تسبب الزلزال بدمار وتصدّع آلاف الأبنية التي هجرها سكانها إلى العراء أو مراكز الإيواء أو استضيفوا عند أصدقاء أو أقرباء لهم، وتسبب الخوف من الهزات الارتدادية التي رافقت الزلزال وما يزال السكان يشعرون بها حتى اللحظة بنزوح عائلات كثيرة، قدرت بمئات الآلاف. دفع النزوح وتصدع الأبنية للبحث عن خيام تكون حلّاً مؤقتاً أو دائماً لأزمة الأبنية وللخوف في آن معاً، ومع الطلب الكبير ارتفعت أسعار الخيام ما عدّة سكان استغلالاً واحتكاراً، فيما برر بائعو الخيام ذلك بارتفاع أسعار المواد التي تصنع منها الخيام، في الفترة الماضية.
زادت أسعار الخيام، مع تصدّرها سلم الأولويات للعائلات والمنظمات الإنسانية بعد الزلزال، إلى ضعفي سعرها عما كانت عليه سابقاً، وتندّر سكان للخيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن سعر الخيمة بات يعادل سعر منزل في المنطقة، وأن ملّاكها قد يقبلون بتبديلها مقابل منزل لا يقل عن ثلاثة غرف.
ولم يعد الحصول على الخيام في متناول كثر من السكان، إذ قدّر منسقو الاستجابة حاجة النازحين الجدد لنحو عشرين ألف خيمة لتأمين من تركوا منازلهم، تضاف إلى العدد ذاته الذي أمنته المنظمات والأفراد والفرق التطوعية.
أمضى محمد الديبو، يسكن في محيط مدينة حارم، أياماً وهو يبحث عن خيمتين أو ثلاث لإيواء أسرته وأسرة شقيقه، بعد دمار منزلهم بسبب الزلزال، يقول محمد: “ثلاثة أيام بلياليها أمضتها أسرتي في العراء أو في منازل الأصدقاء وأنا أبحث لهم عن خيمة بسعر مقبول لكن دون جدوى”.
وجد محمد ضالته بعد طول بحث، ولكنه اضطر لدفع مبلغ 350 دولاراً امريكياً مقابل حصوله على ثلاثة خيام، وهي صفقة وصفها التاجر الذي باعه الخيام بأنها “صفقة لم يحصل عليها غيره”. وهو ما أكده أحمد العجاج، أحد الذين اضطروا لشراء خيمة في سرمدا نتيجة خوفه من العودة إلى منزله، إذ دفع مبلغ 225 دولاراً من أجل خيمة أمضى فيها ليلتين قبل عودته إلى منزله.
يقول عجاج: “أعدت الخيمة إلى كيسها بعد أن هدأت الهزات الارتدادية قليلاً، وتمكنا من العودة إلى المنزل، لكن ما يحز بنفسي أنني اضطررت لدفع مبلغ 115 دولارً مقابل ليلة في العراء”.
الظروف المناخية السيئة أسهمت بشكل مباشر في الطلب الكبير على الخيام، إذ شهد يوم الزلزال في السادس من شباط والأيام التي تلته عواصف مطرية وانخفاضاً في درجات الحرارة، ما دفع الأهالي للبحث عن خيام متينة خوفاً من انهيارها.
شراء أعداد كبيرة من الخيام لم يسهم بشكل كبير في تخفيض الأسعار، كذلك سبب الشراء الذي اتخذته المنظمات والفرق والمبادرات لإيواء النازحين بأفضل الأسعار لتلبيج أكبر عدد من المستفيدين، يقول أحمد الأحمد، عضو في فريق الإخاء التطوعي: “إن مسالة الحصول على الخيام لأجل إقامة مركز لإيواء المتضررين، بالقرب من مخيم الكمونه المجاور لمدينة سرمدا، كانت عملية شاقة ومكلفة في آن معا، إذ اضطررنا لشراء الخيام من محلات متفرقة، وبشكل إفرادي، مما توفر لدى التجار حينها، أو من أصحابها مباشرة”.
وعن المبالغ التي اضطروا لدفعها يقول الأحمد: “بلغ ثمن خيمة التفصيل من النوعية الرديئة مبلغ مئة وخمسين دولار، في حين بلغ سعر الجاهزة منها مائتين وخمسين أو ثلاثمئة دولار أحياناً، أما المستعملة منها فقد طلب أصحابها مبالغ فاقت مئة وخمسين دولاراً”.
جمعية التعاون الخيرية، هي الأخرى شكت من ارتفاع أسعار الخيام أثناء سعيها لإقامة مراكز إيواء في محيط مدينة سلقين، ونجحت في نصب نحو خمس وسبعون خيمة للأسر المتضررة في تلك المنطقة، ما اضطر إدارة الجمعية لدفع مبالغ كبيرة ثمناً لها، بحسب محمد العكل مدير جمعية التعاون الخيرية الذي قال: “إن المسألة تخضع للعرض والطلب، فزيادة الطلب ونقص الخيام هو ما رفع ثمن خيمة من نوع السفينة ليصل إلى 125دولاراً عوضاً عن 25 دولاراً قبل الزلزال، وسعر خيمة القوس وصل إلى 150 دولاراً عوضاً عن 70 دولاراً”.
يرى محمد “أن المبالغ التي صرفت من أجل تأمين خيام كان الأجدر لو أنها صرفت لتأمين مستلزمات الحياة للأسر المتضررة، وهذا ما زاد أعباء تأمين مراكز الإيواء وأثقل كاهل الفرق والمنظمات العاملة”.
تتجه جمعية التعاون لبناء 60 وحدة سكنية مبدئياً لمتضرري الزلزال بجدران من البلوك وسقوف من الشوادر البلاستيكية، عوضاً عن الخيام، يقول العكل “التكلفة لن تكون أكبر بكثير لكن صلاحيتها وجودتها ستكون أفضل للسكان”.
ويرجع الأحمد السبب الرئيس لارتفاع أسعار الخيام إلى “جشع التجار وبعض من وصفهم بضعاف النفوس من الأفراد الذين استغلوا حاجة المتضررين والمحتاجين إلى خيام”.
يعلل أصحاب ورش تصنيع الخيام ارتفاع الأسعار بأسباب عدة: مثل ارتفاع ثمن الهياكل المعدنية المستخدمة واختلاف نوعيتها بين الحديد والألمنيوم وأيضاً الارتفاع الذي لحق بسعر مبيع متر الشادر البلاستيكي المستخدم كغطاء للخيمة.
خالد زعرور صاحب أحد ورش تصنيع الخيام يطلب لقاء تفصيل خيمة بمساحة 16 متراً مربعاً مبلغ 130 دولاراً، ولمساحة 24 متراً مربعاً مبلغ 160 دولاراً، يقول الزعرور: “الهيكل مصنوع من ترابيع من معدن الحديد القابل للصدأ، وأن السعر سيكون أكبر فيما لو صنع الهيكل من قساطل الألمنيوم المقاوم للصدأ”.
ويقدر صبحي بدران، صاحب ورشة لتصنيع الخيام بالقرب من مدينة الدانا، “ثمن خيمة بمساحة 24 متراً مربعاً، بـ 200 دولار، فالألمنيوم مرتفع الثمن اليوم وكذلك ثمن متر الشوادر البلاستيكية”، على حد قوله.
نفى مصطفى الخاني، يملك ورشة لتفصيل وبيع الشوادر البلاستيكية في محيط مدينة سرمدا، أن يكون سعر متر الشادر قد ارتفع، فسعر المتر على حاله قبل وبعد الزلزال بحسب الخاني الذي يقول: ” ثمن المتر الواحد دولار للنوع الخفيف، و دولاران للنوعية السميكة و أربع دولارات للشوادر المخصصة لأغطية سيارات النقل المعروفة بجودتها”.
مقابل من رفع أسعار الخيام من تجار وأصحاب ورش، لجأ آخرون من أصحاب ورش التصنيع إلى تقديم جهدهم مجاناً للاستجابة لحاجة السكان بعد الزلزال، إذ انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إعلانات عن جاهزية أشخاص لتصنيع الخيام بسعر التكلفة، إن كانت مخصصة لمتضرري الزلزال، وقدّرت أسعار التكلفة بين 75 إلى 125 دولاراً بحسب حجم الخيمة ونوعية المواد المستخدمة من شوادر وحديد أو ألمنيوم.
قد لا تبدو أسعار الخيام كبيرة جداً، لكنها تعادل راتب موظف لشهرين في المنطقة، ومع الشلل الاقتصادي الذي خلفه الزلزال تشكل هذه الخيام عبئاً على السكان والمنظمات الإنسانية، إذ يحتاج تأمين الخيام الذي ورد في إحصائية منسقو الاستجابة لنحو أربعة ملايين دولار تقريباً، ودفع مثلها خلال الأيام الماضية، هذه المبالغ كانت ستشكل فارقاً كبيراً لو استغلت في تزمين احتياجات أساسية أخرى مثل الطبابة والدواء وحليب الأطفال.
الحصول على خيمة ليس المشكلة الوحيدة، بل إيجاد مكان لها شكل عائقاً جديداً، إذ لم يسمح بنصب الخيام في مختلف المناطق. يقول محمد غزال مسؤول العلاقات العامة في وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ، إن الحكومة سمحت ببناء الخيام في مراكز الإيواء التي بلغت أكثر من سبعين مركزاً موزعاً على مناطق عدة، مثل مدن سلقين وحارم وأطمة، استوعبت نحو ثمانية آلاف عائلة. كما سمح للأشخاص ببناء الخيام على أراضيهم الخاصة وبالقرب من منازلهم بشكل فردي”.
ويضيف غزال، أن المناطق التي لم يسمح فيها ببناء الخيام كانت تجمعات احتاجت للحصول على موافقة وزارة التنمية لإنشائها من أجل تسجيلها وإحصائها وإلحاقها بالخدمات الضرورية، يقول: “لا ضير من بناء الفرد لخيمته الخاصة على أرضه أما التجمعات فيجب أن تكون تحت إشرافنا لتنظيم العمل”، ويتابع الغزال “عقب موجة الزلزال الثانية لجأ الكثير من السكان لبناء خيامهم على شكل تجمعات عشوائية، حتى في الأماكن العامة”. “وهو أمر “يضر بالمصلحة العامة ويعتبر مخالفاً لشروط بناء المخيمات”.
منزل، عراء، خيمة، مخيم جماعي، شقق اسمنتية عوضاً عن الخيام، دمار، نزوح، عراء، ثم خيمة، مراحل مرّ بها معظم سكان الشمال السوري ولأسباب عديدة منها القصف والظروف المناخية القاسية، كان آخرها وأكبرها الزلزال الذي ضرب المنطقة، ولكل مرحلة من هذه المراحل احتياجاتها وتجارها وأمراء حربها وفرقها التطوعية، لتعود الخيمة فتفرض نفسها حلّاً وحيداً لايق سكانها من البرد والحر لكنه على الأقل يمنحهم شعوراً بالثبات في أرض يدور كل ما فوقها ويهتز.