في تطوير رياضة القوى البدنية، إذ أسس اتحاد أندية الشمال واستلم منصب رئيس الاتحاد ونظم دورات وأنشطة رياضية على المستويات كافة، فضلاً عن دوره في تنظيم بطولات رياضية لذوي الاحتياجات الخاصة في شمال غربي سوريا.

كان من المفترض أن تُقام بطولة القوى البدنية لفئة الشباب في محافظة إدلب في شهر شباط (فبراير) الماضي، إلا أن كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة حالت دون ذلك. وبعد مضي أكثر من شهر على وقوع الزلزال، أقيمت البطولة مجدداً في 17 آذار (مارس) الجاري، بهدف تخفيف الضغط النفسي عن اللاعبين وتحفيزهم على متابعة التدريب وتطوير قدرات الشباب جسدياً وفكرياً في رياضة بناء الأجسام والقوة البدنية، لا سيما أن عدداً منهم تأثر بما حدث، وذلك بحسب المدرب سامي بدلة، رئيس الاتحاد السوري الحر لبناء الأجسام والقوة البدنية. 

كانت عينا الطفل عمر تبحثان عن والده وأخويه بين الحشود أثناء حفل التكريم، إذ لم يكن يعي تماماً معنى الموت والفقد، كما تقول والدته، خاصة أنه اعتاد غياب والده عن المنزل وانشغاله طيلة فترة التدريب والتحضير لأي بطولة، إلا أن “البطولة هذه المرة كانت مختلفة وناقصة وحزينة بغياب زوجي وحضور اسمه فقط”، حسب تعبيرها.

الصورة أثناء بطولة سامر زيدان- المصدر: اتحاد أندية الشمال للقوة البدنية خاص لفوكس حلب
الصورة أثناء بطولة سامر زيدان- المصدر: اتحاد أندية الشمال للقوة البدنية خاص لفوكس حلب

عاشت والدة عمر آخر لحظات حياة زوجها المدرب سامر تحت الأنقاض، بعد أن وقع مبناهم في منطقة الأتارب إثر الزلزال، إذ تقول: كنت أسمع صيحاته ونطقه بالشهادتين .. أدركت أنها النهاية، كانت كلماته الأخيرة ترن في أذني وهو يوصيني بالأطفال، لم يعرف أن ولدينا محمود ومحمد قد ماتا أيضاً، وبقيت أنا وعمر الصغير وحدنا”. 

لم يترك سامر لزوجته سوى تاريخ رياضي حافل بالإنجازات وسمعة طيبة وحقيبة كحلية اللون عمرها أكثر من عشرين عاماً، مليئة بالشهادات والميداليات وجوائز البطولات التي كُرِّمَ فيها، حملها معه من حلب واحتفظ بها في الأتارب، وكان يعتبرها بمثابة الابن الرابع له، كما تروي لنا والدة عمر

بعد أيام من حدوث الزلزال طلبت من أخيها بمساعدة فرق الإنقاذ البحث عن الحقيبة وإحضارها لها، نظراً لما تحمله من قيمة معنوية كبيرة في قلب زوجها، وبالفعل تمكنوا من إخراجها رغم خطورة البحث بين الركام، وحين استعيدت الحقيبة شعرت الزوجة أن روح سامر ارتاحت الآن، حسب تعبيرها. 

عَدَّدَتْ والدة عمر المراكز التي حاز عليها زوجها سامر في مسيرته الرياضية، على مستوى البطولات الدولية والمحلية، إذ حصل على المركز الأول لفئة الرجال في حلب 2006، وكان بطل الجمهورية في حلب مركز أول، ثم حاز على كأس الجمهورية في ريف دمشق محققاً المركز الثاني، وحصل على “كارت الاحتراف” للمشاركة الخارجية، والذي يمنح للاعب تعدى مرحلة الهواة إلى مرحلة الاحتراف، لكنه فضل البقاء في الداخل السوري عقب الثورة، ليساهم في تطوير الرياضة ويدعم الشباب ويدربهم في المناطق الشمال السوري، وسط الإمكانيات المتاحة والمتواضعة، حسب قولها. 

شارك في بطولة القوى البدنية لهذا العام 50 لاعباً من مختلف البيوت الرياضية في محافظة إدلب، فاز فيها 30 بطلاً من كل فئة وزن من الأوزان، وذلك بحضور رئيس المكتب التنفيذي الكابتن محمد السباعي ورئيس مكتب الألعاب الجماعية عبد الكريم درويش ورئيس اللجنة الفنية لبناء الأجسام محمود غبيس، ورئيس اللجنة الفنية للقوة البدنية مازن ضميرية، ورئيس الاتحاد السوري سامي بدلة.

تركز بطولات القوى البدنية على جمع أكبر رقم من مجموع الرفعات الثلاث وهي: “رفعة الصدر، والديت ليف أو التقبين، والسكوات”، وبحسب رفع أكبر وزن تجمع الأرقام التي على أساسها يجري تصنيف المراكز” الأول والثاني والثالث” بحسب الترتيب، واستناداً إلى القانون الدولي للعبة القوة البدنية (IPF) التابع للاتحاد الدولي، ضمن الرفعات الصحيحة والخاطئة، والمعترف به عالمياً، كما يوضح لنا رئيس اللجنة الفنية مازن ضميرية. 

يقول الضميرية: “يعمل الاتحاد الرياضي بمحافظة إدلب ضمن إمكانيات ضعيفة ويسعى بأن يرتقي دوماً نحو الأفضل من خلال تكثيف الأنشطة الرياضية وتنظيم البطولات للفئات كافة، وتقديم هدايا محفزة للاعبين، تناسب الواقع الرياضي، ونضع نصب أعيننا الوصول إلى مستوى المشاركات الخارجية، لأن الكوادر الموجودة في المنطقة تستحق فرصة المشاركة والفوز على المستوى الدولي وليس في الشمال السوري فقط”.

تجذب لعبة كمال الأجسام شريحة كبيرة من الشبّان واليافعين في إدلب، ويصبح اسم البطل حلماً يراود الكثير من اللاعبين، وهو حال الشاب محمد الحامض، 16 عاماً، يقيم في إدلب المدينة، والذي بدأ ممارسة التدرب قبل عامين، وحصل على المركز الأول في أربع بطولات عن فئة الناشئين. 

يقول الحامض: تأخذ الرياضة كل وقتي واهتمامي، إضافة إلى إكمال تحصيلي العلمي في المرحلة الثانوية، و أحرص على إمضاء أكثر من ساعتين يومياً في التدريب، بنادي دمشق الرياضي، والتزم بتعليمات المدرب واتبع نظام غذائي معين لتحقيق النتائج المرجوة”.

حصل محمد على المركز الأول في بطولة الناشئين الأخيرة، والتي أقيمت في العاشر من شهر آذار(مارس) الجاري على مستوى المحافظة، والمركز الثاني في بطولة الشهيد سامر زيدان عن فئة الشباب. 

تواجه لعبة كمال الأجسام في إدلب تحديات كثيرة، أبرزها الصعوبات المالية والتي تتمثل بدعم اللاعبين وتكاليف النظام الغذائي المخصص لهم، فضلاً عن حاجة عدد منهم إلى الأدوية والمكملات الغذائية والبروتين وجميعها مرتفعة الأسعار، وخارج قدرة اللاعب المالية في كثير من الأحيان، وفي أغلب البطولات.

الصورة أثناء بطولة سامر زيدان- المصدر: اتحاد أندية الشمال للقوة البدنية خاص لفوكس حلب
الصورة أثناء بطولة سامر زيدان- المصدر: اتحاد أندية الشمال للقوة البدنية خاص لفوكس حلب

تتراوح تكلفة البطولة وأنشطتها ما بين 250 و300 دولار، إضافة لتأمين هدايا وجوائز محفزة للفائزين، ويتولى الاتحاد بالتعاون مع مديرية الرياضة على تأمين المكان والميداليات والكؤوس، وفي حالات اضطرارية يتولى الاتحاد مع اللجان تغطية المصاريف من الرصيد الخاص لكل عضو في اللجنة الفنية حسب الميزانية المتاحة، وذلك بحسب رئيس الاتحاد سامي بدلة.

أحياناً قد يضطر اللاعب للإنفاق على نفسه من ماله الخاص لتأمين الأغذية المناسبة له، إضافة إلى البيت الرياضي الذي يتدرب فيه، من أجل التحضير للبطولة، لكن هذه الصعوبات لم تثنِ اللاعب طارق درويش، 21 عاماً، يقيم في إدلب، عن الاستمرار في رياضة كمال الأجسام والقوة البدنية، بعد أن لاحظ الفرق في بنيته الجسدية، خلال سنوات تدريبه الثلاث، حسب تعبيره.

شارك دوريش بعشر بطولات حتى الآن وفي جميعها حاز على المركز الأول. يقول لـ”فوكس حلب”: “في البداية كنت ألعب مجرد رياضة عادية، لكن حين لاحظت الفرق في شكل جسدي واللياقة التي أصبحت أتمتع بها باتت الرياضة جزءاً أساسياً من حياتي اليومية، ومن المستحيل أن أتوقف أو أتراجع”.

مئات اللاعبين أمثال طارق ومحمد يواصلون تدريبهم في لعبة كمال الأجسام ولا يبخلون عليها بجهد أو وقت أو مال، لتحقيق مزيد من النجاح في البطولات والفوز بالمركز الأول، فيما تنتظر أم محمود، زوجة الشهيد سامر زيدان، أن تنفذ وصية زوجها وهي أن  يصبح ابنها الوحيد عمر بطلاً مثل أبيه ويحمل اسمه ويكمل حلمه.