تأثّرت آبار جوفية في شمال غربي سوريا، خاصة في منطقة دير حسان التابعة لمدينة الدانا والمكتظة بالمخيمات، بفعل الزلزال، كذلك جفت آبار في المنطقة وقلّت كميات المياه الموزعة من قبل المنظمات الإنسانية على السكان، ولوحظ تغيراً في لون المياه ودرجة نقاوتها من قبل السكان ما أثار حفيظتهم لشربها، ما دفع كثر للاستغناء عنها واستخدام المياه الصحية المعبأة أو شراء المياه من آبار أكثر نقاوة.
ولاحظ السكّان في المنطقة تغيرات واضحة في لون المياه الذي بدأ يميل إلى اللون الأحمر، بعد حدوث الزلزال، كذلك في طعمها ورائحتها، وبدرجات متفاوتة، أقلها عكراً في المياه التي تصل إليهم.
يقول عمار بلو، ويعمل مراقباً للمياه في إحدى المنظمات العاملة في دير حسان، إن معظم المنظمات توقفت عن توريد المياه إلى المخيمات بعد حدوث الزلزال، ولمدة تراوحت بين يومين إلى خمسة أيام، نتيجة تغير لون المياه ومواصفاتها.
ويضيف بلو، بعد ستة أيام من الزلزال استؤنفت عمليات توريد المياه، بعد فحصها والحرص على تعقيمها قبل توزيعها على المستفيدين، نظراً لعدم وجود مصدر مائي بديل في المنطقة.
وتتسبب الزلازل والهزات الأرضية، خاصة القوية، بتأثير في مستويات المياه الجوفية ومواصفاتها، إذ يرجح أن تتسبب التذبذبات بتغير المياه إلى موحلة أو عكرة وعلى مسافات طويلة من مركز الزلزال، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
وترجع الهيئة الأسباب إلى أن الاهتزازات تزيل الرواسب السائبة من المسام والشقوق في الصخور التي تزود البئر بالمياه ما يؤدي إلى تعكر المياه بشكل مؤقت، قد يستمر لأيام فقط، وقد تستمر الرواسب التي تحركها الانهيارات الأرضية لأشهر وسنوات، بحسب دراسة أجرتها جامعة دورهام البريطانية.
كذلك تزيد الاهتزازات النفاذية تحت السطح وتربط طبقات المياه الجوفية بالتكوينات القريبة التي تحتوي على مياه بكيمياء مختلفة، هذه التغيرات صغيرة جداً، وبحسب الهيئة إنه من غير المحتمل أن تشكل مخاطر على صحة الإنسان.
أصحاب الآبار العكرة أو الموحلة لجؤوا إلى طريقة الضخ المتواصل للمياه من داخل الآبار للخارج، بعد تشغيل مضخات المياه فيها لساعات متواصلة، حتى يتوارد الى البئر مياه أكثر نقاوة، وهو ما اتبعه سمير مواس أحد أصحاب تلك الآبار للتخفيف من عكرها “نتيجة التهبيط الطيني داخل البئر” وفق وصفه.
يقول المواس” ساعدت تلك العملية الى حد ما في تعديل لون المياه بشكل كبير بعد نضح البقايا الطينية المختلطة بالماء الى خارج البئر”.
الجيولوجي فواز العبد الجواد قال إن المياه الجوفية في سوريا تأتي من الشمال إلى الجنوب، أي أنها تأتي من الأراضي التركية، وإن انزياح القشرة الأرضية الذي قدّر بين 3 إلى 7 أمتار في منطقة هاتاي التركية، أثر على الفوالق التحت سطحية والشقوق التي تمر منها المياه ما أدى لاختلاط المياه الجوفية بالأتربة.
نتيجة لهذا الاختلاط تغير لون المياه في الآبار التي تحصل على مياهها عبر هذه الشقوق والفيالق، كذلك اختلطت بالمعادن في هذه الأتربة، لكن ذلك لا يؤثر على صحة الإنسان، بل على العكس من الممكن أن يكون لها دور في تحسين جودة مياه المنطقة بعد فترة من الزمن، قدرها بين ستة أشهر إلى سنة، وهي المدة التي تحتاج فيها التربة للاستقرار، إضافة لضخ المياه المتجددة، والذي غالباً ما يكون في الشهر التاسع من كل عام نتيجة ذوبان الثلوج في جبال طوروس.
ليست المياه الموحلة أو العكرة ما تركه الزلزال من أثر على المياه الجوفية، إذ جفت العديد من الآبار وتعطلت أخرى، بينما انخفض منسوب المياه في آبار مختلفة.
يقول بلو إن معظم المخيمات تعتمد في تغذيتها على آبار المنطقة التي تتكفل منظمات باستخراجها ومراقبتها وتعقيمها، كل منظمة تخدم عدداً من المخيمات، ومع انخفاض منسوب المياه تقلصت الكميات الموزعة للسكان.
ويضيف البلو، إن “المنظمة التي يعمل بها اعتمدت في تغذية قطاعاتها على نحو خمسة وعشرين بئراً ارتوازياً، انخفض في أكثر من نصفها مستوى المياه، وتغير لون معظمها، وهو ما دفع المراقبين إلى الاعتماد على الآبار غير المتأثرة ما شكل ضغطاً كبيراً عليها وأدى إلى تخفيض كمية المياه للمستفيدين لتلبية احتياجات كامل المخيم”.
خوف السكان من تغير مواصفات المياه دفعهم إلى البحث عن مناهل بديلة، يقول عماد سطيف، أحد سكان مخيم الهدى في مدينة الدانا، إنه لجأ إلى شراء عبوات المياه الصحية بعد تغير لون المياه.
ويضيف السطيف “المياه الي عبتوصلنا ما بتصلح حتى للغسيل، معظم اعتمادنا الحالي سواء طبخ او مياه شرب على مياه الصحة وهاد شي مكلف جدا”.
آخرون ومنهم، لؤي الأحمد، لجؤوا إلى شراء صهاريج المياه من الآبار غير المتأثرة، بين الفترة والأخرى، وهو ما أضاف عبئاً جديداً على حياة السكان المنكوبين بفعل الزلزال، إذ يصل سعر عبوة المياه الصحية إلى خمس ليرات تركية عن كل عشرين لتر، والصهريج لنحو 150 ليرة تركية، تزيد بحسب بعد المسافة.
التغيرات على المياه مؤقتة، يقول الباحث الجيولوجي علي رمضان، وتنتهي بعد فترة من الزمن، وقد يؤدي الزلازل والتصدعات إلى تغيرات في نسب المياه وظهور ينابيع جديدة أو اختفائها. ويضيف “ننتظر حاليا انتهاء الهزات الارتدادية واستقرار المنطقة لمراقبة مستويات المياه في مختلف الابار صعوداً أو هبوطاً”.
تتفق الدراسات وآراء الجيولوجيين في عدم تأثير التغيرات التي طرأت على مياه الآبار الجوفية، بفعل الزلزال، على صحة الإنسان، ويذهب بعضهم إلى إمكانية تحسن نقاوتها بفعل اختلاطها بالمعادن في المنطقة، لكن مخاوفهم تكمن في انهيارات شبكات الصرف الصحي واختلاطها بمياه الآبار ما يجعل مراقبتها الدورية أمراً حتمياً وتحديد نسبة الشوائب فيها، قبل إيصالها إلى السكان.