توقفت الاعتصامات وإضرابات المعلمين في أرياف حلب الشمالية والشرقية (المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني المدعوم تركياً)، بعد تعليقها من قبل نقابة المعلمين، دون تحقيق أي من المطالب التي رفعها المحتجون، والتي تأتي في مقدمتها تحسين الرواتب والأجور للمعلمين، والعمل على تطوير العملية التعليمية في المدارس بشكل كامل.
تسببت الاحتجاجات بتعطيل العملية التعليمية، وتبادل الطرفان، المعلمون ونقابتهم من جهة ومديريات التربية ومشرفوها المنتدبون من الحكومة التركية، تحميل مسؤولية ما يحدث من خلل تعليمي، إضافة لشرعية وجود كل جهة منهما، وفصلت الأخيرة مستغلة توقف الاحتجاجات عدداً من المعلمين، دون قدرة النقابة على حمايتهم أو تلبية مطالبهم.
وتنوعت وسائل مواجهة الاحتجاجات الحاصلة بين التهديد بالفصل أو إزالة الاعتصامات بالقوة، كما حدث لآخر خيمة إضراب أقيمت أمام مديرية التربية في مدينة الباب شرقي حلب، إذ أزالت الشرطة المدنية في الباب الخيمة بالقوة بعد 24 ساعة على إقامتها.
أطلق المحتجون على الخيمة تسمية “خيمة عزاء التعليم” في إشارة رمزية لموت المرحلة التعليمية، بعد سنتين من الاحتجاجات المطالبة بحقوق المعلمين وتحسين العملية التعليمية، والتي لم تجد آذاناً تصغي وضربت بمطالبهم عرض الحائط.
تفعيل نقابة المعلمين في حلب وريفها.. عفرين خارج النقابة
أعادت إضرابات المعلمين في مناطق النفوذ التركي تشكيل فرع نقابة المعلمين السوريين الأحرار في حلب. التحقت، بانضمام شعبة الغندورة أخيراً إلى النقابة، عشر شعب نقابية (إعزاز وريفها- مخيمات إعزاز-صوران -مارع- أخترين -الباب وريفها -قباسين -بزاعة -جرابلس، الغندورة).
فرع نقابة المعلمين السوريين الأحرار في حلب هو الفرع الوحيد العامل حالياً من أصل 11 فرع محافظة شكلت نقابة المعلمين الأحرار في سوريا مطلع عام 2015، تحت مظلة الاتحاد العام للنقابات المهنية الحرة، بحسب نور الدين عليان نقيب معلمي ريف دمشق سابقاً.
توقف عمل النقابة، وبفترات متقطعة، لأسباب كثيرة، منها انحسار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري والأوضاع الأمنية السيئة وحملات النزوح والتهجير المتتالية، بحسب محمد الحميدي، نقيب المعلمين السوريين الأحرار-فرع حلب.
يضيف الحميدي أن توقف نقابة حلب عن العمل نهائياً، جاء بعد سيطرة فصائل الجيش الوطني بدعم تركي على شمال وشرقي حلب، وحل المؤسسات المدنية وإخضاعها للإشراف التركي. ولم تفلح محاولات إعادة تفعليها التي بدأت مع مجموعة من المعلمين، منذ عام 2018، إذ تم إجبارهم على توقيع تعهدات وفصل عدد منهم من التعليم أو نقلهم إلى مدارس بعيدة عن مناطق سكنهم، كعقوبة على دعواتهم بتفعيل النقابة.
لا تشمل النقابة الجديدة شعبة في مناطق عفرين المقسمة إلى خمس مديريات للتربية في كل من (عفرين -جنديرس -معبطلي -الشيخ حديد -راجو)، بعد فشل المعلمين في إنشاء شعب لهم داخل هذه المناطق وضعف مشاركتهم في احتجاجات المعلمين، وقلة أعداد من التزم منهم بالإضراب في العام الماضي.
يقول أبو عمر، اسم مستعار لمدرس يعمل في جنديرس وكان ممن حاولوا تشكيل شعبة للنقابة فيها إن سبب عدم التمكن من إنشاء شعبة نقابية في عفرين، يعود لانقسام المعلمين بين مقيمين ومهجرين، ورفض المنسق التركي في مديرية التربية ومنعه لتشكيل النقابة بشتى الطرق، باعتبار تشكيلها خطوة سياسية، ما جعل المعلمين من أبناء عفرين يخشون من توجيه تهمة سياسية لهم.
ويتابع أبو عمر: عدم امتلاك نسبة، لا بأس بها، من المعلمين مؤهلات علمية مناسبة جعلتهم يبتعدون عن حراك المعلمين أيضاً، خشية فقدان وظائفهم، إضافة لجملة الوعود التي قدمتها مديرية التربية لتحسين واقع المعلمين، دون تنفيذ أي منها، ما تسبب بإحداث شرخ بين المعلمين في المنطقة من مؤيدين ورافضين للاحتجاجات.
نقابة المعلمين في الداخل السوري غير شرعية بقرار تركي
تظهر تبعية العملية في مناطق النفوذ التركي إلى مديريات التربية التركية بشكل كامل منذ سيطرة الأخيرة على المنطقة، وعين لذلك مشرفون ومندوبون من قبل الحكومة التركية يعود لهم اتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها، وتكتفي مديريات التربية والحكومة المؤقتة بوجود شكلي.
يقول الحميدي إن معلمين ممثلين للعملية التعليمية في حلب اجتمعوا مع نائب وزير التربية التركية ناصيف أولماز لمناقشة وضع المعلمين والعملية التعليمية في مناطق الإشراف التركي، لكنه تهرب من الإجابة على أي أسئلة، باعتبار أن وزارة التربية والتعليم التركية ليست مسؤولة عن العملية التعليمية في مناطق إشرافها، إنما ترتبط بقرار سيادي من السلطة السياسية في أنقرة دون تحديد جهة معينة بذاتها.
وتحدث الحميدي عن اجتماع ضم مجموعة من مدراء المدارس في مخيمات إعزاز بمنسق التعليم من قبل الجانب التركي مصطفى كوجك، لمحاولة ايجاد آلية لإنهاء إضراب المعلمين، وعندما أخبره مدراء المدارس أن ذلك بيد النقابة ويجب أن يتواصل معها لإنهاء الإضراب، أجابهم كوجك ” أنا لا أعترف بالنقابة ولا يمكن الجلوس معها”.
يتعارض كلام كوجك بعدم الاعتراف بنقابة المعلمين الأحرار من قبل السلطات التركية العاملة في الشمال السوري أو من المجالس المحلية ومديريات التربية في المنطقة، مع الفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم رقم 31 الصادر عام 1964، والذي ينص على حق جميع العاملين في أي مهنة تشكيل نقابة خاصة بهم أو الانتساب لنقابة مشكلة، و يمنحها القانون الشخصية الاعتبارية في سبيل تحقيق أهدافها ومصالحها.
بموجب القانون ذاته فإن الجهة المخولة بالاعتراض على تشكيل نقابة مهنية ما، هي وزارة العمل، ولا وجود لتلك الوزارة في الحكومة السورية المؤقتة التي يغيب دورها عن الملف التعليمي في المنطقة، سوى بوجود اسمها على أغلفة الكتب الدراسية، دون وجود أي دور يذكر لها حتى في إصدار شهادتي التعليم الإعدادي والثانوي التي تحولت إلى مهمة يقوم بها المجلس المحلي التابع للوالي المعين من قبل الولاية الحدودية التركية المتاخمة له جغرافياً.
ويضيف حميدي إن المحاكم القائمة في مناطق النفوذ التركي ترفض قبول الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل النقابة، نتيجة لدعوى عدم الاعتراف، رغم ما يضمنه قانون التنظيم النقابي في المادة 18 للنقابات من “حق التقاضي أمام الجهات ذات الاختصاص القضائي بالنسبة لمصالحها، وبالنسبة للمصالح الفردية أو الجماعية لأعضائها أو لجميع العمال من ممارسي المهنة التي تمثلها وذلك في القضايا الناجمة عن علاقات العمل”.
هذا الرفض لشرعية نقابة المعلمين والمستند إلى قرار تركي، قابله اعتراف من قبل المجتمعين في “المؤتمر الوطني الأول للتعليم ما قبل الجامعي في المناطق المحررة” والذي عقد على مدرج جامعة حلب الحرة، بدعوة من جامعة حلب وعدد من النقابات المهنية للوقوف على واقع التعليم في المناطق المحررة، بنقابة المعلمين السوريين الأحرار كممثل شرعي ووحيد للمعلمين، إضافة إلى إنشاء لجنة عمل لمتابعة قضية التعليم مكونة من ممثلين عن عدد من النقابات المهنية و وقف الديانة التركي والحكومة السورية المؤقتة والمجلس الإسلامي السوري، وتقرر خلال المؤتمر تشكيل صندوق لدعم المعلمين، إلا أن الأوضاع الأمنية الأخيرة تسببت في تأخير هذا الأمر، بحسب الحميدي.
النقابة شكلت والمطالب لم تتحقق
استغلت بعض مديريات التربية تعليق إضراب المعلمين بتاريخ 17-10-2022، بعد نحو شهر من إعلانه، لتعلن فصل عشرات المعلمين بسبب تقديم استقالتهم أو الانقطاع عن الدوام، في خطوة عدها كثير ممن التقيناهم من معلمين محاولة لإظهار تأثير ودور هذه المديريات وتطبيق قراراتها متجاهلة مطالب المعلمين.
يقول محمد حميدي، نقيب المعلمين السوريين الأحرار-فرع حلب، إن النقابة حاولت وقف نزيف المعلمين وتأخير تقديم استقالتهم على أمل تحسين ظروفهم ما يضمن عودتهم للتعليم، وبتعليق الإضراب قامت التربية بإعلان فصلهم نتيجة عدم تقديمهم لأوراق استقالتهم!.
ويتقاضى المعلمون في مناطق النفوذ التركي (1100) ليرة تركية شهرياً، وهو ما يقل عن 60 دولاراً، بحسب سعر الصرف الحالي، ما يصنف الكوادر التعليمية تحت خط الفقر، إذ يعجز المعلمون بما يتقاضونه عن تأمين إيجار منزل في مختلف المناطق التي يسكنونها. وسعت مجالس محلية وإدارات محلية لإيجاد حلول لدعم العملية المحلية، لكنها قوبلت بالرفض من قبل النقابة.
ويقول الحميدي إن المجلس المحلي في مدينة الباب اقترح زيادة سعر ربطة الخبز لدعم المعلمين، ما تسبب بردة فعل شعبية غاضبة، نتيجة سوء الوضع المعيشي الذي لا يحتمل أي زيادة في أسعار أي مادة.وطالبت ثانوية البنات في مدينة اعزاز الطالبات بدفع 100 ليرة تركية في الفصل، كنوع من الدعم للمعلمين في المدرسة. رفضت النقابة كلا الحلين، ووصف الحميدي هذه الحلول بـ “غير المنطقية”، وأن النقابة “لا يمكن لها القبول بحل يكون على حساب لقمة عيش الأهالي”.
الاحتجاجات وأثرها على العملية التعليمية
حمل سكان، في مناطق النفوذ التركي، المعلمين مسؤولية توقف العملية التعليمية، واتهموهم بالسعي وراء النفع المادي على حساب مستقبل أبنائهم، كذلك أصدرت المجالس المحلية عدة بيانات في هذا السياق، وأطلق “تجمع أهالي ووجهاء إعزاز الكرام” بياناً يفوضون فيه المجلس المحلي بإجراء التدابير اللازمة كافة من أجل افتتاح المدارس.
بالمقابل وقفت تجمعات وحركات مدنية إلى جانب المعلمين وحراكهم، وأعلن ” المكتب الإعلامي لتجمع شباب إعزاز الثوري” رفضه بيان الوجهاء ووصفه بأنه “لا يعبر عن رأي أهالي اعزاز”.
يقول صافي خليل، مدرس في مدينة إعزاز، إن هناك صراعاً بين المعلمين ونقابتهم من جهة ومديريات التربية والمجالس المحلية من جهة ثانية، وإن هناك تجييشاً للرأي العام يحصل في سبيل كسب تأييد الحاضنة الشعبية.
ويضيف الخليل “المعلمون ليسوا المتضرر الوحيد من وضع التعليم بل الأهالي وطلابهم هم الأكثر ضرراً، إذ أن كثيراً من المعلمين تركوا مدارسهم وقدموا استقالتهم، وبلغ العدد في إعزاز أكثر من 100 مدرس بعد فك الإضراب، ما أفقد التعليم ركيزته الأساسية”.
“الإضراب عرض لمرض” هذا ما قاله الحميدي في معرض إجابته لفوكس حلب عن انتقاد الأهالي للمعلمين، داعياِ الأهالي “للبحث عن حل للمرض الأساسي”.
ويتابع الحميدي: كثير من الأهالي لا يعلم أن من نجح في الثانوية العامة، العام الفائت، هم فقط 600 طالب من أصل 16 ألف طالباً، وأن عدد الناجحين في مديرية تربية أخترين بلغ فقط 12 طالباً، ولا يعلم الأهالي أن نسبة الأمية داخل المدارس تبلغ نحو 60%، وأن نسبة من لم يلتحق بالمدارس ممن هم في عمر الدراسة في إعزاز نحو 50%.
واستدرك الحميدي: كل ذلك كان قبل الإضراب، إضافة إلى عدم قبول أي اعتراض على نتائج الثانوية العامة وإصدار تعليمات الرسوب والنجاح بعد صدور النتائج متسائلاً إن كان ذلك منطقياً على حد وصفه؟ المشكلة، بحسب الحميدي، تكمن في إدارة الملف التعليمي، وغياب السعي لتحسينه، مع غياب جهة واضحة ومحددة مسؤولة عن ملف التعليم في المنطقة.
لم تحقق نقابة المعلمين، بحسب قسم ممن تحدثنا معهم، أي نجاحات لدعم المعلمين والعملية التعليمية ككل، ويغيب أفق التعاون بينها وبين مديريات التربية، بينما تستلم الحكومة التركية دفة التعليم في المنطقة متشبثة بقراراتها غير آبهة بمعيشة آلاف المعلمين، وما سيتركه هذا الخلاف على العملية التعليمية “الهشة” في الأصل، باعتبار أن من يعيش في هذه المناطق “أبناؤنا نحن لا أبناءهم” ما يستدعي حلولاً سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.