سقط خبر مقتل عائلة يحيى بالكامل كالصاعقة على رأس الشاب الذي انتشلته فرق الإنقاذ ونقلته إلى المستشفى، حيث أجريت له عملية في الحوض وعظم الفخذ، إثر تعرضه للإصابة نتيجة الزلزال الذي ضرب تركيا ومناطق واسعة في سوريا.
يروي لنا يحيى، أحد أبناء حي الحلوانية في مدينة حلب “طلب والدي من جميع العائلة الالتزام بزاوية من زوايا الغرفة ريثما يهدأ الزلزال، وهبط سلم البناء لإخراج سيارته السوزوكي من محل مجاور للبيت، لكن وبعد مدة لم تتجاوز ثلاث ثوان شعرنا بأنفسنا نهوي إلى الأسفل وسمعنا دوياً هائلاً في المكان”.
انتشلت جثة والد يحيى دون رأس، يقول الشاب وهو يجهش بالبكاء على من فقدهم من عائلته التي انتشلت على مراحل متفرقة بعد يومين من سقوط المبنى الذي يسكنونه.
وقد بلغ عدد ضحايا الزلزال حتى ساعة إعداد هذا التقرير، 364 شخصاً، إضافة إلى 700 مصابٍ، إصابة 20% منهم بليغة، كما انتشلت فرق الإنقاذ 92 شخصاً على قيد الحياة.
وبلغت شدة الزلزال الذي ضرب مدينة حلب 7.6 درجة على مقياس “ريختر” وبعمق 2 كم، تلاه 300 هزة ارتدادية خلال 48 ساعة، بحسب المركز الوطني للزلازل في سوريا.
وحسب إحصاءات مجلس مدينة حلب، فقد بلغ عدد المباني المدمرة بشكل كامل 54 مبنىً، إضافة لأكثر من 50 مبنى آيلٍ للسقوط، هدم أغلبها في كل من أحياء الصالحين والسكري والفردوس والشعار والميسر وبستان الباشا والحلوانية، وقد ذكر نائب رئيس المكتب التنفيذي في محافظة حلب كميت عاصي الشيخ بأن أربعة مبان متبقية، ستهدم خلال الساعات القادمة.
سقطت المباني في مدينة حلب على ثلاثة مراحل، أولها خلال اللحظات الأولى من الزلزال الذي ضرب المنطقة فجر السادس من شباط الحالي، نحو الساعة 4:17 دقيقة. بينما سقطت مبانٍ أخرى في اليوم التالي نحو الساعة 12:26 دقيقة، قبل أن تخلي هيئة السلامة المشكلة مبانٍ متصدعة وتقوم بهدمها.
ولم يسمح للأهالي بنقل ممتلكات منازلهم قبل هدمها من قبل المؤسسات المعنية، يقول وليد صاحب محل لبيع البن مقابل في حي الشعار: “بُلغت بأن مجلس مدينة حلب ينوي هدم البناء الذي يحتوي محلي بعد إخلائه من جميع السكان، لكنهم منعونا من إخراج ما يمكن حمله من البيوت والمحال، لقد خسرنا كل شيء..كل شيء والآن نبيت في المساجد”.
تحت الأنقاض
” لحقونا..عطشنا وجعنا وفي إصابات” هذا ماقاله شاب وهو يتحدث من قبو تحت الأنقاض في حي المشارقة، قبل أن ينقطع الاتصال به نهائياً صباح يوم أمس، بعد ثلاثة أيام أمضاها في انتظار إنقاذه، بحسب روايات شهود في المكان.
يصف من تحدثنا معهم من سكان وأشخاص ساهموا في عمليات إنقاذ العالقين، الاستجابة بـ “الضعيفة”، وسط نقص في الآليات والأدوات اللازمة لانتشال المصابين الذين قضوا في المكان رغم وجود أدلة على حياتهم بعد ساعات من وقوع الزلزال.
ويتساءل سكان في المنطقة وأهالٍ لضحايا عن سبب البطء رغم قلة عدد المباني التي تهدمت مقارنة بمناطق أخرى، خاصة وأن فرقاً تشكلت للإنقاذ من الهلال الأحمر السوري وفوج الإطفاء ومتطوعين، إضافة لفرق الحماية المدنية الجزائرية والهلال الأحمر التونسي التي وصلت للمساعدة، جميعهم لم يتمكنوا من انتشال سوى ثمان جثث من تحت أنقاض البناءين اللذين انهارا في حي المشارقة مقابل مفرق كراج الحجز في بستان القصر.
ساعدتنا الظروف بالاقتراب والتحدث مع أحد المسعفين الجزائريين الذي قال: “أتينا إلى سوريا من أجل المساعدة في إنقاذ الناس من تحت الأنقاض”، وعندما أخبرناه بأن ماينقصنا ليس العنصر البشري بل المعدات والوسائل والتقنيات أخبرنا:” أحضرنا كلاباً بوليسية تكشف أماكن وجود العالقين، إضافة لأجهزة عالية الكفاءة لرصد الذبذبات والأصوات، ومشعرات حرارية متطورة”.
خلال جولتنا في أرجاء المدينة وجدنا أن احتمال وجود ناجين في حي المشارقة والبناءين الآخرين في شارع “مامو” في حي الشعار أصبح ضئيلاً رغم الفرق الموجودة في المكان.
شائعات الزلزال
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات بأخبار تتحدث عن وقوع زلزال أكبر وأشد في اليومين التاليين للزلزال، وحددت هذه الصفحات أوقاتاً مختلفة لوقوعه، ما أثار الرعب في نفوس الأهالي و اضطرهم للمبيت في الحدائق وتحت الجسور والمساجد والكنائس والصالات والطرق الرئيسية البعيدة عن الأبنية، مثل المحلق الشمالي و اوتستراد الحمدانية وطريق المطار.
يقول أبو أحمد الذي بنى لعائلته خيمة على اوتوستراد المطار “أمضيت وعائلتي الليلة الأولى للزلزال في السيارة، حتى صباح اليوم التالي، لكن الزلزال الذي حدث ظهراً دفعني لتحضير كل ما يلزم للمبيت في العراء، من غاز سفاري وحطب وأغطية وألبسة وبطانيات”.
إلى جوار أبي أحمد جلست عائلة مكونة من رجل وامرأة وخمسة أطفال على الرصيف، أخبرنا الرجل أنه “خرج بثيابه قبل أن ينهار المبنى الذي يسكنه فوق مخبز النقار في كرم الجبل”، ومنذ ذلك الوقت وهو يسكن هذا الرصيف.
“أسعفنا الحظ” يكمل، “ثوان قليلة فصلتني عن الموت وعائلتي بعد انهيار المبنى. هناك عائلة بأكملها من آل عشمان لقيت مصرعها في المكان، إضافة لأشخاص آخرين من المبنى”.
يخاف الرجل السكن في بناء طابقي خلال الأيام القادمة ريثما “تهدأ الأرض”، على حد وصفه، خاصة وأنه يسمع في كل يوم وعلى صفحات كثيرة أنباء عن هزات أكثر شدة، وعن تسونامي سيأتي من البحر، وعن انهيار كبير سيحدث، شأنه بذلك شأن كثر من الذين فقدوا الثقة بالأخبار المطمئنة عن عدم صحة هذه الشائعات، يقول أبو أحمد “الشائعات وكلام الناس المتضارب جعلت قناعاتنا تهتز، سنصبر يومين أو ثلاثة حتى ينتهي الأمر”.
مبادرات أهلية ولصوص
أعلنت محافظة حلب عن وجود أكثر من 170 مركز إيواء توزعت بين المساجد والكنائس والصالات والأسواق المغلقة والصالات العامة والخاصة، وعن تأسيس أكثر من 15 لجنة هندسية للكشف عن الأبنية المتضررة وأهليتها لعودة الأهالي إلى مساكنهم.
لكن معظم سكان المناطق الشرقية وجدوا في مدينة هنانو شرقي حلب ملاذاً أكثر أمنا لهم من الزلزال، وخاصة لمعرفتهم بأن منازلهم لن تصمد أمام اهتزازات كبيرة، بسبب القصف الذي طالها خلال سنوات الحرب.
يقول ماهر، فقد منزله في حي الصاخور إثر الزلزال، “المساجد أكثر الأماكن الآمنة، بناؤها مدعم وليست طابقية، أحضرت ما يلزم من أغطية ولباس لي ولعائلتي، ننام في المسجد، وفي ساعات النهار نخرج إلى الحدائق أو إلى اوتوستراد المطار، إذ يقدم أشخاص ومنظمات الطعام و الشراب، أحياناً يقدمون مبالغ مالية قليلة تكفي لشراء ما يكفي من الطعام”.
تحدث ماهر وأبو وحيد وأبو علي عن سرقات تحدث في المدينة للمساعدات المقدمة، قسم منهم يرجع ذلك لظروف الحياة في المدينة التي يعيش قسم كبير من سكانها تحت خط الفقر، نظراً لارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل، إذ يلجأ قسم كبير من السكان، غير المتضررين من الزلزال إلى أماكن التجمع والإيواء للحصول على مساعدات تعينهم على الحياة.
ليس هذا ما يزعج ما تحدثنا معهم، لكن وجود سرقات من قبل متنفذين ومسؤولين في المدارس والمساجد التي فتحت لإيواء المتضررين هي ما يزعجهم،
وكان بعض الأهالي الميسورين قد استغل مايحدث حيث يجلسون مع عائلاتهم على الأرصفة في الشوارع الرئيسية وبحالة مزرية حتى يحصلوا على معونة غذائية أو لباس أو غطاء.
يقول أبو علي، نازح في إحدى المدارس في شارع المواصلات بحي الشعار: “في كل صباح يسجل المدير أسماءنا وعدد أفراد عائلاتنا وما نحتاجه ولانحصل إلا على الفتات، فأنا لدي طفلة رضيعة، وهم يطلبون مني أن أحضر الطفلة مع (الببرونة) إلى غرفة الإدارة ليضعوا لي فيها ملعقتي حليب عند كل وجبة إرضاع”.
ويتساءل علي وهو نازح في جامع الفاروق في مدينة هنانو: “علمنا أن الكثير من الدول والجهات والفنانين ولاعبي كرة القدم قد أرسلوا الكثير من الأموال، ولكننا لم نر شيئا”
وكانت العديد من الدول قد أرسلت مساعدات إلى سوريا بعد الزلزال، منها باكستان والهند والصين والجزائر وليبيا والإمارات وتونس وإيران وروسيا ودول أخرى، بالإضافة إلى فرق إنقاذ وحماية مدنية وآليات كالجزائر وتونس وروسيا وإيران.
لكن من تحدثنا معهم أكدوا أن ما حصلوا عليه لم يكن سوى من مبادرات فردية محلية لأشخاص من “أهل الخير” كما وصفوهم، أو جمعيات محلية، لم يكن هناك مياه معدنية أو معلبات أو أغطية أو ملابس تشبه تلك التي رؤوها على شاشات التلفاز، والتي قدمت لهم من دول عديدة، معظم الملابس كانت مستعملة، أما الطعام فكان عبارة عن وجبات غذائية أو سندويش، بينما غابت المساعدات المالية من قبل أي جهة حكومية حتى الآن.
لم تنته آثار الزلزال، ولا يعتقد السكان بأن آثاره النفسية والاقتصادية ستزول بانتهاء الهزات الارتدادية، في ظل الفساد وانهيار القدرة الشرائية والهبوط الحاد لليرة السورية، والأهم من ذلك غياب المؤسسات الحكومية بمختلف قطاعاتها عن التواصل وتقدير احتياجات السكن وبناء الثقة، حتى وإن كان على صعيد خبر موثوق يعيد السكان إلى منازلهم التي نزحوا منها.