تتضارب المعلومات حول وصول التحويلات المالية وارتفاع أجورها في محافظة إدلب، بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شباط الجاري. وتختلف هذه المعلومات بين أهال في المنطقة رأوا فيما يحدث استغلال لشركات صرافة الأزمة الحاصلة لرفع أجور التحويلات أو الامتناع عن تسليمها بالكامل وتقسيمها إلى دفعات جزئية لا تتجاوز 300 دولار، للاستفادة من أجور التحويل في كل مرة، وصعوبة التحويل وما يترتب على ذلك من مشقة وتكاليف مالية إضافية في ظرف استثنائي، وبين من قلّل من أهمية ما يحدث معتبراً أن الظروف الاستثنائية يعيشها الصرافون أيضاً وما يترتب عليهم أيضاً من زيادة في التكاليف، خاصة شركات الصرافة الصغيرة التي لا تمتلك كتلة مالية تتوافق مع حجم التحويلات المتدفقة نتيجة الاستجابة الطارئة لآثار الزلزال.
وجوه من الاستغلال نقلها أهال في المنطقة لفوكس حلب من قبل شركات الصرافة، إذ اضطر أحمد عبد المجيد، المقيم في ولاية أنقرة التركية الانتظار ليومين لتحويل مبلغ مالي لقريبه في إدلب، نتيجة الازدحام، ودفع مبلغ مضاعف من الأجور المعتادة لمكتب صرافة سوري في المدينة، يقول إنه عادة ما كان يدفع بين 5 إلى 10 دولارات عن كل ألف دولار يرسلها، لكنه وفي هذه الظروف طلب منه صاحب المكتب دفع 25 دولاراً كأجور للتحويل.
لم تنته المشكلة عند دفع أجرة التحويل المضاعفة، يقول، فقد تأخر وصول المبلغ ثلاثة أيام، رغم حاجة قريبه للمال في مثل هذه الظروف، وعند وصوله إلى المكتب في إدلب رفض إعطاءه كامل النقود بحجة عدم توفره، وعرض عليه تسليمه له على أربع دفعات، علماً أن الرجل يسكن في جبل الزاوية وسيضطر لقطع عشرات الكيلومترات ودفع نحو 20 دولار، أجرة سيارة، في كل مرة يريد بها استلام جزء من المبلغ.
سعد، صاحب شركة صرافة في شمالي إدلب، قال إن حوالة مالية من ألف دولار وصلته، وحاول استلامها من ثلاثة مكاتب دون جدوى، ما دفعه لإلغائها!
بين مدينة إدلب وإعزاز، اضطر علي لدفع 75 دولاراً كأجور تحويل عن حوالة قيمتها 1500 دولاراً، يقول إنه وفي الأحوال العادية، قبل الزلزال، لم يكن يدفع بين 10- 15 دولاراً لتحويل المبلغ ذاته.
المنظمات والفرق التطوعية والجمعيات، والتي يقع على عاتقها في الوقت الحالي العبء الأكبر في الاستجابة الطارئة للمدن المنكوبة، هي الأخرى تعيش أزمة وصول الحوالات المالية، وتتفاقم مشاكلها مقارنة بالأهالي نتيجة المبالغ الكبيرة وسعر التصريف.
يقول أحمد، يدير جمعية خيرية في إدلب، إن الحوالات تأخرت عن موعد وصولها، صرافون كثر ليس لديهم السيولة النقدية، خاصة وأن النقود تمر في رحلة من الدول الداعمة إلى تركيا ومنها تحوّل إلى الشمال السوري.
ويشرح أحمد، بالنسبة لجمعيته، تأتي النقود بالدينار الكويتي إلى تركيا، وتحوّل هناك إلى الليرة التركية، ومن ثمّ إلى الشمال السوري، ولم يكن بالاستطاعة استلام مبالغ أكبر من 200 دينار في كل مرة.
أبو حمزة، يدير حملة تطوعية، قال إن الداعمين اضطروا لتقسيم المبلغ إلى مبالغ صغيرة لا تزيد عن 400 دولار وإرسالها إلى مكاتب متفرقة كحل لتلبية الاحتياجات، لكنه لا يعرف أجور التحويل التي دفعت في تركيا. تنفع تلك الطريقة في حال مرونة الداعمين ووجود مكاتب لهم في تركيا، أما في حالة الداعمين الخارجيين فالأمر لا يفلح، نظراً لصعوبة تقسيم المبالغ ودفع أجور عن كل حوالة صغيرة، فكلما ارتفع المبلغ قلّت الأجور، بحسب سعيد، يدير شركة صرافة في إسطنبول، والذي يشرح لنا أن أجور تحويل ألف دولار، هي نفسها أو تزيد بنسبة لا تتجاوز دولارين، وتقل كلما ارتفع المبلغ.
سامر، أحد الناشطين في المجال الإنساني، قال إن التحويلات المالية الأكبر اليوم تكون دون إشعارات عبر المكاتب أما ما يدخل فيما يطلق عليه “البرنامج وهو تطبيق تحويل متعارف عليه بين المكاتب السورية في تركيا والشمال السوري” فشبه متوقف اليوم، وهو ما يفسر ارتفاع أجور التحويلات المالية التي تختلف بين مكتب وآخر، لأنها لا تخضع لـ “البرنامج” الذي يقيد حرية شركات الصرافة ويمنعها من رفع الأجور.
وجوه الاستغلال التي نقلها سكان في الشمال السوري وصفها أصحاب شراكة الصرافة الذين تواصلنا معهم بـ “المبالغة وغير الدقيقة”، يقول سعد إنه ما يزال في شركة الصرافة التي يملكها يسلّم المبالغ التي تصل لأصحابها أيّاً كانت قيمتها، وإنه ما يزال يتقاضى نحو 7 دولارات عن كل ألف دولار يقوم بتحويلها.
المشكلة كانت بكثرة الحوالات المالية القادمة وقلة الكتل المالية لدى كثير من شركات الصرافة، وهو ما دفع شركات كثر لتقسيم المبالغ التي تصل أو حصر استلامها لمبالغ لا تزيد عن 300 دولار، دون أن يلغي وجود بعض شركات الصرافة التي استغلت ما يحدث لرفع الأجور.
يشرح سعد كلامه بمثال، يقول، سابقاً كانت تصل الكتل المالية من تركيا عبر المعابر أو عبر “البرنامج”، لم تكن تزيد تكاليف وصولها عن عشر دولارات لكل 10 آلاف دولار، منذ حدوث الزلزال تضاعفت التكاليف إلى مئة دولار.
يرجع سعد الأسباب لتوقف البرنامج من جهة وصعوبة وصول النقود عبر المعابر، كذلك توقف شركات ptt التركية التي كانت تسلم الكتل المالية لأصحاب شركات الصرافة عبر مكاتبها في عفرين وشمال وشرق حلب.
يميز سعد بين نوعين من الحوالات، عبر البرنامج وخارجه، أي التسليم دون إشعار، يقول إن دخول هذه الحوالات الكبيرة إلى البرنامج مع التكلفة المضاعفة حالياً يعني خسارة أصحاب المكاتب نحو 90دولاراً وهو ما يمنعهم من استلام وتسليم المبالغ الكبيرة أو تقسيمها إلى حوالات أصغر لتغطية الخسارة.
ويقول من تحدثنا معهم من صرافين، إن علينا أن نميز بين صراف قوي وآخر ضعيف، بين من يملكون مكاتب في تركيا وأخرين ليس لديهم، ومع كثرة التحويلات المالية وقعت كثير من المكاتب في عجز تأمين التحويلات وتسليمها لأصحابها، مع وجود أولوية لتسليم المنظمات والجمعيات والفرق الإغاثية باعتبارها الأكثر إلحاحاً في هذه الأوقات.
وتتقاضى شركات الصرافة، بحسب البرنامج، مبالغ محددة على كل حركة تحويل مالية، وكما أسلفنا تنقص كلما زادت هذه المبالغ، أما دون إشعار فتختلف الأسعار بين مكتب وآخر، إذ رصدنا من خلال زيارة خمسة مكاتب فارقاً في أسعار التحويل بين 30 إلى 50 دولار، أي ضعف أو ضعفي التكلفة قبل الزلزال، إذ كانت تتراوح بين 10 إلى 15 دولار.
المؤسسة العامة للنقد في إدلب أصدرت في 11 شباط الماضي تعميماً يقضي بمحاسبة أي مكتب صرافة يرفع أجور تسليم الحوالات، منوعة لأن العقوبة قد تصل حد سحب الترخيص الممنوح للشركة بمزاولة المهنة، وحددت رقماً للشكاوى في حال المخالفة.
يقول محمد صادق، من مكتب العلاقات العامة، إن هناك مشكلة في وصول الكتل المالية، وإن مؤسسة النقد ساعدت “قليلاً” شركات الصرافة بتأمين بعض الكتل المالية لتلبية احتياجات السكان، مؤكداً أن المشكلة ستحل خلال اليومين القادمين. ونوه صادق إلى تقديم الشكاوى بحق أي مخالف، إذ لم ترد أي شكوى حتى الآن إلى المؤسسة.
الصّرافون تحدّثوا عن حلّ للمشكلة أيضاً خلال اليومين القادمين، إذ بدأت بعض القطاعات في تركيا بالتعافي، ومنها مكاتب ptt التي أعادت فتح مكاتبها في قسم من المناطق، كذلك القدرة على التحويل والدخول من المعابر التي ستكون خلال الأيام القادمة.
يقول صاحب شركة الذهبية في ولاية كيليس التركية إن أجور التحويل نقصت بمقدار دولارين اليوم، إذ طلب منا 10 دولارات على تحويل مبلغ ألف دولار إلى إدلب خارج البرنامج، و 15 ليرة تركية عن كل ألف ليرة تركية. كذلك عمدت شركات صرافة في إدلب، خاصة من أصحاب المكاتب القوية، إلى مبادرات بتقديم خدمة التحويل المجانية بين المناطق المنكوبة في الشمال السوري.
الحوالات المالية عصب حياة من يعيش في الشمال السوري، ومعظمهم من الفئات الهشة، وتمثل تكاليف التحويل التي تراوحت خلال الأيام الماضية بين 5 إلى 10٪ رقماً كبيراً يعينهم على الحياة ليوم كامل، وتوقف هذه الحوالات أو ارتفاع أجورها يؤثر على عمل مئات من المنظمات والفرق التطوعية التي تحاول الاستجابة، قدر استطاعتها، في مثل هذه الظروف، ليبقى الأمر معلقاً ليس بين الاستغلال والحق، بل في كيفية المساعدة والتعاون في كارثة تركت آثارها على مختلف جوانب الحياة.