تجاوز عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا ومناطق في سوريا، في السادس من شباط الجاري، 300 شخصاً، إضافة لأكثر من 100 إصابة وأضعاف هذا الرقم من المصابين بجروح طفيفة لم تحصى أعدادهم، وذلك بعد الإعلان عن الانتهاء من عمليات البحث قبل يومين.
وصف من تحدثنا معهم من ناجين عمليات الإنقاذ بـ “السيئة”، إذ ظهرت قلّة الخبرة في التعامل مع البحث عن ناجين تحت الأنقاض وإزالة الركام، كذلك في الإسعافات الأولية للمصابين العالقين، وتأخر الوصول إلى الأشخاص ما أودى بحياة قسم منهم نتيجة طول المدة، رغم قلة عدد الأبنية المهدمة في مدينة حلب مقارنة بمناطق أخرى ضربها الزلزال، ووجود فرق إنقاذ من الدفاع المدني في المدينة إضافة لفرق مساعدة قدمت من عدة بلدان للمساعدة منها الجزائر والعراق.
يفسر عدد الضحايا الكبير مقارنة بعدد الإصابات ما قاله السكان، إذ بلغت عدد المباني المهدمة بشكل كلي نحو 54 مبنى، وبشكل جزئي نحو 50 مبنى، مجموعهما لا يعادل 10% من الأبنية المدمرة في ناحية جنديرس بعفرين.
وذكرت مصادر أهلية تحدثنا معها، وشهدت عمليات الإنقاذ، أن الاستجابة كانت عشوائية، وأن العناصر والمتطوعين كانوا يفتقدون لأدنى أسس الخبرة في رفع الأنقاض، وحتى الإسعافات الأولية لمن يتم إنقاذهم. ويذكر أحد الناجين من انهيار البناء في حي المشارقة والذي فضل عدم التصريح عن اسمه:
” كنا غارقين في بركة كبيرة من الماء في قبو البناء، كنا أكثر من عشرين شخصاً بيننا أطفال ونساء، وأحد القضاة الذيين كانوا عالقين معنا أجرى الكثير من الاتصالات إلى أن فرغ شحن هاتفه، ولكن دون جدوى”.
وأضاف: ” كانت الأسقف المنهارة فوقنا ترتج نتيجة حركة الجرافات والآليات الثقيلة، حتى بدأنا نشعر بأسس القبو وهي تكاد تنقض علينا نتيجة الثقل والحركة المضطربة فوقنا، لم نكن نملك إلا الصراخ والدعاء”.
كثير من الضحايا فقدوا حياتهم نتيجة التأخر في الاستجابة، رغم توجه فرق الإنقاذ من الدفاع المدني والمتطوعين إلى المكان، تروي إيمان، إحدى الناجيات من تحت أنقاض المبنى الذي تسكنه في حي الفردوس، إنها كانت تسمع والدتها تحت الأنقاض، كانت على مقربة منها، تحدثنا كثيراً لكن صوتها فقد بعد يوم كامل، أنقذت الفرق إيمان بعد ثلاثة أيام لكن والدتها أخرجت جثة هامدة.
ولإيمان قصة ترويها من داخل مستشفى التوليد الجامعي الذي أسعفت إليه، تقول “بعد 72 ساعة تحت الأنقاض في حي الفردوس رأيت النور، صراخي نبه فرق الإنقاذ لمكان وجودي، كنت قد وضعت جنيني الذي ولد تحت الأنقاض وما يزال حبله السري معلق بجسدي.
فاجأني الطلق والأنقاض تحيط بي من كل جانب، بعد أن هوى بيتنا المؤلف من ثلاثة طوابق دفعة واحدة، أمسكته بين يدي وهو يبكي، حاولت إرضاعه ولكن لم أستطع بسبب كتلة إسمنتية كانت ترزح فوق كتفي، وقضيب حديدي كان قد اخترق احشائي.
كنت في حالة ذهول وخوف بعد أن أخرجني المسعفون، تذكرت ماحدث تماماً، شاهدت والدتي كيف كانت تتأوه تحت الحجارة ثم اختفى صوتها، كنت أسمع أختي تستغيث من مكان قريب، تحدثنا قليلاً لنطمئن على بعضنا البعض لمدة يوم كامل ثم هدأ صوتها، ولم يبق إلا جنيني الذي بدأ جسمه بالتجمد تدريجياً بعد أن كف عن البكاء”.
غابت إيمان عن الوعي لأكثر من ساعتين بعد أن أعيدت خياطة جرح في البطن كان قد خيط بشكل سيء في سيارة الإسعاف، وتم تضميد جراحها وإجراء تجريف للرحم من ملحقات المشيمة العالقة، وتعويض فاقد الدماء الذي نزفته، بحسب ممرضة في المستشفى
على سريرها في مستشفى الجامعة بحلب، وبعد أن نُقلت إليه من مشفى التوليد المجاور، ماتزال إيمان في حالة وجوم مطبق بعد أن فقدت كل شيء، ولم تعد تملك إلا ذاكرة تحولت إلى أنقاض كالبناء السكني الذي انهار فوقها، ولا أحد يعلم أين ستكون بعد تعافيها.
أرسل المصابون والضحايا إلى المستشفيات الحكومية (الرازي والجامعة) بواسطة الإسعاف السريع، ونتيجة الجهل بأسماء الضحايا والمصابين فقد عدم الكثيرون وسيلة التواصل مع ذويهم وأبنائهم، مما خلق حالة تحبط بين أن يكونوا تحت الأنقاض أو أرسلوا إلى مستشفى ما. كذلك الأمر بالنسبة للأطفال الذين وجدوا أنفسهم وحدهم نتيجة إصابة أو مقتل ذويهم.
تقول إحدى موظفات جمعية الفتاة اليتيمة إن أكثر من خمسين طفلاً يوجدون الآن في مقر الجمعية ممن فقدوا ذويهم، أو من أولئك الذي حال عدم التنسيق من وصول ذويهم إليهم، بينما يؤكد أشخاص في مراكز الإيواء، ومنها مركز إيواء الفرقان، عن وجود أطفال في المكان يجهلون مصير عائلاتهم، وإن الجهات الحكومية المسؤولة لم تتواصل معهم أو تبحث عن ذويهم حتى لحظة إعداد التقرير.
تفتح إيمان عينيها بصعوبة وهي تهلوس بطفلها، وعند سؤال إحدى الممرضات المسؤولات عن البراد حيث توضع الجثث وعن كيفية التعامل معها قالت: ” توضع الجثث في البرادات لحين تسليمها أصولاً لذويها، لكن البعض لا يأتي، حيث يتم الاتصال بمكتب دفن الموتى بعد فقدان احتمال حضور ذوي المتوفين من الأطفال ليصار إلى دفنهم في مقابر جماعية في المقبرة الإسلامية على طريق( نقارين)”.