تتوقف طريقة التعاطي مع كارثة كالزلزال في ساعاتها الأولى على غريزة البقاء، يتنامى ذلك الشعور مع كل هزّة أرضية وتتسع الهوة بين البقاء والتفكير بالاحتياجات الأساسية، ينظر الجميع من حولهم، العالقون تحت الأنقاض ليدٍ تمتد وتخرجهم، الذين فوق الأرض أولئك الذين افترشوا الساحات والشوارع الفارغة أمام البيوت المهدمة وغير بعيد عنها لمن يقف إلى جانبهم، يدلّهم على الطريق، إلى أين ستكون الوجهة في مرحلة من عقم التفكير وقلة الخيارات.
في مثل هذه الحالات أو الأزمات، تكون الدولة ومؤسساتها هي الفيصل والدليل للإجابة عن الأسئلة الكثيرة المطروحة، في مثل حالتنا السورية وفي مختلف المناطق ليس هناك دولة، إذن يصبح فعل الوجود منوطاً بما يأتي من خارج الحدود، أحدهم يستلم زمام المبادرة، عادة تكون مؤسسات دولية هي من يفعل ذلك، أيضاً في حالتنا السورية لم يحدث ذلك إلا بعد خمسة أيام من الزلزال، وبهشاشة لا يمكن إلا التوقف عندها وانتقادها أولاً، ثم تعريتها من جديد.
لم يكن الجرح ليندمل قليلاً إلا من خلال المبادرات الفردية والفرق التطوعية، وعلى الرغم من الفقر المدقع في مختلف المناطق السورية وحياة السكان تحت خطه منذ سنوات، كانت هذا الاستجابة، تحت بنود كثيرة أهمها “الفزعة” ما عدّل ولو قليلاً كفة الميزان، ريثما تصحو الأمم من ثباتها قليلاً، تستوعب ما يحدث، لعلّها تستفيق.
سنتحدث في هذا التقرير، دون إحاطة كاملة، عن الإحصائيات المختلفة للمساعدات التي وردت إلى المناطق المنكوبة، كيف حدث ذلك، القصص التي رافقت عملية المساعدات، عدم التنسيق والفوضى، نسيان مناطق كثيرة من الاستجابة، والفزعة كمفهوم سوري لا يمكن تجاهله لإنصافه.
حجم الكارثة
يعيش في شمال غربي سوريا، تفصيلاً ريفي حلب الشمالي والشرقي وعفرين (مناطق الحكومة المؤقتة)، إضافة لمحافظة إدلب وما تضم داخلها من أرياف حلب الغربية وأجزاء من ريف حماه (مناطق حكومة الإنقاذ)، أزيد من 5,7 مليون إنسان، 1,6 مليون منهم في مناطق الحكومة المؤقتة، أكثر من 20% من مجموع السكان تضرر بالزلزال الأخير مباشرة، سواء على صعيد فقدان الأشخاص لحياتهم أو الإصابات أو الأضرار في المنازل والممتلكات والنزوح، أما نسبة المتضررين بشكل عام من آثار الزلزال وتوقف الحياة الاقتصادية وقلة المساعدات وضعف الاستجابة فاق هذه النسبة ويكاد يصل إلى أعلى سلم في درجاتها.
بلغ عدد الضحايا، نتيجة الزلزال، 3267 شخصاً، منهم في مناطق حكومة الإنقاذ 2114 ضحية، إضافة لـ 7049 إصابة، منها 5669 في مناطق حكومة الإنقاذ، بحسب إحصائية لوحدة دعم الاستقرار، اعتمدت فيها بحسب ما نشرته على الموقع الالكتروني لمراقبة الحالة الإنسانية لدى حكومة الإنقاذ، المجالس المحلية، غرفة إدارة الكارثة في جنديرس، إضافة للمصادر المفتوحة.
تزيد أعداد الضحايا، كذلك الإصابات عن تلك الأرقام، إذ وصلت في إحصائيات أخرى إلى 4525 ضحية، وأكثر من 12400 مصاباً، بحسب الدكتور محمد كتوب، مدير مشاريع في منظمة إمباكت، وخبير في الاستجابة الإنسانية وحماية العاملين في القطاع الإنساني.
على صعيد الأبنية فقد تهدم بشكل كامل 1484 بناء، وتضرر أكثر من 11377، منها 819 بناء مدمراً و8562 بناء تضرر بشكل جزئي في مناطق حكومة الإنقاذ.
يزيد هذا الرقم في إحصائيات أخرى ويصل العدد إلى نحو 15 ألف بناء ومنزلاً تضرر بشكل كلي أو جزئي في شمال غربي سوريا، إن استثنينا الأبنية التي تصدعت أو تشققت جدرانها أو انهارت جدران فيها، وهو ما يفسر عدد العوائل الكبير التي تركت منازلها بعد الزلزال والتي لا يمكن إحصاؤها، إلا أولئك الذين نزحوا إلى مراكز الإيواء، والذين سنفصل في أعدادهم في وقت لاحق من التقرير.
يضاف إلى المباني التي تهدمت تضرر 323 منشأة تعليمية في المنطقة، منها 250 في مناطق حكومة الإنقاذ، كذلك 53 منشأة طبية و 43 نقطة تتضمن مكاتب منظمات أو مشاريع تابعة لها، و 81 منشأة من أسواق ومساجد ووحدات سكنية، وتجاوز عدد الضحايا العاملين ضمن المؤسسات الإنسانية 231 شخصاً، بحسب منسقو الاستجابة.
الأرقام أعلاه توضح الضحايا والأضرار المباشرة في منطقة شمال غربي سوريا، منذ حدوث الزلزال في 6 شباط وحتى 19 منه، أي خلال نحو أسبوعين بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، والهزات الارتدادية التي رافقته والتي زادت عن 6216 هزة تختلف في قوتها وعمقها، بحسب ما أورده الدكتور كتوب في 24 من شباط.
يستدعي الوقوف على هذه الكارثة استجابة طارئة تتوافق مع أحدثته، لكن ذلك لم يحدث، وتستدعي تضافر الجهود والتنسيق بين المنظمات المحلية والدولية، وفيما بينها ولكن ذلك لم يحدث أيضاً، وفي كل ذلك بدت الاستجابة وطرقها فردية، وكان العجز عنواناً للمرحلة فيما يخص الحكومتين المؤقتة والإنقاذ العاجزتان اقتصادياً عن الدعم وحتى التنسيق، واللتان شكل حضورهما، حتى على صعيد الأرقام والإحصائيات باهتاً، إلا من السماح للفرق الفردية بقيادة الدفة أو تعطيلها أحياناً، تاركين لـ “أهل الخير”، والفرق والتجمعات الأهلية والمحلية مسؤولية البحث عن حلول، وفي ذلك استنفذت هذه الفرق طاقاتها وفعلت كل ما تستطيع، لكن الكارثة كانت أكبر من يد واحدة تصفق في الفراغ، وتجاهلت الأمم المتحدة ومن يعمل تحت سقفها من منظمات ما يحدث سوى من خطابات تعاطف، ومساعدات لمناطق أخرى منكوبة لا نعيبها ولكننا تمنى لو حسبت أرقامنا في مظلة أرقامهم، والتي تقاربت لتحل في المرحلة الثانية بين تركيا ومناطق النظام، لتمر من فوق رؤوسنا دون أن تعيرنا انتباهاً.
التوزع الجغرافي للأضرار
النسبة الأكبر من الأضرار كانت في مناطق حكومة الإنقاذ وبلغت 55,2%، تليها جنديرس بنسبة 18,7%, صوران 14,7%، أخترين، 6,2%، عفرين 2,1%، مارع 2%، اعزاز والباب 0.5% في كل منهما. وفق الجدول التالي وبالترتيب:
اسم المنطقة | عدد الضحايا | عدد المصابين | المنازل المدمرة كلياً | المنازل المتضررة بشكل جزئي/ غير صالحة للسكن |
إدلب | 2114 | 5669 | 819 | 8562 |
جنديرس | 1012 | 830 | 278 | 500 |
صوران | 94 | 165 | 218 | 855 |
أخترين | 2 | 17 | 92 | 437 |
عفرين | 28 | 135 | 31 | 403 |
مارع | 2 | 8 | 30 | 29 |
اعزاز | 9 | 90 | 8 | 209 |
الباب | 6 | 125 | 7 | 239 |
قباسين | 5 | |||
جرابلس | 9 | 1 | ||
بزاعة | 138 |
عن أي مساعدات نتحدث
غابت المساعدات الأممية في الأيام الأولى بعد حدوث الزلزال عن شمال غربي سوريا، لتدخل بعدها، في اليوم الرابع، تباعاً وخلال الأيام الماضية حتى 23 شباط، 263 شاحنة من مختلف المعابر، 85٪ منها دخلت عبر معبر باب الهوى في مناطق حكومة الإنقاذ، فيما دخلت النسب المتبقية من معابر (باب السلامة -الحمام -الراعي -عون الدادات)، في مناطق الحكومة المؤقتة.
خلال العام الماضي، وقبل الزلزال، لم يتجاوز حجم المساعدات الأممية 60% من احتياجات القطاع الغذائي و 26 % من احتياجات القطاع الصحي، في الوقت الذي قدرت نسبة الذين يحتاجون للدعم في شمال غربي سوريا بـ 90% من السكان.
هذه البيانات صدرت عن خطة الاستجابة الإنسانية السورية، وهي تدرك حجم ما يقاسيه السكان في هذه المناطق، والتي لا تحتاج إلى الكثير من الشرح، يكفي أن تعرف أن متوسط دخل الموظف فيها، إن أتيحت له فرصة عمل، لا يتجاوز ثلاث دولارات، وثمن ربطة الخبز الواحدة ربع دولار، أما إيجار المنازل فيزيد متوسطه عن خمسين دولاراً.
الاستفاضة في الحديث عن واقع شمال غربي سوريا، قبل الزلزال، لن يعطي شرحاً إضافياً، جميع السكان كانوا يشكون من قلة الموارد، صعوبة الحصول على المواد الغذائية، غياب شرائح واسعة من المواد الغذائية عن العائلات، حليب الأطفال أيضاً، مواد التدفئة، والألبسة، والأهم من ذلك التعليم والطبابة.
لم تتلق خلال الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال جميع مناطق الشمال السوري ومنظماته، بما فيها الدفاع المدني ومديريات الصحة أي دعم أممي، لم تدخل فرق أو خبراء إنقاذ، لا مساعدات بمعدات أو آليات الحفر لإنقاذ العالقين، قسم منهم فقد حياته بعد أن تأخرت عمليات البحث عنهم، فعلت الفرق التطوعية والدفاع المدني ما يستطيعونه، لكن حجم الكارثة كان أكبر من قدرتهم، ومع فقدان الأمل بإنقاذ كثر من العالقين، بات خطر جديد يهدد الأحياء بالمرض والبرد ونقص المواد الغذائية، ليضاف إلى حلقة جديدة من النزوح المتكرر الذي عاشوه.
حصة الشمال السوري من المساعدات الإنسانية لم تتجاوز 36% ، مقابل 64% ذهبت إلى مناطق النظام، الذي قلّت أضرار الزلزال فيه عن ثلث الأضرار في مناطق حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، ولم تغطي هذه المساعدات 8% من عمليات الإغاثة للمنكوبين في المنطقة، بحسب منسقو الاستجابة الذين وصفوها بالتحرك غير الجاد وغير الفعلي من المجتمع الدولي.
ما دخل مع القوافل الأممية، والتي تقدر بنحو 4 آلاف طن، جاء متأخراً واقتصر على الاستجابة الطارئة من المواد التموينية وبعض التجهيزات الأخرى لم تسهم في إنقاذ السكان ولا التخفيف عنهم بعد الكارثة التي أحاطت بهم، ولا يمكن التكهن مستقبلاً إن كانت هذه الاستجابة ستكون على قدر حجم الكارثة التي قدرت أضرارها بنحو 511 مليون دولار أمريكي، إضافة للاحتياجات الأخرى الدورية والتي تدعم بشكل فعلي إبقاء السكان على قيد الحياة.
من أصل تسعة مخيمات زرناها في فوكس حلب، وعشرات التقارير الأخرى، تحدثنا فيها إلى نحو عشرين عائلة من المتضررين، كانت الإجابة عن سؤال ما وصل من مساعدات “بطيئة -غير كافية -لا تضمن الحد الأدنى من الحياة -لا تراعي الاحتياجات الأساسية والتي كان السكن أهمها متضمنا ضرورة الحصول على الخيام كأولوية في مثل هذا الوقت”.
مراكز الإيواء والمساعدات الموثقة محلياً ودولياً
بحسب لجنة الاستجابة الطارئة، والتي وثقت مناطق حكومة الإنقاذ، بلغت عدد مراكز الإيواء 52 مركزاً ضمت 5677 عائلة، قسّمت بحسب عدد المراكز في المناطق إلى 14 مركز إيواء في حارم ضم 2173 أسرة، 11 مركز إيواء في ريف حلب الغربي ضم 903 أسرة، 9 مراكز في كل من إدلب و أطمة ضمت 499, 637 أسرة، 4 مراكز في سرمدا ضمت 1126 أسرة، 3 مراكز في المنطقة الوسطى ضمت 22 أسرة، 2 مركز في جسر الشغور ضمت 317 عائلة.
وأحصت اللجنة عمل 47 جمعية إغاثية حتى 13 شباط، قدمت 203793 مادة عينية، 205910 ليرة تركية، 31908 دولار أمريكي.
معظم المنظمات قدمت (اسفنج -حرامات -وجبات غذائية -سلل إغاثية)، بينما قدمت 4 منظمات معلبات، و 3 منظمات مبالغ مالية، ومنظمة واحدة خيام، ومنظمة واحدة آليات للحفر والإنقاذ.
وبحسب وحدة دعم الاستقرار، بلغ عدد الملاجئ الجديدة للمتضررين من شقق وخيام في مراكز إيواء 91 مركزاً في مناطق الحكومة المؤقتة.
وفصّلت المساعدات الإنسانية، إذ بلغت المساعدات من المأوى والخيام 5330 في المؤقتة و 3000 في الإنقاذ. الأسرة والبطانيات 37050 في المؤقتة و 30000 في الإنقاذ. المنظفات والسلل غير الغذائية 17115 في المؤقتة، 20000 في الإنقاذ.
أما السلل الغذائية والوجبات فبلغت 20965 في المؤقتة و 28000 في الإنقاذ. الطحين 200 طن في المؤقتة، 419 طن في الإنقاذ. مواد التدفئة الفحم 51560 كيساً في المؤقتة، 60000 في الإنقاذ.
مطابخ متنقلة 27 في المؤقتة، 20 في الإنقاذ، مركز طوارئ سيارات إسعاف، 4 في المؤقتة، 6 في الإنقاذ. عيادة متنقلة 16 في المؤقتة، 15 في الإنقاذ. مراحيض وكتل حمامات 184 في المؤقتة، 100 في الإنقاذ، فرش طرق المخيمات بالحصى 5190 في المؤقتة، أدوات حفر من رافعة وحفارة وغيرها 25 في المؤقتة، 42 في الإنقاذ.
الاستجابة المحلية (الفزعة) كانت الأكبر والأجدى
أمام التخلي الذي وجده سكان شمال غربي سوريا، بشقيه المؤقتة والإنقاذ، برز دور الجمعيات والتجمعات الأهلية المحلية، الفردية والجماعية، إضافة لدور قام به سوريون وغيرهم في بلاد اللجوء، إضافة لميسورين في الداخل السوري من تجار وصناعيين.
لا يمكن إحصاء هذه الأرقام التي تمت بمبادرات فردية، دون التوثيق أو التنسيق عليها مع الجهات المسؤولة، واتخذت أشكالاً متعددة، نظراً لوجود أصحاب هذه المبادرات على الأرض وقربهم منها ومعرفتهم باحتياجات السكان فيها.
من خلال مقابلات أجراها فوكس حلب مع تسع شخصيات من أصحاب المبادرات، في كل من الباب وقباسين والأتارب وجنديرس وإدلب المدينة والدانا، يمكن أن نقدم تصوراً عن شكل هذه الاستجابات.
بعد الزلزال بلحظات وحتى يوم واحد
تشكلت فرق محلية أهلية عملت على تنظيم أنفسها في غرف وسائل تواصل اجتماعي والاستجابة المباشرة بعد ساعات من الزلزال، تجلّت في معرفة أكثر المناطق تضرراً وتنظيم حملات تبرعات لتقديم الدعم المباشر للعائلات والفرق التطوعية العاملة في الإنقاذ، من دفاع مدني ومتطوعي وسكان فقدوا منازلهم وكانوا ما يزالون في العراء، شاحنات من الأدوية والمستلزمات الإسعافية الطبية، تقديم آليات للمساعدة في انتشال الناجين أو مواد لازمة لتشغيل الآليات من وقود، أغطية وألبسة شتوية، حليب أطفال وحفاضات تركّز هذا العمل في المناطق الأكثر تضرراً دون التدخل من الجهات الحكومية أو المجالس المحلية في تلك المرحلة، إلا من خلال الأدوية التي قدمت إلى مديريات الصحة. المواد التي جمعت في هذه المرحلة كانت من الموجودة لدى العائلات عبر حملات تبرع، من منازلهم وملابسهم وفرشهم ومؤونتهم، إضافة لمبالغ مالية جمعت عبر هذه الفرق في هذه المرحلة من الأهالي، يقول من تحدثنا معهم إن الاستجابة كانت كبيرة، على مختلف الأصعدة.
في اليوم الثاني من الزلزال وحتى اليوم الرابع
لم تتغير طريقة العمل الذي بدأ يأخذ أشكالاً أكثر تنظيماً، إذ تعاونت هذه الفرق مع منظمات محلية في المنطقة، إضافة للمجالس المحلية، أحياناً مع دائرة المهجرين أيضاً وسنشرح آليات هذا التعاون.
السكان في العراء، تلك مشاهدات من الفرق الأهلية المحلية التي وصلت إلى المناطق المنكوبة، كانت مراكز الإيواء المؤقت الحل الأمثل في مثل هذه الظروف، أنشئت هذه المراكز في مناطق مختلفة، بالقرب من المناطق المنكوبة أو بعيداً عنها كما أسلفنا سابقاً في الحديث عن توزعها، لأجل ذلك أنشئت مطابخ لتقديم وجبات كاملة مطبوخة للعائلات في المراكز أو في المناطق المنكوبة، إضافة للوجبات الباردة التي تقدم للأهالي المنكوبين، والتي تضمنت بحسب من تحدثنا معهم، معلبات، خبز، مياه، حليب أطفال، إضافة لبعض مأكولات الأطفال للتخفيف عنهم.
أصبحت الحاجة أكبر بعد اكتشاف حجم التصدعات في المنازل وعدم عودة كثير من العائلات إلى منازلهم، أو بسبب الخوف من الهزات الارتدادية.
أنشئت أيضاً فرق تطوعية للمساعدة في إنقاذ العالقين، إسعاف المصابين والجرحى، خاصة من طلاب الجامعات لتساعد الفرق الموجودة في المكان، وكان للفرق الأهلية، بحسب وجودها في الأمكنة ومعرفتها بأماكن النزوح وتجمع العائلات، دور في التنسيق مع الجمعيات المحلية وإيصال حاجة السكان لها والمساعدة في إرشادها وتوزيع المساعدات.
الأغطية وفراش النوم والألبسة والسلل الغذائية والدواء، كانت عنوان المرحلة الثانية من الاستجابة، وزادت نسبة التبرعات المحلية إذ وصلت عشرات الشاحنات المحملة بالمواد إلى المناطق المنكوبة وجرى توزيعها.
المقابر كانت من الاحتياجات الرئيسة في هذه المرحلة، إذ عمدت فرق محلية أهلية إلى تجهيز عمليات الدفن للضحايا الذين فقدوا في الزلزال.
في هذه المرحلة أيضاً كان الدور الأكبر لوصل اللاجئين الراغبين بالمساعدات بالعائلات الأكثر تضرراً والاحتياجات الأكثر أهمية، عملت هذه الفرق أو الأفراد، بشكل شخصي أو جماعي، ولكن دون وجود غرفة تنسيق واحدة. حجم هذه الاستجابات كان كبيراً ودخلت المساعدات النقدية في الدرجات العليا من سلم الأولويات من خلال توزيع مبالغ مالية على عائلات من المتضررين.
بعد اليوم الخامس من الزلزال وحتى اللحظة
دخلت شاحنات من المساعدات الدولية والعربية إلى المنطقة، لكن المساعدات المحلية لم تتوقف، بقي العمل على حاله بدرجة أقل، بعد أن قلّ حجم التبرعات المجموعة، ولكن الفرق شكلت تعاوناً مع المنظمات لتقديم العون في الاستجابة.
بدأت تأخذ هذه المساعدات شكل مساعدات خاصة، لعائلات بعينها وبظروف خاصة، مثل تأمين السكن، دفع إيجار المنازل، تأمين خيام لعائلات، أدوية لمرضى، وتحولت الاستجابة الجماعية إلى استجابة فردية.
الحاجة إلى الأغطية والفراش باتت أقل، لكن الاحتياج الأكبر كان في الخيام أو المنازل لإيواء العائلات، المبالغ النقدية لتأمين احتياج عائلات متضررة حتى وإن كان لأشهر قليلة بعد توقف العمل والورشات الصغيرة والكبيرة، كذلك مواد التدفئة والغاز المنزلي، ومصاريف نقل العائلات إلى أماكن أكثر أمناً، الأدوية والعلاج للمصابين وتأمين احتياجاتهم داخل المستشفيات ولعائلاتهم، الأيتام من الأطفال الذين فقدوا معيلهم خلال الزلزال. تقديم واجب العزاء وزيارة المصابين والمرضى في المستشفيات.
تجاوزت عدد الشاحنات المحلية والتي وثقها فريق منسقو الاستجابة عدد الشاحنات الأممية حتى اليوم، إذ وثق وصول 302 شاحنة من التبرعات المحلية، حتى 19 شباط، والأرقام تزيد في كل يوم، مقابل وصول 263 شاحنة أممية، ولا تختلف هذه الشاحنات في الحجم إذ زاد وزن المساعدات المحلية عن 5354 طناً، مقابل نحو 4 آلاف طن وزن المساعدات الأممية.
الأرقام وطرق الاستجابة المحلية تعطي موشراً عن الاستجابة المحلية لكارثة الزلزال ودورها في إنقاذ حياة السكان، لكنها قطعاً لا توضح حجم المساعدات التي لا يمكن قياسها، ومنها الحوالات المالية التي أرسلت من الذين يعيشون خارج سوريا سواء لعائلاتهم و أصدقائهم أو لفرق محلية تعمل على الأرض، كذلك الاستجابة للقرى والمدن الأقل تضرراً، إذ وصلت أضرار الزلزال في مناطق حكومة الإنقاذ وحدها إلى 207 قرية وبلدة، كذلك لم تحصي استجابة الجمعيات المحلية خارج مراكز الإيواء.
أما عن دور المجالس المحلية وإدارة المهجرين فقد اقتصر في الحملات المحلية على تقديم الإرشاد للتجمعات الأهلية وبعض الإحصائيات في قسم من مراكز الإيواء التي تتبع لها.
يشبه دور الحكومتين دور المجالس والإدارة التي تتبع لها، إذ لم تقدم الحكومتان، نظراً لعدم وجود موازنة عامة فيها، أي مساعدات للعائلات المنكوبة، واقتصر دورها الضعيف على الإشراف على بعض القطاعات والتنسيق مع المنظمات لتقديم الدعم، خاصة الصحي في مديريات الصحة وتسليم المستشفيات الأدوية المقدمة من منظمات دولية، وإنشاء مراكز إيواء في حكومة الإنقاذ، علماً أن هناك تبرعات جمعت بهذا الخصوص لمساعدة المنكوبين في المساجد، أما هيئة الزكاة في مناطق حكومة الإنقاذ فقد أعلنت في معرفاتها عن تقديم الدعم لـ 10 آلاف أسرة وإنشاء 3 مراكز إيواء و6 فرق إنقاذ رديفة للدفاع المدني ودعم 200 عائلة بالخدمة الطبية، وقدرت المبلغ بـ 10 مليون ليرة تركية (نحو 530 ألف دولار).
لا ترقى المساعدات الأممية والمحلية في شمال غربي سوريا، وإن كانت الأخيرة تحملت العبء الأكبر من الاستجابة الطارئة لمنكوبي الزلزال وسط واقع سيء يعيشه معظم السكان، إلى حجم الكارثة، ولعلّ الدور الأهم الذي يجب على الحكومتين فعله في المناطق المنكوبة هو تنظيم إحصائيات دقيقة عوضاً عن حالة الفوضى الذي عمت هذه الاستجابة، وتقديم الدعم للمتضررين وتوزيعه عليهم في مختلف المناطق، إذ لم تصل المساعدات لكثير من المناطق والعائلات المنكوبة، وتحديد سلم الأولويات للسكان، بالتعاون والتنسيق وإيجاد غرفة عمل واحدة لمختلف المنظمات الدولية والجمعيات والفرق المحلية، والأهم من ذلك تقديم الدعم بما يرقى لحجم الكارثة، خاصة وأن أكثر من مليون شخص متضرر من الزلزال اليوم تغيب عنهم الحلول لإيجاد سبل العيش، كذلك عشرات آلاف العائلات النازحة والتي قدرت بنحو 200 ألف شخص، من الذين يحتاجون لمساكن أو خيام، أيضاً تأمين مياه صالحة للشرب في ظل تعطل آبار عن العمل والطبابة وتجهيز المراكز الصحية، كذلك دور للأيتام، وإعادة عجلة التعليم وترميم المدارس، وتشكيل لجان هندسية للكشف عن المباني المتصدعة تجنباً لكوارث جديدة قد تأتي من تهدم المنازل، والسعي لترميم هذه المنازل وتعويض السكان في المنطقة لإعادتهم إلى خط النجاة/ الفقر الذي كانوا يعيشونه قبل الكارثة على الأقل، والمضي قدماً في منطقة يقترب عدد سكانها من ستة ملايين إنسان، باتت جل أحلامهم خبزاً وخيمة وقليلاً من الإنسانية.