شهدت أحداث ما بعد الزلزال، وبعد أن “برد الجرح قليلاً” وانتهت عمليات الإنقاذ والبحث عن العالقين، فقداناً للكثير من المقتنيات الثمينة، مادياً وعاطفياً، ولم تفلح عمليات البحث في إيجاد الكثير من المفقودات، في ظل تعدد الجهات المسؤولة وضعف التنسيق بينها من جهة، وصعوبة إثبات ملكية المفقودات من جهة أخرى، والتي تحتاج إلى تنظيم ووقت كبيرين، دون أن نتجاهل اللصوص الذين وجدوا في انشغال السكان والجهات المختصة بمصابهم فرصة مواتية لسرقة ما يصل إلى أيديهم.
تحت الأنقاض
مع توقف عمليات البحث عن ناجين تحت الأنقاض، بعد أسبوع من الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في السادس من شباط الماضي، بدأت عمليات ترحيل الركام لفتح الطرقات وإعادة تأهيل المنازل ومنعاً لانتشار القوارض والحشرات. يقول ياسر ننه، متطوع في الدفاع المدني، إن إزالة وترحيل الأنقاض المهدمة بدأت بعد نحو عشرة أيام من الزلزال، وبعد الانتهاء من البحث عن ناجين وانتشال جثث القتلى.
ويضيف الننه “شملت الخطة التجمعات الأكثر تضرراً وكثافة، خوفاً من انتشار الحشرات والقوارض بين الركام والتسبب بأوبئة للسكان مع اقتراب فصل الصيف، ولتعزيز تعافي المجتمع من تداعيات الزلزال عبر إزالة آثاره”. مؤكداً أن عمليات الترحيل تطلبت “موافقة المجالس المحلية بالنسبة للأبنية العامة وموافقة أصحاب المنازل الذين يملكون صكوك ملكية نظامية على عمليات الترحيل”.
يقول من تحدثنا معهم “في الأيام الأولى لم تكن المقتنيات ما يشغل بالنا، جميعنا كنا نفكر بأرواح العالقين تحت الركام أو بعمليات الدفن والجرحى، أيضاً بتأمين مكان آمن لعائلاتنا، خاصة مع الهزات الارتدادية التي رافقت الزلزال لأسابيع، ولم يمكن بإمكاننا حصر المفقودات أيضاً ألا بعد فترة من الزمن”.
توقيت الزلزال، في ساعات الفجر الأولى، لعب دوراً أيضاً في فقدان مقتنيات كثيرة، يضيف هؤلاء “خرجنا بثياب نومنا، الأهم كان الهرب من المكان، ولم يكن لدينا الوقت للبحث عن شيء آخر”.
تحت هذه الأنقاض فقدت مقتنيات كثيرة، قسم منها وجدته فرق الترحيل وسلّمته أصولاً إلى المجالس المحلية، قسم آخر ضاع أو تكسر خلال الزلزال، ورُحّل مع الأنقاض، أما القسم الأكبر، خاصة الأوراق المالية والمصاغ الذهبي وبعض المقتنيات والمعدات الثمينة، فبحسب أهال متضررين تحدثنا معهم، لم يكن له وجود بعد خلال عمليات الترحيل، وإنه من المرجح أن يكون قد سرق من قبل اللصوص.
سرقات بالجملة والفاعل مجهول
اندسّ اللصوص بين فرق الإنقاذ أحياناً أو بعد الانتهاء من عملهم، حجتهم مساعدة العالقين أو البحث عن ناجين، بعضهم انتحل شخصيات لأشخاص متضررين من الزلزال أو أقارب لهم، آخرون أظهروا أنفسهم كمستجيبين للكارثة لمساعدة السكان، في انتظار اقتناص الفرصة الملائمة وباستخدام أساليب متنوعة.
يروي أبو العبد، نازح من مدينة كفرنبل، قصتان حدثتا أمامه في بلدة عزمارين التي يسكنها، يقول إن “شابّان انتحلا شخصية باحثين عن عمتهما المفقودة خلال البحث عن الناجين، وإنهما توجها إلى جثة سيدة وضعت في دكان مجاور للتعرف عليها وأخبرا الموجودين بأنها لا تعود لعمتهما. بعد دقائق حضرت أخت زوج السيدة لتؤكد أن مصاغها الذهبي قد سرق، خاصة خاتمها الذي لا يفارق يدها، وهو ما أكده أحد المنقذين للضحية بأنه رأى الخاتم في يد السيدة المتوفاة عند إخراجها”.
القصة الثانية حدثت مع “أبو العبد ذاته”، وفيها انتحل السارق صفة رجل أمن، يقول إن “المنقذين سلّموه حقيبة أخيه المتوفى في الزلزال، وبداخلها حزمة من الأوراق المالية، عندها تقدم منه أحد الأشخاص وطلب منه تسليم المحفظة مدعياً أنه من عنصر أمني مكلف بالحفاظ على ممتلكات المتضررين من قبل المخفر، وأن عليه مراجعة المخفر لاستلامها”.
هول المصيبة بفقدان “أبو العبد” لأخيه وعائلته دفعته لتسليم المحفظة للشخص دون التأكد من ادعائه، وبعد يومين وعند مراجعته المخفر لاستلام المحفظة فوجئ بنفي المخفر للحادثة، وعدم وجود الشخص الذي يتذكر ملامحه جيداً بين عناصر المخفر، يقول أبو العبد “نظمت ضبطاً رسمياً بالحادثة وغادرت، وحتى اليوم لم نستطع الوصول إلى السارق”.
لم ينج أحد من أقرباء خالد الحسن، نازح من قرية الترنبة يسكن مشروع بسنيا الذي دمّر بشكل شبه كامل، إذ فقد في الزلزال أخاه واثنان من أولاد عمه وعائلاتهم جميعاً.
يقول الحسن إن أخاه عاد من الجزائر، حيث كان يملك شركة للتنقيب عن المياه قبل ثمانية أيام من الزلزال، وإنه استلم له مبالغ مالية كبيرة تزيد عن مئة ألف دولار كانت موجودة في منزل أخيه.
لم يجد الحسن أي أثر للمبالغ المالية رغم بحثه المتواصل عنها بين الركام، كذلك بخصوص منزلي أولاد عمه العائدين من السعودية مؤخراً، يقول “إن مبالغ مالية كبيرة فقدت في هذه المنازل، دون أن يصل إليها أو يتواصل أحد ما معه بشأنها”.
كثر من المتضررين فقدوا مبالغ مالية أو مصاغاً ذهبية خلال الزلزال، ومنهم محمد عموشة، الذي فقد والدته وأخواته الثلاث تحت ركام منزلهم في سلقين، يقول محمد إنه لم يعثر على مصاغ ذهبي يخص أخته وإن أحداً لم يتواصل معه بشأنه حتى اللحظة.
ليست المبالغ المالية والمصاغ الذهبي فقط ما فقد أو سرق في منازل المتضررين، يقول مهند شقيق الصحفي عمار الأسود الذي قضى في الزلزال داخل منزله في مدينة سلقين، “وجدت حقيبة معدات التصوير الخاصة بأخي فارغة، كانت تحوي كاميرتين حديثتين وطائرة درون للتصوير الجوي، وملحقاتها”.
راجع مهند مخفر سلقين للسؤال عن مقتنيات أخيه إن كانت موجودة بين الأمانات التي سلّمت للمخفر، لكنهم أخبروه أن جرد الأمانات يحتاج لوقت، ورغم مضي أكثر من شهر على مراجعته لهم لم يرد أي خبر منهم حول مصير المعدات.
يقول مهند: “بعد رد المخفر اتجهنا لزملاء عمار الإعلاميين لمساعدتنا في نشر خبر فقدان المعدات وتعميم أوصافها على المحال التي تباع فيها مثل هذه التجهيزات، علنا نعثر لها على أثر، لكن دون جدوى حتى اليوم”.
دوريات وتوثيق.. هل ستعود مقتنياتنا
مدير إدارة التفتيش في وزارة الداخلية بحكومة الإنقاذ، الرائد عبد الرحمن القادري، قال في تصريح لـ فوكس حلب، إن “وزارة الداخلية سيّرت دورياتها الشرطية في الأحياء المهدمة بفعل الزلزال، بهدف منع وقوع سرقات وضبط الأمن، ولم يتم ملاحظة أي عمليات سرقة في اليومين الأوليين بسبب ضغط الحالة الإنسانية وقتها، لكن لاحقاً حصلت بعض حالات السرقة وتم ضبطها، ولم تردنا أي شكاوى أو بلاغات من المواطنين عن حوادث سرقة”.
الدفاع المدني، وعبر متطوعه الننه، قال “إن عمليات بحث عن مقتنيات صالحة للاستخدام أو مواد عينية ثمينة ومبالغ مالية جرت قبل البدء بترحيل الأنقاض، وإن هذه العمليات كانت بإشراف المجالس المحلية، وسلمت المواد التي عثر عليها للجان المجالس أصولاً”.
وأضاف الننه “كل ما عثر عليه سلم أصولاً وبشكل موثق عبر كاميرات وضعت على رأس كل عمال الإنقاذ، وصوت عمليات البحث لحظة بلحظة”.
لا ينفِ الننه حدوث سرقات من قبل لصوص في المنطقة، يقول “إنه وخلال الكوارث، سواء كانت الزلزال أو القصف” كانت هناك عمليات سرقة تحدث من قبل ضعاف النفوس، على حد وصفه”.
مصير المفقودات المسلّمة إلى الجهات المختصة، بيد لجنة شكلت بإشراف وزارة الداخلية وبرئاسة الرائد عبدالرحمن مباشرة، على حد قوله. ومهمتها “متابعة أعمال المخافر في استلام الأمانات التي يعثر عليها تحت الركام، و تسليمها لأصحابها أصولاً”.
ويشرح القادري “توثق اللقى ويجري تصويرها أصولاً من قبل المخافر قبل تسليمها إلى اللجنة التي تضم أحد القضاة، الموكل له مسألة التحقق من هوية أصحابها ومن عائدية الأغراض لهم، قبل تسليمها إلى أصحابها”. وتحدث القادري عن “إعادة كافة المقتنيات لأصحابها في أغلب المناطق، ولا يزال العمل مستمرا لتسليم ما تبقى”.
خلال بحثنا لم نتمكن من العثور على أشخاص استعادوا مقتنياتهم، جميع من تحدثنا معهم فقدوا الأمل باسترجاعها، قسم منها اندثر ورحل مع الأنقاض، أما قسم الأكبر فسرق من قبل اللصوص، بينما ما تزال آلية تسليم المفقودات بطيئة، وبإجراءات معقدة، بحسب من تحدثنا معهم، خاصة وأن عمليات التحقق ستحتاج لوقت طويل وفواتير شراء أو إثبات للمبالغ المالية، معظمها فقد مع الأشياء التي دفنت تحت الركام.
البحث عن إبرة في كوم قش، يشبه هذا المثل ما يبحث عنه أشخاص تحت ركام منازل مع ترحيلها فقد السكان آخر أمل لهم بالعثور عليها، ليس فقط لقيمتها المادية وسط ظروف معيشية قاسية، ولكن لما لجزء منها من قيمة معنوية وارتباطهم بها عاطفياً.