“بعد مرور عشرة أيام على الزلزال، مررت من جانب المدرسة وعندما رأيتها مغلقة شعرت بالحزن. تغيّر كل شي بلحظة، كنا قبلها داخل صفوفنا نحضر دروسنا بشكل طبيعي وسعداء بعودة الدوام بعد انتهاء عطلة امتحان الفصل الدراسي، ليأتي الزلزال ويفسد فرحتنا”.
هكذا عبَّر محمد، 13 عاماً، عن حزنه بإغلاق مدرسة البنين بمنطقة سلقين، والتي كانت من ضمن المدارس التي تعرضت للأضرار بسبب الزلزال الذي ضرب مناطق في الشمال السوري يوم الإثنين، السادس من شهر شباط (فبراير)، وهناك عشرات المدارس المتأثرة وتحتاج إلى إعادة تأهيل، كي تعود إلى العمل كسابق عهدها.
يتنقل المدرس أحمد بكرو، مدرس سابق وأحد مؤسسي غرفة طوارئ سلقين المتعلقة بالزلزال، بين صفوف مدرسة البنين الفارغة من الطلاب والمدارس، يتأمل التشققات التي غزت جدران المدرسة إثر الزلزال، تترددُ في ذاكرته أصوات ضجيج الطلاب التي كانت تملأ المدرسة، قبل أن تفرّق العطلة بين الطلاب والمدرسة، والتي قُررت حماية لهم بعد كارثة الزلزال.
يقول البكرو: “يوجد تصدعات وتشققات كثيرة في جدران مدرسة البنين، المعروفة في مدينة سلقين بثانوية الفتح التي يدرس فيها الطلاب الذكور من الصف السابع وحتى البكالوريا فوجين، وتحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل لضمان دوام الطلاب بسلام، ويوجد مدارس أخرى تضررت في سلقين وريفها”.
عدد المدارس التي تضررت في منطقة سلقين وحارم والأتارب والملند وإدلب المدينة وصل إلى 250 مدرسة، بحسب زياد العمر، المكلف بتسيير أعمال وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الإنقاذ بإدلب، إذ إن الأضرار متفاوتة بين المدارس، فهناك 203 مدرسة تهدمت بشكل جزئي و46 تعاني من تشققات بسيطة، مع وجود مدرسة مهدمة بالكامل، ولم تقتصر الأضرار على الماديات فقط، إذ إن هناك 39 مدرس وإداري توفوا، و421 طالب وطالبة ماتوا، حسب تعبيره.
يقول العمر: “أجرت الحكومة بالتنسيق مع وزارة التنمية دراسة هندسية للمدارس المتضررة وستوضع خطة لترميمها وإعادة تأهيلها”.
رصد تقرير شامل أعدته منظمة منسقو استجابة سوريا عن الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا، بعد الزلزال؛ أن الأضرار شملت 323 منشأة تعليمية في المنطقة (أضرار جزئية وأضرار متوسطة)، وهو الرقم ذاته الذي ذكره د. محمد كتّوب، مدير مشاريع في منظمة إمباكت والخبير في الاستجابة الإنسانية وحماية العاملين في القطاع الإنساني، والذي أشار بأن هناك 27 مدرسة متضررة و39 مدرسة استخدمت كمأوى للمهجرين داخلياً.
يبلغ عدد المدارس 1713 في هذه المناطق، 1067 منها كانت صالحة بشكل كامل، قبل الزلزال، وذلك بحسب آخر دراسة عامة وإحصائية ومفصلّة عن المدارس في هذه المناطق قد صدرت عن وحدة تنسيق الدعم ACU، وذلك في التاسع عشر من تموز عام 2018، كما جاء في الدراسة إن 19% من المدارس العاملة تفتقر لدورات المياه، و74% تفتقر للمخابر، و86% تفتقر للمكتبات المدرسية.
تبين لنا هذه الإحصائيات بأن القطاع التعليمي في هذه المناطق بالأصل يعاني من مشاكل، واحتمالية توقف التعليم بسبب دمار المدارس واردة، إذ ارتفع عدد الأطفال الذين ليس لديهم مدارس إلى 17 ألف طفل، بحسب د.محمد كتّوب.
أصدرت مديرية التربية والتعليم قراراً بتعليق الدوام في المدارس العامة والخاصة بعد الزلزال الأول، لحماية الطلاب وكافة العاملين في سلك التعليم، وبدأت العطلة في 6 شباط (فبراير)، وامتدت حتى يوم 11 شباط، ثم أصدر قراراً آخر بتمديد العطلة لـ 18 شباط، بعدها أعلن عن بدء عودة الدوام الدراسي للطلاب في يوم 20 شباط، بحسب الأهالي الذين التقينا بهم، إلا أن هناك أمهات كثر امتنعت عن إرسال أولادها إلى المدرسة، لأنهنًَّ ما زلن متأثرات بالزلزال الذي حصل، وخفن من عودته في أي لحظة.
تقول ماجدة الصالح، 30 عاماً، تقيم في مدينة كفر لوسين: “لن أرسل أولادي إلى المدرسة بعد انتهاء العطلة، حتى أطمأن بأن هذه الأزمة قد انتهت، ما الذي يضمن لي أن الزلزال لن يعود مرة أخرى”.
ترى الصالح أن المنزل مكان أكثر أماناً من المدرسة، لأنه في حال شعرت أن هناك زلزال، أو هزة أرضية، فإنها ستحمل أولادها وتركض بهم إلى مكان آمن، أما إذا كانوا في المدرسة فإنها من الممكن ألا تصل إليهم في الوقت المناسب.
قلق الصالح كان في محله حين ضرب المنطقة زلزال آخر مساء يوم الاثنين، 20 شباط، إذ كان الطلاب قد ارتادوا المدرسة في صباح ذلك اليوم، لتقرر مديرية التربية والتعليم تعطيل المدارس يومي الثلاثاء والأربعاء.
عاد الدوام إلى المدارس بعد مرور 14 يوماً من حدوث الزلزال الأول، وبدأ في صباح الإثنين 20 شباط (فبراير)، وشهد ذلك اليوم أحاديث كثيرة بين الطلاب والمعلمين، تقول مدرسة في مدرسة صلاح الدين الأيوبي، بمنطقة كفر لوسين، إنها لاحظت أن هناك طالبات كثر كن راغبات في سرد تجربتهنّ لحظة وقوع الزلزال ومشاركة المشاعر التي مررن بها مع أهاليهم وجيرانهم والقصص التي أثرت بهنّ.
لم تملأ تلك القصص يوميات الطالبات والطلاب فقط، وإنما أفقدت بعضهم الرغبة بإكمال الدراسة، وذلك ما حصل مع فاطمة، طالبة البكالوريا، والتي سيطر عليها الرعب عندما حدث الزلزال الثاني، وكانت على وشك أن ترمي بنفسها من الشرفة، خوفاً من أن يسقط عليها سقف المنزل، وتصبح أسيرة مجهولة المصير تحت الأنقاض.
تقول والدة فاطمة، 40 عاماً، تقيم في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي: “كانت ابنتي فاطمة تدرس في غرفتها عند حصول الزلزال الثاني، لم نكن نتوقع أن يحصل هذا الأمر مرة أخرى، بعد انتهاء الزلزال لم تهدأ ابنتي، ودخلت في موجة من البكاء، وصارت ترمي الكتب والدفاتر على الأرض وتقول “ماعاد بدي أدرس”، فهدأت من روعها، وطلبت منها أن تصلي العشاء ثم تنام علّها ترتاح قليلاً”.
بعض الطالبات والطلاب قرروا تأجيل الدراسة إلى العام القادم، كحال الطالبة إسلام العبد الله، 19 عاماً، التي جلست تجمع كتب الصف التاسع في كرتونة وضعتها أعلى الخزانة، كما تروي لنا، معلنة قرارها بإلغاء التقديم لامتحان الصف التاسع لهذا العام، حسب تعبيرها.
تقول العبد الله: “لم يعد بمقدوري الدراسة بعد رؤية صور وفيديوهات الأشخاص المنتشلين من تحت الأنقاض، كلما تصفحت موقع فيسبوك أقرأ مقالات عن احتمال وجود هزات أرضية أخرى، مما أطفئ الرغبة بداخلي بأن أفعل أي شي سواء دراسة أو غيره”.
لم تكن المرة الأولى التي تضطر فيها العبد الله التوقف عن الدراسة، إذ أجبرتها سنوات الحرب على التوقف عن متابعة تعليمها أكثر من مرة، بسبب القصف الذي استهدف قريتها تلمنس بريف إدلب، كما تحكي لنا، بعدها نزحت وتزوجت، وقررت العودة إلى مقاعد الدراسة، وحالفها الحظ بأنَّها وجدت مدرسة تستقبلها في مدينة قاح، إلا أن فرحتها لم تكتمل، بعد حدوث الزلزال، وصارت تشعر بأنه في أي لحظة ممكن أن يسقط السقف عليها.
أما أم علي، 43 عاماً، نازحة في مدينة سرمدا، حكت لنا عن إصرار ابنها علي على إكمال دراسته رغم إغلاق المدرسة، إذ تقول: “لم يفارق ابني علي كتبه على الإطلاق إلا في يوم الزلزال فقط، عندما خرجنا من البيت خوفاً من أن يتأثر السقف والجدران بالاهتزازات الارتدادية، وطوال الوقت يقرأ ويكتب، ويستعين بأصدقائه أو يتصل بمدرسيه عندما يكون لديه سؤال لا يعرفه، ويشجع إخوته على الدراسة مقنعاً إياهم بأنها أزمة وستمر”.
وأضافت: “ابني يدرس في الصف الثامن، وهو مجتهد كثيرا، وكل مدرسيه يمدحون منه، وسبق وأخبرني بأنه يحلم بأن يصبح صيدلانياً، كي يفتتح صيدلية، ويسميها باسم والده الذي توفي بسبب القصف”.
يحاول الطلاب في المنطقة تجاوز الكارثة التي حصلت، وكثر منهم يتابعون دراستهم في المنزل، محافظين على التواصل مع مدرسيهم، بانتظار عودة الدوام من جديد لمتابعة دراستهم.