تدفقت أعداد كبيرة من المصابين إلى المستشفيات والمراكز الطبية، نتيجة الزلزال الذي ضرب المنطقة في السادس من شباط الماضي، ما أدى إلى استنزاف القطاع الطبي، سواء على صعيد المعدّات والأدوية والمستلزمات الجراحية، أو الطواقم الطبية، خاصة في العيادات المختصة بالجراحات الإصابات العظمية في الشمال السوري.
وتسبب الزلزال بإصابة أزيد من 12500 شخص في شمال غرب سوريا، بحسب إحصائيات منسقو الاستجابة، إضافة لأكثر من 4500 ضحية، وتضرر 53 منشأة طبية.
معظم هذه الإصابات كانت تحتاج لتداخلات علاجية وجراحية عظمية، ما أسفر عن نفاد مخزون المستشفيات ومديرية الصحة من الأدوات والمستلزمات الشحيحة بالأساس. يقول الطبيب زهير قراط، مدير صحة إدلب، “إن القطاع الطبي كان يشهد شحاً بالمعدات قبيل حادثة الزلزال، وتنامى ذلك النقص بعد الزلزال، ما أدى إلى فقدان المعدات والمستلزمات المتعلقة بـ الإصابات العظمية في الشمال السوري، مثل الصفائح وبراغي التثبيت والسياخ ومفاصل الركب، كما أن معظم أجهزة الأشعة شارفت على انتهاء صلاحية عملها نتيجة استهلاك قدرتها المتمثلة بعدد محدود من صور الأشعة”.
في الأيام الأولى من الزلزال فاق عدد الإصابات قدرة المستشفيات الاستيعابية، نسبة كبيرة من هذه الإصابات تعرضت لكسور أو تفتت في العظام، إضافة لمئات المصابين بمتلازمة الهرس، جميع هذه الإصابات كانت تحتاج إلى عناية طبية خاصة وصور أشعة ومستلزمات لم تكن متوفرة بالكميات المطلوبة في المستشفيات أو مخازن مديرية الصحة، أيضاً إلى غرف العناية المشددة والعمليات الجراحية الطارئة، وسط فقر في القطاع الطبي، وضيق في مساحة المستشفيات العاملة في الشمال السورية، ما اضطر الأطباء لوضع جبائر مؤقتة ومثبتات خارجية لاستيعاب الحالات وتأجيل التداخل الجراحي لوقت لاحق، بحسب الطبيب ملهم غازي، رئيس دائرة المستشفيات في الشمال السوري.
وتمثل النقص في العيادات العظمية بـ “المعدّات الاستقصائية الدقيقة وأجهزة التصوير الشعاعي وأجهزة المرنان المغناطيسي والطبقي المحوري”، بحسب الطبيب حسن جولاق، اختصاصي الجراحة العظمية في المنطقة، والذي قال إن “غياب بعض الأجهزة الاستقصائية، مثل جهاز الأشعة الكبير والطبقي المحوري المستخدمان في تصوير كسور السطوح المفصلية وكسور الجوف الحقي وكسور العمود الفقري، أو كسور الحوض، ترك أثره السلبي على تشخيص بعض حالات الكسور الحساسة، وهو ما دفعنا إلى تقدير تلك الحالات بناء على الأعراض الظاهرة أو تحويلها إلى مستشفيات أخرى تتوفر فيها تلك الأجهزة”.
المستشفيات التي تحوي أجهزة مخصصة، وعددها ثمان مستشفيات تحوي ثلاثة أجهزة مرنان مغناطيسي وثمانية أجهزة طبقي محوري، بحسب دائرة المستشفيات، لم تلبِّ حاجة المصابين الكبيرة، إذ تسبب الضغط على طلبات التصوير، خاصة المرنان، بتأجيل بعض الإصابات العظمية في الشمال السوري لثلاثة أو أربعة أشهر، وهو مادفع قسم كبير منهم إلى التوجه إلى العيادات والمستشفيات الخاصة، أو البقاء بحالتهم المرضية ما يمكن أن يتسبب بآثار جانبية خطرة.
يقول الطبيب محمد الجسري “إن الكثير من حالات الإصابة بالعمود الفقري لا سيما الرقبية تتطلب إجراء المريض لصورة مرنان مغناطيسي قبل اتخاذ أي إجراء جراحي لمعرفة درجة الأذية في النخاع الشوكي الرقبي”.
عمر، أحد المصابين بالزلزال، شخصت حالته بـ “تفتت في إحدى فقرات الرقبة السفلية من العمود الفقري بعد انتشاله من تحت الركام في اليوم الأول من الزلزال”، نقل على إثرها إلى مستشفى حارم لإجراء عمل جراحي لترميم الفقرة المهشمة.
يقول والد عمر إن “الأجهزة المتوفرة في المستشفى لم تلبي حالة عمر، ونقل إلى المستشفى الجامعي في إدلب لإجراء صورة مرنان مغناطيسي قبل التداخل الجراحي الدقيق الذي قد يتسبب بشلل كامل في حال أي خطأ”.
طابور المرضى المنتظرين على دور صورة المرنان المغناطيسي، وحالته العاجلة، دفعت عائلة عمر لنقله إلى مستشفى خاص في مدينة الدانا لتصويره، يقول والد عمر “دفعت 70 دولاراً مقابل الصورة التي أظهرت حاجة عمر لمجموعة صفائح وبراغي تثبيت بشكل فوري خشية حدوث مضاعفات قد تؤثر على النخاع الشوكي، في وقت كانت تلك المعدات محصورة ببعض المستشفيات المجانية وقد شارفت على النفاد”.
تكفّلت منظمة إنسانية بالعمل الجراحي لعمر، بتكلفة وصلت إلى 1500 دولار، في إحدى المستشفيات الخاصة، وهو مبلغ لا يمكن تأمينه من قبل الأهالي، وتعجز المنظمات الإنسانية عن توفيره للحالات الكثيرة من الإصابات العظمية في الشمال السوري.
لم يقتصر النقص على الأجهزة الطبية المستخدمة في معاينة الإصابات، بل طال بشكل أكبر المعدات والمستلزمات المستخدمة التي نفدت من غالبية المستشفيات العامة منذ الأيام الأولى من الزلزال، في وقت كانت فيه الإصابات تتدفق بتواتر أكبر من العالقين تحت الأنقاض.
يقول الطبيب حسن جولاق، إن “معظم المعدات مثل، الصفائح ومعدات التثبيت والسياخ والصفائح التشريحية الجبائر المؤقتة والجبائر الدائمة والضمادات والصادات الحيوية، استنزفت نتيجة العدد الهائل من الإصابات وكانت بحاجة الى تعويض مباشر”.
يقول الطبيب ملهم غازي “إن كثرة أعداد إصابات الكسور الناجمة عن الهدم أدى لسحب غالبية مواد الاستجدال (صفائح وبراغي تثبيت) الموجودة في المنطقة، سواء كانت مستشفيات عامة أو خاصة”.
وأضاف “هناك جهات تغطي جزئياً خدمة الجراحة العظمية لكن بشكل غير كافً، وتعمل على وزارة الصحة على ترميم النقص الحاصل”.
وحدد الطبيب غازي الاحتياجات الأساسية اليوم من حيث الأهمية بالأجهزة الاستقصائية، ومستشفيات للجراحة العصبية والعظمية، وأطباء مختصون بالجراحة الدقيقة مثل جراحة اليد والعمود الفقري، إضافة للصفائح وأسياخ التثبيت ومواد تثبيت الفقرات، إذ أن أغلب الإصابات العظمية في الشمال السوري تحتاج إلى المتابعة، ومنها ما يحتاج لأكثر من عمل جراحي مستقبلاً.
منظمة الصحة العالمية قالت في تقرير لها إنها وابتداء من 11 شباط الماضي، قدمت 139 طناً مترياً من الإمدادات الطبية عبر مكتبها في غازي عنتاب إلى شمال غرب سوريا. تلا ذلك تقديم 34.5 طناً مترياً في 23 شباط، إضافة لتوزيع 183 طناً مترياً من إمدادات منظمة الصحة العالمية الموضوعة مسبقًا داخل مستودعات الشركاء في اعزاز وإدلب إلى أكثر من 200 مرفق صحي.
يقول الطبيب غازي “جرى تعويض النقص الحاصل خلال فترة الزلزال من قبل بعض المنظمات بشكل جزئي، لكن العجز لا يزال كبيراً في القطاع الطبي، ونحن بانتظار تقديم المزيد من الدعم بعد وعود من قبل منظمة الصحة بإدخال المزيد من المعدات الطبية”.، بينما وصف مدير صحة إدلب المساعدات الطبية بـ “الشحيحة، إذ اقتصرت على كيتات من منظمة الصحية العالمية تحوي سيرومات وضمادات وأدوية”.
كشف الضغط الكبير الذي تسبب به الزلزال في أعداد الإصابات عن النقص الكبير في القطاع الطبي داخل مستشفيات شمال غرب سوريا والتي توقف الدعم عن كثير من منشآتها، إذ قدر حجم الاستجابة الدولية في العام الماضي لقطاع الصحة قبل الزلزال بـ 26.7% من الاحتياجات، لكن ومع زيادة الإصابات وتنوعها، خاصة العظمية، يبدو المشهد أكثر قتامة إن لم يتم تدارك التجاهل الدولي لحاجة آلاف المصابين لعمليات جراحية قد يتسبب عدم متابعتها ورعايتها لعجز دائم.
العجز الذي يعاني منه الجناح العظمي، كادر ومعدات، انعكس بشكل سلبي على سلامة بعض المرضى لا سيما منهم المصابين بمتلازمة الهرس، وكان من المفترض نقلهم الى تركيا لتلقي العلاج، وهو ما دفع أطباء للقيام بإجراءات مصيرية بناء على المعدات المتاحة خشية على حالة المريض من التدهور الذي قد يودي به إلى إعاقة أو شلل مستدام.
لم تنته مرحلة الخطر للمصابين بكسور دقيقة حتى الآن، فمعظم تلك الإصابات تحتاج لمتابعة وإشراف خوفاً من توقف الحركة في الجزء المصاب، إذ سجلت ست حالات شلل مستدامة حتى الآن في مديرية المستشفيات نتيجة غياب القدرة على علاج تلك الحالات، في ظل توقف المعابر التركية عن استقبال المرضى والمصابين السوريين، وسط شح كبير في دخول المعدات الطبية من تلك المعابر.