ظن أهل الطفلة سلام البالغة من العمر عاماً ونصف العام أنها تعاني من الزكام في بادئ الأمر، وأنها بعد بضعة أيام ستكون على ما يرام بعلاجات منزلية. وخلال محاولاتهم لمدة أربعة أيام كانت حالتها تزداد سوء، حتى اضطروا في اليوم الخامس لنقلها إلى مستشفى في شمال إدلب. ولكن ما فاجأهم أن المستشفى قدمت لها علاجاً أولياً وأن على الأهل نقلها إلى مستشفى آخر لعدم وجود سرير شاغر لعلاجها.
يقول والد الطفلة: “حاولت التواصل مع ثلاث مستشفيات في المنطقة، لكن دون جدوى، فالمستشفيات لا تستقبل حالات الأطفال المرضى بسبب كثرة تلك الحال. في الساعة الواحدة ليلاً أخبرتني إحدى االمستشفيات بتوفر سرير لابنتي، حينها نقلناها للعلاج في المستشفى.”
تواصلنا مع إدارة ثلاث مستشفيات أطفال في المنطقة لاستيضاح أسباب كثرة الحالات، فأخبرونا بأنه موسم انتشار التهاب القصبات الشعرية. ترافق ذلك مع موجة انتشار مرض التهاب الأمعاء وداء الحصبة. وتعاني المستشفيات من نقص في الأسرة، وخصوصاً بعد حادثة الزلزال التي تسببت بتوقف مؤقت لعدة مستشفيات عن العمل، ما تسبب بالضغط على المشافي الأخرى.
الطبيب محمد سكر، مدير مستشفى الأمومة التخصصي للنساء والأطفال في بلدة قاح، أخبرنا أنهم في قسم الأطفال يضعون في كل سرير طفلين لاستيعاب الضغط وتقديم العلاج اللازم. وقد استقبل مستشفى الأمومة في شهر شباط الفائت 345 حالة، وفي شهر آذار الحالي 284 حالة حتى الآن، بحسب إحصائيات المستشفى.
مرض التهاب القصبات الشعرية من الأمراض التي تحدث في فصل الشتاء، ويصيب خاصةً الرضع الذين تقل أعمارهم عن السنتين، وخصوصاً الذين يعتمدون على الحليب الصناعي أو يعيشون بمحيط ملوث.
يصيب المرض الفروع الانتهائية للقصبات وينتج عن فيروسات الأنفلونزا والرشح والفيروسات التنفسية وغيرها.
يبدأ المرض بشكل زكام عادي، من الممكن أن يترافق أيضاً مع التهاب أذن وسطى حاد وسعال خفيف، قد تتطور أعراض المرض إلى سعال شديد وارتفاع درجات حرارة، إضافة إلى ضيق في التنفس.
يمكن علاج الحالات الخفيفة في المنزل، وذلك باستخدام السيروم الملحي لتنظيف الأنف وسحب المفرزات مع خافض الحرارة وشرب السوائل، وترطيب جو الغرفة والتهوية الجيدة. أما في الحالات الشديدة، فينبغي نقل الطفل للمستشفى، ليوضع على الأكسجين والمصول الوريدية.
الجديد بالموجة الحالية وأهم نصائح الوقاية
يقول الطبيب نصر الخلف، مدير مستشفى شام التخصصي للأطفال في سرمدا، إن المرض هو إنتان فيروسي ينتشر بفصل الشتاء، لكن الملاحظ هذا العام ازدياد أعداد الإصابة بالتهاب القصبات الشعرية، كما أن عدداً كبيراً من الحالات بحاجة لعلاج في المستشفى نسبة عالية منها تحتاج لعناية مشددة.
يفسر الطبيب ذلك بأنه قد يكون بسبب جائحة كورونا أو أحد الأنماط المتحورة منها، موضحاً أن جميع الأمراض الفيروسية تتشابه أعراضها وتختلف في شدتها ودرجة تطور الفيروس.
تأثرت المستشفيات بالضغط الكبير عليها هذا الموسم، ما أدى لنقص الأدوية والمستهلكات الطبية، خصوصاً بعد تحويل الحالات المرضية من المناطق التي كانت أكثر تأثراً بالزلزال والتي توقفت مستشفياتها حينها، أو باتت تعالج مصابين الزلزال، بحسب محمد سكر، وكان فوكس حلب قد أعد تقريراً مفصلاً عن تأثر المشافي بحادثة الزلزال.
والدة الطفلة عبير، التي تمتلك شهادة خبرة بالتمريض، بقيت تعالج طفلتها في المنزل لمدة ثلاثة أيام، ظناً منها أنها لن تحتاج لزيارة طبيب. تقول: “مرض أنفلونزا الأطفال ليس جديداً علينا”.
وتضيف “كنت أراقب الحرارة وأعطيها دواء الزكام، ولكنها لم تتوقف عن البكاء ولم تشعر بالراحة. وصرت ألاحظ أنها غير مرتاحة أثناء عملية التنفس، حتى أيقنت أن الأمر بات يحتاج طبيباً، وخصوصاً أن الأعراض التي رافقت طفلتي أشد من المعتاد”.
لتقليل حالات الإصابات بالتهاب القصبات ينصح أطباء الأطفال بتطبيق عدة تعليمات وقائية، أهمها إبعاد الرضيع عن أي حالة شخص لديه زكام أو سعال لمنع انتقال فيروسات المرض وحدوث العدوى، إضافة لتأمين تهوية جيدة بشكل دائم للأطفال وتدفئة جيدة ومناسبة لهم.
تحديات القطاع الطبي
في منطقة إدلب وريف حلب، يعيش حوالي خمسة ملايين ونصف نسمة، يعاني القطاع الطبي من تحديات عديدة، أهمها توقف الدعم أو تقليصه عن مراكز و نقاط طبية و مستشفيات في المنطقة. بالإضافة إلى كثرة القصف الذي تعرضت له المراكز الطبية من قبل روسيا وقوات النظام، إذ سُجل أكثر من أربعمئة استهداف، بحسب الأرشيف السوري.
تحدٍ جديد واجهه القطاع الطبي خلال كارثة الزلزال، إذ واجهة المستشفيات نقصاً في الاحتياجات مثل بعض مواد الإسعافات الأولية، والأدوية النادرة ونقصاً في الأسرة وغرف العناية المركزة والجراحات العصبية وأجهزة التنفس ومواد التخدير، إضافة لمحطات توليد الأوكسجين اللازم للمرضى إثر انقطاع الكهرباء في المنطقة، واعتماد المستشفيات على الديزل في تشغيل المولدات، بحسب ما أوضح الطبيب محمد شريف، المنسق الطبي لمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية.
نقص الأسرة وأجهزة التنفس لعله السبب الأول الذي يعيق مستشفيات الأطفال بقبول كل الحالات، سواءً فيما يخص مرض التهاب القصبات أو غيره من الأمراض. وهو الجانب الأهم الذي يجب على الجهات الطبية الداعمة التركيز عليه، إضافة لبعض الأدوية المفقودة وبعض المستلزمات الطبية.