تحوّلت المستشفيات والمراكز الصحية وكوادرها، في شمال غربي سوريا، إلى خلية نحل بعد وقت قصير من وقوع الزلزال، للاستجابة لآلاف المصابين الذين ينقلون إليها على مدار الساعة. ففي الوقت الذي كانت فيه فرق الإنقاذ، من الدفاع المدني والمتطوعين، يزيلون الأنقاض عن آلاف العائلات، كانت الكوادر الطبية توصل الليل بالنهار، أحياناً دون ساعة استراحة، لاستكمال عمليات الإنقاذ وعلاج المصابين، وسط ضعف في الإمكانيات وقلّة في الكوادر. وتحوّلت جميع النقاط الطبية إلى مراكز إسعاف لتخفيف الضغط عن المستشفيات التي خرج بعضها عن الخدمة.
الإصابات التي قدّرتها لجنة الاستجابة الطارئة وصلت لأزيد من خمسة آلاف إصابة، يفوق العدد عشرة آلاف إذا ضمّ إليها الإصابات الخفيفة لأشخاص أسعفوا من قبل المدنيين ووصلوا إلى النقاط الطبية، ما تسبب بعجز في هذه المنشآت، سواء من حيث توفر عدد الأسرة أو غرف الجراحة أو الكوادر اللازمة، إضافة لنقص في الأدوية الإسعافية.
ووفق تقييم أجرته مديرية صحة إدلب لأضرار المنشآت الصحية نتيجة الزلزال، خرج مستشفى (سامز) للأمومة في الدانا عن الخدمة، إضافة لتشققات في جدران تسع مستشفيات شمالي إدلب، وتهدم وانهيار في ثلاث مستشفيات أخرى، منها مستشفى الإيمان بسرمدا ومستشفى أريحا الجراحي، كذلك لحقت الأضرار بـ 19 مركزاً صحياً، من تشقق في جدرانها وأضرار في خزانات المياه وشبكات الصرف الصحي.
ونقل الطبيب محمد كتوب، في تقرير يصدره يومياً على صفحته في فيسبوك، “تسبب الزلزال بأضرار في 57 منشأة طبية في الشمال السوري، عاد بعضها للعمل، وما يزال في اليوم التاسع من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شباط الجاري 52 مرفقاً صحياً متضرراً لا يعمل، أغلبها في حارم وعفرين، عدا عن انخفاض في مخزون العديد من المواد الطبية، وانقطاع في التيار الكهربائي”.
تحديات كبيرة يواجهها القطاع الطبي منذ سنوات، منها توقف الدعم أو تقليصه، لكن ومع زيادة الإصابات بسبب الزلزال تضاعف عجز المنشآت الطبية غير القادرة على مواجهة الكارثة، وما نتج عنها من نقص المواد الطبية النادرة لبعض الحالات، إضافة لنقص في الاختصاصات الطبية الدقيقة ونقص في المعدات والكوادر.
يقول الطبيب محمد شريف، المنسق الطبي للمنظمة سوريا للإغاثة والتنمية SRD، “خلال الساعات الأولى بعد الزلزال شهدت المستشفيات صدمة كبيرة، وجائحة من المصابين، سواءً من الإصابات الشديدة أو الخفيفة، وعدداً من حالات الوفيات جراء الزلزال. منذ صباح اليوم الأول كانت أغلب المستشفيات ممتلئة بشكل كامل بالجرحى، معظمها أوقفت الخدمات الباردة واستمرت بإسعاف الحالات الصعبة”.
وأضاف الشريف “القطاع الصحي في الشمال السوري ضعيف بسبب نقص الدعم وكثرة القصف، وأظهر الزلزال الفجوة بين قدرة القطاع وبين حجم الكارثة من نقص في المواد الطبية والكوادر. المستشفيات تواجه نقصاً في الاحتياجات مثل مواد الإسعافات الأولية والأدوية النادرة ونقص في الأسرة وغرف العناية المركزة والجراحات العصبية وأجهزة التنفس ومواد التخدير، إضافة لمحطات توليد الأوكسجين اللازم للمرضى إثر انقطاع الكهرباء في المنطقة واعتماد المشافي على الديزل في تشغيل المولدات”.
وشكّلت المستشفيات والمراكز الصحية هدفاً للقصف الجوي والأرضي من قبل قوات النظام وروسيا، ووثقت منظمات أكثر من أربعمائة استهداف على القطاع الصحي في سوريا، كان آخرها استهداف مستشفى في عفرين في العام الماضي، خرج كثير منها عن الخدمة.
ويكمل الشريف “أعداد المصابين الذين استقبلوا في المستشفيات يفوق بأضعاف كثيرة قدرة القطاع الطبي على الاستيعاب نتيجة ما تحدثنا عنه سابقاً، إضافة لتعرض كوادر طبية أو عائلاتهم للإصابة، وتأثرهم بالزلزال أو تعرض ذويهم للإصابات والوفيات، وخروج بعض المستشفيات عن الخدمة مثل مستشفى الرفاه في جنديرس والذي استبدل بمستشفى ميداني مؤلف من خيم حرصاً على استمرار تقديم الخدمة وإعادة تفعيله بشكل إسعافي ريثما تتم عملية ترميم المستشفى ليكون في الخدمة بشكل كامل بأسرع وقت ممكن”. كما خرج مستشفى سامز للأمومة بالدانا عن الخدمة، بحسب مديرية صحة إدلب.
الطبيب ابراهيم زيدان أخصائي الجراحة العظمية، ويعمل في مستشفى عقربات، وهو مستشفى متخصص بالجراحة العظمية والترميمية في شمال غربي سوريا، يقول “كان الحدث قاسياً على الجميع، الضغط يفوق قدرة المستشفيات، أعداد مضاعفة للمصابين وصلت وجميع الأجنحة في المستشفى ممتلئة، هناك شح بالمعدات في الفترة الأخيرة، خاصة وأن معدات الجراحة العظمية وأجهزة الفحص بالأشعة المقطعية للمصابين وتجهيزاتها مرتفعة الثمن ولا يمكن توفيرها دون دعم المنظمات الدولية”.
أُجّلت الحالات المرضية الباردة وجُدولت مواعيد المرضى لفترات لاحقة بسبب الضغط، أما حوادث السير وإصابات الطلق الناري فكانت المشافي تقوم بالتعامل معها وفق الأولويات، حيث أن الجروح والكسور المفتوحة لا تحتمل التأجيل.
ويضيف الزيدان “الهزات المتكررة لم تثنِ الكوادر الصحية من أطباء أخصائيين وخريجين جدد وممرضين وفنيين عن إكمال عملهم، جميعهم منهمكون بأعداد المصابين وعلاجهم دون الاكتراث لما يحدث خارج النقاط الطبية. معظمهم تخلّوا عن ساعات الراحة والطعام والشراب والنوم، في كل لحظة كنا نسمع صوت سيارات الإسعاف تنقل المزيد من المصابين”.
عشرات الكوادر الصحية تركت عوائلها وتوجهت لإنقاذ المنكوبين، يقول سهيل المحمد ممرض بمنظومة اسعاف، “فور حصول الزلزال ذهبت للمستشفى لمساعدة الكادر رغم انتهاء عقد عملي منذ فترة، تاركاً عائلتي خلفي، لتقديم الرعاية. ليس أنا فحسب، العديد من زملائي كانوا هناك ولم يتأخروا لحظة عن تقديم الخدمة لساعات طويلة. بعض الكوادر اضطرت للبقاء في المستشفيات لساعات عمل مضاعفة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
يؤكد من قابلناهم من الأطباء فقدان وإصابة كوادر طبية في الزلزال، ما زاد من حجم الضغط على المستشفيات، ولا توجد حتى اللحظة إحصائية دقيقة بعدد المفقودين والمصابين من الكوادر الطبية لكن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي نعت العديد منهم.
توقف، نتيجة أعداد المصابين، علاج كثير من الحالات المرضية في المنطقة التي تضم أكثر من خمسة ملايين إنسان، عيادات كثيرة أقفلت وتوجه أطباؤها لمساعدة مصابي الزلزال، سكان كثر لا يملكون ثمن العلاج أو كشفية الأطباء وكانت المراكز والمستشفيات تقدم لهم الخدمة المجانية، لكن من تحدثنا معهم كانوا متفهمين ما يحدث، تقول أم أحمد، نازحة من ريف حماة الشمالي وتسكن في مخيمات سلقين، “حين وصلت بطفلي إلى المستشفى بعد أسبوع من حادث كسرت على إثره إحدى يديه لم نجد من ينظر إلى جباره، كان الجميع مشغولون بالإصابات، أجلوا النظر ليد طفلي إلى الأسبوع القادم، أنا أتفهم ذلك.. نحن في كارثة”.
زاد عدد الأفراد المتضررين من الزلزال، بين إصابات ونزوح، عن ثمانمائة وخمسين ألف شخص، كذلك ترتفع في كل يوم إحصائية الضحايا، والتي تختلف بين ألفين وخمسمائة وأربعة آلاف ضحية، فيما يقدر عدد الإصابات بنحو 12 ألف نسمة، بحسب لجنة الاستجابة الطارئة ووزارة ومديريات الصحة ومنسقو الاستجابة الذين وجهوا نداء عاجلاً لدعم 14 مستشفى، موزعة على 8 مناطق في محافظة إدلب و6 في ريف حلب الشمالي، بالمستهلكات الطبية واللوازم الجراحية ومواد التعقيم وغيرها.