توافدت إلى غرف الإسعاف والعيادات في مستشفيات شمال غربي سوريا مئات من الحالات المرضية، بعد انتهاء زلزال يوم أمس الاثنين، صنفت بحسب الأطباء والكوادر الطبية كنتيجة للانهيارات العصبية وتفاقم المشكلات لدى المرضى، خاصة المزمنين، إثر حالة الخوف والهلع من تكرار المأساة التي رافقت زلزال السادس من شباط، والذي أودى بحياة آلاف السكان وإصابة وتهجير آلاف العائلات وتهدم منازلهم.
يروي أحمد الخالد، مرافق لأحد المرضى ممن قابلناهم، “أثناء حدوث الزلزال بدأ الأطفال والنساء بالبكاء والصراخ، نوبة هلع وخوف اجتاحت جميع من في المبنى، لم نكن قادرين على الهرب من المبنى الذي نسكن فيه في مدينة الدانا في الطابق الرابع، والدي ووالدتي من كبار السن غير قادرين على الركض، بقيت بجانبهم وهرب أطفالي. وما إن انتهى الزلزال حتى أغمي على والدتي ولم تعد قادرة على التنفس فقمت بإسعافها لأقرب مشفى وما تزال قيد المراقبة”.
ويقول مصطفى المحمد، طبيب الإسعاف في إحدى مستشفيات الشمال السوري إن زيادة كبيرة في عدد مراجعات المرضى وفدت إلى المستشفى خلال الليلة الماضية، وما تزال الأعداد تتوافد حتى الآن.
ويصنف الطبيب المحمد هذه الحالات من حيث نوع الإصابة، بأولئك الذين يعانون من “صدمات نفسية بسبب الخوف والهلع بعد الزلزال، الكسور والتمزقات العضلية، الجروح، حالات الإغماء، توقف القلب، التشنجات العصبية وضيق النفس”، إضافة “لأعراض نفسية ظهرت على شكل شخوص البصر وعدم القدرة أو التلعثم في الكلام، نوبات من الصراخ والبكاء، غير مفسّرة”، على حد قوله.
يغلب على الحالات المرضية، التي وصلت إلى مستشفى القدس بمدينة الدانا، طابع الخوف والهلع، بحسب الطبيب حسين السوادي، اختصاصي الأمراض الداخلية في المستشفى.
ويضيف الطبيب السوادي “تسبب الخوف بزيادة حالات التوتر العصبي التي ترافقت مع تشنج وضيق في النفس على شكل دوار وزلة تنفسية وهبوط أو ارتفاع في الضغط وتسرع في ضربات القلب، كما تسببت حالة الهلع برضوض وكسور خلال الهرب والتعثر بالأنقاض خوفاً من انهيار المباني”.
وكان مستشفى أرمناز، قد استقبل ثمان حالات كسور علوية وسفلية في الساعات الأولى بعد زلزال يوم أمس، جاءت نتيجة لرمي أشخاص أنفسهم من الشرفات والطوابق بسبب الخوف من تهدم المنازل، بحسب الطبيب إياد رعدون، المنسق الطبي لمنظمة يداً بيد للإغاثة والتنمية.
ويؤكد الطبيب ابراهيم زيدان، اختصاصي الأمراض العظمية في مشفى عقربات، استقبال حالات تشكو من تمزق ورضوض عظمية نتيجة إلقاء الناس أنفسهم من المباني قبل انهيارها أو تعثرهم أثناء الركض.
نتيجة الزيادة في عدد الحالات استنفرت المستشفيات والمراكز الصحية للاستجابة للمرضى، إذ عملت الكوادر على تقديم الخدمات الطبية وإجراء التحاليل اللازمة والإسعافات الضرورية.
من يعانون من الأمراض المزمنة كانت لهم الأولوية في الاستجابة، إذ أجريت لهم الفحوصات اللازمة بشكل فوري، مثل تخطيط القلب والصور الصدرية الشعاعية وقياس مستويات السكر في الدم، للحد من الآثار التي يمكن أن تودي بحياة المرضى، يقول الطبيب السوادي، إن هذه الآثار المرضية الصحية والنفسية قد ترافق مرضى لفترة طويلة، أحياناً قد تستمر مدى الحياة.
الآثار الصحية والنفسية عند غير المصابين مباشرة من الزلزال ارتفعت يوم أمس عنها في زلزال السادس من شباط، يقول الطبي رعدون “أصبح لدى السكان فوبيا من الزلازل وآثارها. بات لكل شخص قصة مرضية أو نفسية مترافقة مع حالات الخوف والهلع التي أصيب بها سكان شمال غرب سوريا توافدت إلى المستشفيات على شكل حالات هيستيرية نفسية وحالات إغماء وكسور”.
ويقول طبيب الإسعاف مصطفى المحمد “إن غالبية الحالات، سواء الناتجة عن القلق أو نوبات الهلع والخوف وتسارع النفس والخدر، تحدث اضطراباً في توازن الكالسيوم الشاردي والعادي داخل وخارج الخلية، ما يمكن أن يؤدي إلى التكزز و التنميل والخدر، إضافة لفرط التنفس”، واعتمدت الكوادر الطبية في علاج هذه الحالات بالتحدث مع المرضى بشكل مستمر لتجنب انقطاع التنفس، وتقديم الأدوية والإجراءات اللازمة لكل حالة، حسب الأعراض التي ظهرت عليها.
لم تنته آثار الزلزال بما فقدته العائلات من ضحايا وما خسرته من أضرار مادية، إذ ترك، وما رافقه من هزات، آثاراً عميقة في الحالات العصبية والنفسية لدى من عايشوه، قد ترافقهم لسنوات طويلة ما يستدعى علاجاً نفسياً، خاصة عند الأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.