فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

مئات الولادات المبكرة وعمليات الاجهاض في المناطق المنكوبة-فوكس حلب

بعد ٦ شباط.. مئات الولادات المبكرة وعمليات الاجهاض في المناطق المنكوبة

سيرين مصطفى

النساء الحوامل يواجهن العبء الأكبر من تداعيات الزلزال، ما يعرضهن وأطفالهن لمخاطر كبيرة

الخوف والتوتر والحركات غير المحسوبة، يضاف إليها الظروف القاسية، من برودة الطقس وغياب الخدمات والافتقار إلى المكان الآمن، التي أُجبرت النساء الحوامل الناجيات في سوريا على تحمّلها بعد الزلزال والهزات الارتدادية التي رافقته لأكثر من شهر، أسفرت عن ولادات مبكرة وحالات إجهاض ونزيف ونشفان في الحليب، وتركت آثارها على صحة الأجنة وأمهاتهم وسلامتهم الجسدية والنفسية.

ولادات مبكرة 

أنجبت آلاء، وهي سيدة في الرابعة والثلاثين من عمرها تسكن في دير حسان بريف إدلب، طفلتها بعملية قيصرية بعد أسبوعين من الزلزال، وقبل موعد ولادتها.

تقول آلاء، وهي أم لطفلين أنجبتهما بولادة طبيعية، إن “حملها كان على ما يرام، كما أخبرتها طبيبتها، حتى لحظة وقوع الزلزال”.

الخوف والإجهاد والتوتر الذين رافقوا آلاء مع أيام الزلزال الأولى أثروا على وضعية الجنين داخل رحم آلاء التي شكت من آلام في بطنها وشعرت بتغيرات في حركة جنينها، تضيف آلاء “أخبرتني الطبيبة بتحول جنيني إلى طفل مقعدي، الرأس إلى الأعلى والقدمين إلى الأسفل، وأني سأحتاج إلى عملية قيصرية للولادة”.

دانية معتصم حمدوش، طبيبة نسائية في مشفى “يداً بيد للإغاثة والتنمية للأطفال والنساء” في مدينة أطمة بريف إدلب الشمالي، قالت إن “تعرّض الحامل للضغط النفسي يؤثر على حركة الجنين، فيصبح أكثر نشاطاً وأقل استقراراً، بسبب الهرمونات التي تدخل إليه عبر المشيمة فتقوم بإزعاجه، وبالتالي تغيير وضعيته في الرحم”.

و يؤدي الإجهاد والتوتر، أيّاً كان منشؤهما، خاصة إن نتجا عن حادثة كبيرة مثل الزلزال، إلى تحفيز ما يطلق عليه “ساعة التوقيت الموجودة في المشيمة”، وتؤثر العوامل الداخلية والخارجية في تحديد مدة الحمل، خاصة في المراحل الأولى من الحمل ما ينتج ولادات مبكرة غير مكتملة أحياناً أو تعاني من تشوهات خلقية أو ذهنية، بحسب دراسة أعدها باحثون من جامعة كاليفورنيا الأمريكية.

رولا الصالح، تبلغ من العمر 24 عاماً وتقيم في مدينة إدلب، أنجبت طفلها في 21  شباط الماضي، وتزامنت ولادتها بعد الزلزال الثاني الذي ضرب سوريا في اليوم ذاته.

تقول الصالح إن حالة الذعر التي عاشتها بعد الزلزال الأول، وفقدانها لأقرباء لها تحت الأنقاض، ومنهم ابنة خالتها ميساء الحامل في الشهر التاسع، عززت شعورها بالخوف على جنينها من ملاقاة المصير ذاته.

“لم يكن وقت ولادتي، كنت في المنزل وفجأة شعرت بالهزة الأرضية. من شدة الخوف ركضت من الطابق الثالث حيث أسكن إلى خارج المبنى، تعثرت ووقعت على درج المبنى، بعد ربع ساعة شعرت بألم في البطن والظهر، ثم بدأ الطلق في غير أوانه وولدت بعد ثلاث ساعات”.

وتروي الطبيبة حمدوش أنه وبعد ساعات من الزلزال راجعت المستشفى التي تعمل بها خمس سيدات بطور الانقذاف (آخر أطوار الولادة)، جميعهن لم يكن وقت ولادتهن قد حان، إحداهن كانت في الشهر الثامن من حملها.

مئات الولادات المبكرة، بسبب تداعيات الزلزال، حدثت في إدلب، إذ حتى 13 آذار الجاري، وصل عدد الولادات المبكرة إلى 711 ولادة، بحسب بتول الخضر، مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب.

إجهاض وحمل مهدد 

فقدت فداء قدور، 21 عاماً تقيم في مدينة سرمدا، جنينها بعد الزلزال الثاني، نتيجة الخوف والتوتر. تروي فداء “أنا كثيرة الخوف ولا أتمالك أعصابي، ومنذ حدوث الزلزال الأول وأنا أعاني من التوتر، وزاد خوفي بعد اكتشافي بأني حامل بعد أسبوع من الزلزال الأول، شعرت بالسعادة لوقت قصير قبل أن يتملكني الذعر عند كل هزة، وبعد حدوث الزلزال الثاني خرجت من المنزل، ركضت في الشارع بين الناس مثل (المجنونة)، كنت وحدي ولم يكن معي أحد من أفراد عائلتي، وبعد مرور ساعتين عدت إلى المنزل،شعرت بمغص في بطني وأسفل ظهري، وصرت أنزف حتى أجهضت”.

تقول الطبيبة دانية حمدوش: “ازدادت حالة التوترات النفسية والهلع بين النساء الحوامل، فأصبحن يخفنَّ من أي صوت ومن أي هزة ارتدادية حتى لو كانت خفيفة، بالنسبة للمشاكل الصحية التي واجهتها النساء كانت متنوعة”، ومنها حالات الإجهاض التي زادت بعد الزلزال، والتي قدرت نسبتها في المستشفى الذي تعمل به بـ 35%، أما الولادات المبكرت فارتفعت بنسبة 40%.

وترجع الطبيبة حمدوش السبب إلى “الخوف والتوتر”، خاصة في الشهور الأولى من الحمل ما يعرض النساء لخطر الإجهاض، كما يمكن أن يؤثر على نمو الجنين، إضافة لحالات الولادة المبكرة.

ليس التأثير فقط على النساء الحوامل، تقول الطبيبة حمدوش، إذ “يمكن أن يعرض الخوف التوتر الطفل عقب الولادة إلى أمراض التوحد وأمراض فيزيولوجية وذهنية، فالانفعالات النفسية عند الأم الحامل تؤدي إلى اضطرابات في إفراز الغدد الصماء في الدم، والتي ينشأ عنها اضطرابات سيئة على حياة الأم الحامل والجنين والإجهاض المتكرر، ويؤدي إلى فقدان الشهية عند الأم مما يؤدي إلى سوء التغذية عند الأم والجنين”.

وأضافت: ” ينتج عن الضغط النفسي ارتفاع هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الأساسي، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم ونقص نسبة الأوكسجين في الأنسجة، وبالتالي حدوث تشوهات خلقية عند الجنين”. 

وكان تقرير لصندوق الأمم المتحدة صدر في 17 شباط الماضي، قد بين حجم التأثير الكبير للزلزال على النساء الحوامل في سوريا، إذ قدرت إحصائية وجود 133 ألف امرأة حامل تضررت من الزلزال، وتوقعت ولادة  44 ألف امرأة في الأشهر الثلاثة المقبلة، نحو 6600 امرأة منهن سيعانين من مضاعفات الحمل والولادة، وهن في حاجة ملحة لتوفير رعاية طبية محترفة لهن، حيث قد تهدد الولادة حياتهن.

هذه المخاوف تتطابق مع تصريحات مسؤولة الصحة الإنجابية التي قالت “إن عدد الولادات القيصرية في إدلب وصلت إلى 130 ولادة حتى 13 آذار، وإن عدد حالات النزف الحملية (تهديد ولادة مبكرة -إسقاط) بلغ 220 حالة في شمال غربي سوريا”.

كذلك مع الحالات التي تحدثنا معها، إذ تشكو نساء حوامل من تشنجات ومغص في البطن وآلام في الظهر، زادت بشدة بعد حدوث الزلزال، تقول فاطمة حاتم، سيدة حامل في الشهر السادس تقيم في البردغلي بريف إدلب إن “الألم لا يفارقها منذ ذلك الوقت، وإن الأوجاع لم تعد تحتمل، ومع كل هزة أرضية كانت حدة الألم ترتفع، وهي تخشى الولادة المبكرة أو الإجهاض”.

وتؤثر، الانفعالات النفسية السلبية من التوتر والقلق والغضب، على الجنين والطفل وعلى استمرارية الحمل، والتوتر يعمل على استثارة الجهاز العصبي لدى المرأة الحامل، فيؤدي ذلك إلى حدوث اضطرابات في الانقباضات الرحمية وفي تسيير الدورة الدموية للجنين 

تنعكس الحالة النفسية للأم المرضع على طفلها، وقد يتسبب التوتر والقلق بتخفيف كميات الحليب أو نشفانها، تقول أم كرم، مقيمة في مخيم الكرامة شمالي إدلب “بعد ولادتي بنحو عشرين يوماً، حدث الزلزال الأول، فنشف حليبي بشكل تدريجي بسبب شدة الخوف الذي شعرت به بعد الزلزال، لم يعد طفلي يشعر بالشبع، فاضطررت لاستخدام الحليب الصناعي”.

الطبيبة دانية حمدوش روت من خلال معايشتها لوضع النساء الحوامل اللواتي راجعنها بعد الزلزال أنهن كنّ يعشن ظروفاً نفسية سيئة، وأن أعداد الحوامل اللواتي زرن المستشفى والمركز الصحية ارتفع بشكل كبير، لحماية أجنتهن والاطمئنان على حملهن وصحتهن.

إضافة للخوف والتوتر أثرت عوامل نفسية أخرى على سلامة النساء الحوامل، منها تعرض النساء للإصابة نتيجة الزلزال وفقدانهن لحياتهن أو لأجنتهن بعد إنقاذهن من تحت الأنقاض، تقول الطبية دانيا “توفيت سيدة وجنينها بعد إسعافهما إلى المستشفى إثر سقوط جدار على ظهرها ما تسبب برض في نخاعها الشوكي، وُلد الطفل بحالة سيئة، ففارق الحياة بعد ساعات قليلة، أما الأم فحولت إلى مشفى آخر، وماتت أيضاً نتيجة الحالة الصحية السيئة التي كانت فيها”. سيدة أخرى انخرطت في نوبة بكاء بعد ولادتها، كانت قد فقدت زوجها في الزلزال، تقول إنها أرادت أن يكون معها في هذه اللحظة ويرى طفله الأول، لكن ذلك لم يعد ممكناً ليولد الطفل يتيماً.

مخاطر مستقبلية وضعف في الخدمات الصحية والمعيشية  إثر الزلزال في الشمال السوري، الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية لدعمه النساء الحوامل والأطفال في مواجهة ما يهدد سلامتهم.