توقفت أم بشار، 45 عاماً، عن إكمال جلسات علاج الأشعة في مستشفى أنطاكيا، بعد زلزال السادس من شباط، إذ لم يسمح لها بالعودة إلى تركيا، كحال مئات مرضى السرطان الآخرين الموجودين شمال غربي سوريا، والذين توقفت عملية متابعة علاجهم إلى أجل غير مسمى.
أصيبت أم بشار بسرطان الثدي منذ أكثر من عام، وخضعت خلاله إلى عملية جراحية لاستئصال الثدي في المستشفى الجامعي بمدينة إدلب، كما تروي لنا، ثم تأزمت حالتها وانتشر الورم أكثر وأصبحت بحاجة إلى جرعات كيماوية، بناء على تحاليل طبية متعددة في مركز الأورام في مستشفى المحافظة، وهو المركز الوحيد لعلاج أنواع معينة من الأورام بإمكانيات محدودة، افتتح في 2018 بدعم من الجمعية الطبية “سامز” وهي الجهة الداعمة للمركز.
بناء على تقييم طبيب الأورام أيهم جمو، فإن المريضة بحاجة إلى 17 جلسة، بتكلفة 2200 دولار لكل جلسة، وهو مبلغ مرتفع جداً بالنسبة لها، فضلاً عن أن العلاج غير متوفر في الشمال السوري مكان سكنها، ليصبح الدخول إلى تركيا والعلاج هناك خيارها الوحيد.
آلاف مرضى السرطان في إدلب وريف حلب يعانون في رحلة علاجهم، عدد قليل منهم استطاع مركز الأورام في إدلب تقديم العلاج لهم، يقول الطبيب أيهم جمو “إن المركز يدعم علاج ستة أنواع من الورم هي القولون، الثدي، الخصية، اللمفوما بنوعيه (هودجكن، واللاهودجكن)، والمبيض، أما ما تبقى من أنواع الأورام الأخرى فهو غير متوفر، إضافة لعدم توفر العلاج المناعي والشعاعي”.
أثناء مراحل علاجها في أنطاكيا خضعت أم بشار لـ 12 جلسة أشعة، بـ”كملك سياحي”، أي عن طريق إجازات شهرية، تدخل من خلالها لتلقي العلاج من معبر باب الهوى الحدودي في موعد الجلسة، دون السماح لأحد بمرافقتها، وفق الشروط المتبعة في إدخال الحالات المرضية إلى الداخل التركي.
تقول أم بشار: “يوم العاشر من شباط كان موعد الجلسة ولكني لم أتمكن من السفر، وزادت حالتي سوء”، إذ أنها تتلقى الجلسات كل 21 يوم، تذهب في الوقت المحدد وتعود إلى مكان سكنها في مخيمات سرمدا، هكذا كان النظام المتبع قبل زلزال 6 شباط (فبراير).
كانت هناك مستشفيات عدة تستقبل مرضى السرطان من السوريين في عدة ولايات في تركيا، منها؛ مستشفى “هاتاي الدولي، و”مصطفى كمال” في أنطاكيا، و”أجي بادم” و”الشاهير” في أضنة، و”شاهين باي” و”أرسين أصلان” في غازي عنتاب، وذلك بحسب عبد الكريم بازار، مترجم ومتابع لحالة المرضى بمستشفى هاتاي في تركيا.
يقول البازار: “معظم تلك المستشفيات، لم تعد تستقبل المرضى في الوقت الحالي، ليس فقط بسبب الأضرار التي لحقت بأبنيتها فحسب، بل بسبب تضرر عدد كبير منها بالزلزال، ووفاة عدد كبير من الكوادر الطبية أيضاً، إضافة إلى أولوية علاج مصابي الهدم والحالات الساخنة”.
وأضاف: “هناك استثناء في مستشفيات أضنة، للمرضى الذين يملكون أوراق كاملة لملفِّهم الطبي، ويأخذون جرعات كيماوية، إذ أن أي شخص لديه جدول بعدد الجرعات المتبقية يمكنه متابعة علاجه هناك، أما بالنسبة للمريض الذي لديه تحاليل وأوراق غير مكتملة ولم يتقرر نوع علاجه بعد، فهو قد تأثر كثيراً وتوقف ملف علاجه في الوقت الحالي إلى إشعار آخر”.
ورجح عبد الكريم أن هذه الفترة قد تطول وتمتد ما بين 45 يوماً وثلاثة أشهر، إلى حين إنهاء حالة الطوارئ في الولايات التركية المنكوبة، أما عن الخيارات المفتوحة أمام المريض فهي إما أن يتعالج على حسابه الخاص في المستشفيات الخاصة، أو يمكن للمريض الذي لديه جدول بعدد الجرعات أن يتوجه إلى مستشفيات أضنة مع أوراقه الكاملة، وهناك سيتلقى الجرع المحددة إلى حين انتهائها، ثم عند الوصول إلى مرحلة المراقبة وإعادة التقييم فعليه أن ينتظر مستشفيات أنطاكيا لتفتح من جديد، إذ تكمن المشكلة بالمرضى الذين كانوا قيد الفحص وإجراء التحاليل والصور اللازمة التي تحتاج من 15 إلى 20 يوماً، فجميع هؤلاء المرضى توقفت أوراقهم وبالتالي توقف علاجهم، حسب قوله
أُم ريم، 55 عاماً، مريضة بسرطان الثدي، كانت واحدة من المرضى الذين لم تكتمل أوراقهم، ولا يوجد أي مستشفى تستقبلهم إلا في حال إعادة التحاليل والفحوصات على حسابهم الخاص في المستشفيات الخاصة، لذا عاد قسم كبير منهم بعد توقف علاجهم، فضلاً عن عدد من العمليات التي كان قد قرر موعد إجرائها قبل الزلازل، جميعها توقفت في الوقت الحالي، فالأولوية بالنسبة للإدارة الصحية في الدولة التركية هو علاج مصابي الهدم، حسب ما أكد لنا البازار.
تضرر عدد كبير من المستشفيات بفعل الزلزال، قسم منها خرج عن الخدمة وآخر تابع عمله بشكل جزئي، ففي أنطاكيا تدمر المستشفى الدولي القديم بشكل كلي، والمستشفى الأكاديمي تضرر بشكل كبير، ومستشفى الدفنة بات نصفه على الأرض، ومستشفى الدولي الجديد تضرر جزء من قسم الإسعاف، أما مستشفى الجامعة فأضراره كانت خفيفة.
تأثر ملف المرضى بشكل كامل بالكارثة التي حصلت في جنوب تركيا وشمال سوريا، حسب ما أكده عبد الباسط طحان، مسؤول التنسيق والتواصل للحالات الباردة في معبر باب الهوى، رغم التسهيلات الموجودة في مستشفيات أضنة ومرسين. بالنسبة للمرضى الذين يملكون كمالك نظامية، تمكن قسم كبير منهم من متابعة علاجه.
يقدر عبد الباسط نسبة المرضى الذين عادوا إلى الشمال السوري حوالي 70 بالمئة من الذين كانوا يتعالجون داخل الولايات التركية، ويتراوح عددهم ما بين 600 و 700 مريض، فيما قال مازن علوش، المتحدث الإعلامي باسم معبر باب الهوى، إن 559 مريض دخلوا برفقة 112 مرافق من أول يوم بالزلزال ولغاية 18 شباط (فبراير)، في حين بلغ عدد السوريين القادمين من تركيا بشكل عام 9312 مواطن، بدءً من يوم السماح بالإجازات حتى 22 شباط (فبراير)، بحسب إدارة معبر باب الهوى الحدودي.
توقف المعبر الطبي عن استقبال الحالات الباردة والمستعجلة بعد الزلزال، إذ كان يدخل يومياً نحو عشر حالات إسعافية معظمها من مرضى أطفال الخدج، وحالات باردة لمرضى الجراحات القلبية ومرضى السرطان، بمعدل 400 حالة شهرياً، جميعها توقف حتى إشعار آخر، كما أوضح لنا الدكتور بشير الاسماعيل مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى
وهذا مازاد من معاناة المرضى نفسياً وجسدياً، وسبب ضغطاً على مستشفيات إدلب في الداخل السوري، لا سيما بالنسبة لمرضى السرطان، بسبب ضعف الإمكانيات ووجود مركز وحيد وغير شامل لكل علاجات أنواع الأورام السرطانية.
شكّل العدد الكبير من المرضى العائدين من تركيا ضغطاً كبيراً على مركز الأورام في إدلب، كما يشير الطبيب أيهم جمو، وذلك خلال الأسبوعين اللذين تليا الزلزال، وأعطيت جرعات علاجية لعشرين مريضاً، في ظل نقص الكوادر وعدم إمكانية استقبال الأعداد الكبيرة، في هذا الأثناء راجعت أم بشار المركز، كحال كثير من المرضى العائدين، إلا أن علاجها لم يعد متوفراً هناك، حسب قول الطبيب جمو.
تعيش اليوم أم بشار، وكثير من مرضى السرطان، أصعب أيام الانتظار، وهي تناشد المعنيين والجهات الصحية لإيجاد حل جذري للمرضى الذين تأثروا بالزلزال، إذ تزداد حالتهم الصحية سوء كلما تأخروا عن موعد العلاج.