“ضع مئتين وستة عشر دولاراً، وخلال أيام سوف تحصل عليها” عبارة من جملة عبارات ترويجية يستخدمها الشاب محمد، من ريف إدلب الجنوبي، لإقناع أصدقائه بالعمل على برنامج “star like”، أحد برامج التسويق الإلكتروني التي ما لبثت أن أغلقت؛ وتسبب بخسارة مستخدميها المبالغ التي دفعوها في الموقع أملاً بجني الأرباح.
تطبيقات كثيرة انتشرت في الآونة الأخيرة، حملت آملاً لشبان كثر بتحقيق دخل إضافي بمجرد الاشتراك فيها. هذا الاشتراك فيها المقرون بالخوف من توقفها عن العمل، ووقوعهم ضحية للنصب، نتيجة لمصدرها المجهول، أو إفلاسها؛ في حال كانت تعتمد على العملات الرقمية.
برامج كثيرة اشتهرت في الآونة الأخيرة بصفتها مواقع للنصب الإلكتروني مثل: “Ai marketing” و “Motor money” و”Fruit money” و” star like” و”Gocial”، والقائمة تطول . وقع الكثير من مستخدمي هذه المواقع ضحية للنصب بعد رصدهم مبالغ مالية فيها بهدف كسب الربح.
ستار لايك .. الإغراء بأموال طائلة واختفاء سريع
تختلف عمليات النصب عبر تلك المواقع؛ قسم منها اتبع سياسة الإغراء الكبير والنصب السريع وأغلق بعد فترة قصيرة من الزمن، وهذا ما حدث مع موقع “star like” الذي اتبع سياسة إغراء سريعة بالنسبة لمستخدميه، من خلال تأدية مهام بسيطة قد لا تستغرق دقائق، مثل مشاهدة فيديو منشور على الصفحة أو وضع إشارة إعجاب به.
يعمل الموقع وفق سبعة مستويات تبدأ من الرقم صفر (vip0) حتى الستة (vip6) ورغم أن المهام المطلوبة في جميع المستويات قد لا تستغرق دقائق لتنفيذها، إلا أن الربح يختلف من مستوى لآخر، ويعود ذلك تبعاً للمبلغ المرصود في كل مستوى.
في المستوى vip0 يمنح البرنامج 1.4 دولار بشكل يومي مقابل تأدية مهام قد تكون مشاهدة فيديو أو الإعجاب به، ولا يمكن للمستخدم سحب المبلغ حتى وصوله للمستوى الأول vip1، وهنا تبدأ عملية التلاعب، إذ يطلب من المستخدم دفع 216 دولار، وبالتالي حصوله على 4 دولار بشكل يومي مقابل تأدية أربع مهام، مع العلم أن كل مستوى يريد المستخدم الوصول إليه يجب عليه تفعيل ما سبقه من مستويات.
في مرحلة متقدمة تختار إدارة الموقع عرضاً لمستخدميها للوصول إلى المستوى المنشود، من خلال إطلاق رابط دعوة خاص بالبرنامج، دون اللجوء إلى عملية الشحن، ومن خلال دعوة أربعين مشتركاً إلى الموقع وضمان تنفيذهم للمهام اليومية، وهو ما تسبب بانتشار الموقع بين الأهالي بكثرة، لكن العرض توقف قبل انتهائه بيومين، ما أجبر المشتركين لدفع المبلغ “كاش”، ليتمكنوا من سحب المبالغ التي جمعوها خلال عملهم السابق.
محمد الشيخ (31عاما)، مهجر من ريف إدلب الجنوبي، كان أحد ضحايا التطبيق، إذ وصل رصيده لـ115 دولار، لكن مستوى حسابه لم يمكنه من سحب الأموال لحين حصوله على المستوى الأول، وهو ما دفعه لدخول عرض الشركة، وإرسال التطبيق إلى أربعين شخصاً، كي يستطيع الدخول عن طريقه والحصول على المستوى المنشود وإعفائه من عملية الدفع، لكن حتى هذا العرض توقف، حسب ما رواه لنا.
يقول الشيخ: “اضطررت لدفع المبلغ “كاش”، عبر تحويله من قبل أحد المعتمدين، ولكي أستطيع سحب ما جمعته خلال عملي، لكني تفاجأت في اليوم التالي باختفاء التطبيق وخسارة رصيدي السابق وقيمة المبلغ الذي رصدته مؤخراً على ذلك التطبيق”.
قبل إغلاق موقع “ستار لايك، أجرى إياد قنديل، مهندس معلوماتية وأحد متتبعي تلك البرامج، عملية بحث عنه عبر موقع، “SCAMADVISER“، وهو أحد المواقع المخصصة لفحص المواقع وإعطاء معلومات عنها، صدرت نتائج البحث كالتالي “منحنا ستار لايك درجة ثقة منخفضة”.
يقول القنديل لفوكس حلب: “نتائج البحث وقتها أوضحت أن الموقع احتيالي، إذ وجدنا العديد من المؤشرات السلبية لـ “starlike.cc”، وعن طريق التحقق من 40 نقطة بيانات مختلفة؛ مثل موقع الخادم والتقييمات المقدمة على المواقع الأخرى، وتقارير البرامج الضارة، وشفرة المصدر المستخدمة، واستناداً إلى تحليلنا؛ أعطينا هذا الموقع درجة ثقة منخفضة، نظراً لأن الفحص يتم يدوياً ولا توجد فيه خوارزمية مثالية”.
مواقع العملات الرقمية
غالباً ما تعمل المواقع السابقة وأشباهها لوقت قصير وتكون عمليات النصب فيها محدودة، مقارنة مع غيرها من المواقع التي تعتمد على توقيع المستخدم، وتطمينه على المدى الطويل، مثل برامج العملات الرقمية، وهي مجموعة من العملات المشفرة تعمل وفق نظام البورصة ارتفاعاً أوهبوطاً، هذه أيضاً مُنِيَ روادها حول العالم، قبل أشهر، بخسائر تقدر بملايين الدولارات نتيجة التحكم بأسعارها.
وفي الشمال السوري يثق كثر من الأهالي في العملة المشفرة “البتكوين“، أكثر من غيرها، لأنها الأقدم في السوق، إذ بدأ العمل فيها منذ عام 2009، ويجري تداولها على أكثر من منصة، ويعتمد العمل فيها من خلال إيداع مبلغ مالي في حساب المستخدم، عن طريق شحنه من قبل أحد المكاتب المخصصة في الشمال السوري.
إياد الخطيب، مهجر من ريف حمص، يعمل في مجال البناء نهاراً، وعلى تلك التطبيقات ليلاً، أملا في تحسين وضعه المادي، يروي لفوكس حلب، أنه انضم قبل عام للعمل في الموقع، من خلال الاشتراك بـ 500 دولار، وعمد إلى إضافة الأرباح إلى المبلغ الرئيسي، بهدف تضخيم رأس المال، للحصول على أرباح مضاعفة، حتى وصل رصيده إلى 1500 دولار.
يقول الخطيب: “استثمرت المبلغ على عملة “luna”، والتي تعتبر من أقوى العملات في الموقع، من خلال شراء القطع والتي يبلغ سعر الواحدة منها 120 دولاراً، أملاً في ارتفاع سعرها وتحقيق المزيد من الربح، لأفاجأ بهبوطها إلى واحد سنت للقطعة الواحدة، وبذلك خسرت معها جميع أموالي التي رصدتها على الموقع”.
وأضاف: “لم يقتصر الأمر على عملة “luna” إذ انخفض سعر قطعة البتكوين الذي تتبع له تلك المنصات بشكل عام من 58 ألف دولار وحتى 18 ألف دولار للقطعة الواحدة وهو ما أفقد المستخدمين ثلثي أرباحهم”.
تجميد الأموال ومنع المستخدمين من سحبها
الوسيلة الأكثر شيوعاً في عمليات النصب التي تتعامل بها تلك المواقع، هي تجميد المبلغ وعدم القدرة على سحبه، إذ أن غالبية تلك المواقع تعتمد مجموعة من المحافظ التي يستطيع من خلالها المستخدم نقل رصيده لها تمهيداً لسحبها، لكن غالبية تلك المحافظ تعتبر وهمية أو غير آمنة، كما يوجد بعض المحافظ الآمنة وبمجرد توفرها على الموقع فإن ذلك كفيل لكسب تلك المواقع ثقة المستخدمين والاشتراك بها.
في العام الماضي كانت الشهرة من نصيب موقع “Ai.markiting” الذي أتاح لمستخدميه مجموعة من المحافظ الآمنة والمعتمدة، والتي تتيح لهم سحب رصيدهم المرهون عبر الموقع في أي وقت كـ “Payeer ،Paypal ،Visacard ،Bitcoin”.
يعتمد الموقع على الربح عن طريق استثمار مبلغ مالي ومنح المستثمر ربح معين، ويقود عملية البيع (بوت) برمجي يتولى تفاصيل عمليات البيع.
سرَّعت المبالغ الهائلة والأرباح المغرية من انتشار الموقع، والذي قدم نفسه على أنه موقع تسويقي معتمد يقوم ببيع بضائع لمئات الشركات عبر العالم، والتي تمنح المستثمر ومدير الموقع أرباحاً من هذه البضائع بنسبة تتراوح ما بين 25% و 35%، تزيد تلك القيمة وتنقص بحسب الرصيد المالي الذي يشحن إلى الحساب الشخصي للمستخدم.
أموال طائلة رصدت على “Ai.markiting” انتهت بإيقاف عملية السحب عبر حيلة من الموقع، بحجة صيانة وتحديث بيانات التعامل مع شركات أخرى، فوجئ المستخدمون بعدها بإيقاف تعامل الموقع بالمحافظ المعتمدة، ليحرم غالبية مستخدميه من سحب أرصدتهم، وتبقى أموالهم معلقة بعد اعتماد محافظ وهمية بديلة؛ أفقدتهم أموالهم المرصودة عبر الموقع.
أما موقع “Soh uye degisim” فيعتمد على الترويج لمجموعة منتجات ألبسة، يطرحها البرنامج لمستخدميه، وينبغي على المشترك الإعجاب بتلك المنتجات بعد رصد مبالغ مالية تبدأ من 60 دولار وصاعداً، وتختلف قيمة الأرباح التي يقدمها البرنامج من مستخدم لآخر، تبعاً لقيمة المبلغ المرصود.
لم يمضي على انطلاقة البرنامج أكثر من شهر، حتى بدأ مستخدموه الجدد بالترويج له، إذ منحهم البرنامج امتيازات برفع قيمة أرباحهم مقابل كل شخص يقوم بالدخول إلى البرنامج عن طريقهم.
رَصدَ إيهاب ياسين، المقيم في بلدة الدانا، 120 دولاراً على ذلك الموقع، مقابل عمله في الموقع يحصل على 6 دولارات بشكل يومي، ووصل رصيده لـ70 دولار، وانتظر تحقيق قيمة المبلغ الذي رصده ليقوم بسحبه، لكن بعد خمسة وعشرين يوماً أغلق الرابط، ليكتشف أنه وقع ضحية للنصب، حسب ما رواه لنا، شأنه شأن عشرات المستخدمين الذين خسروا أموالهم على ذلك الموقع.
عمليات النصب التي تحصل على تلك المواقع تجري عبر تحويل الرصيد من الموقع إلى المحفظة، وتخزين الرصيد فيها تمهيداً لسحبه، لكن معظم تلك المواقع تقوم بتعطيل عملية التحويل إلى المحفظة تمهيداً لاختلاسها.
تجري عمليات تحويل الأرصدة وسحبها بواسطة عدد من المحلات المخصصة لذلك الغرض، وبحسب أنور اسماعيل، أحد أصحاب تلك المحلات، فإن عملية التحويل تجري من خلال تحويل قيمة المبلغ سواء كان نقاطاً أو مبلغاً مالياً إلى محفظة المشترك، المرتبطة بالإيميل الشخصي له وبالعكس، مقابل خصم أربع دولارات عن كل مئة دولار.
يقول الاسماعيل لفوكس حلب: “تقتصر عملية التحويل على البرامج التي تتعامل بمحافظ آمنة، فهناك العشرات منها لا يمكننا التعامل معها خشية اختلاس المبلغ أثناء عملية التحويل نتيجة تعاملها بمحافظ مشبوهة”.
أصحاب المواقع مجهولي الهوية
أثناء عملية بحث متقدمة أجراها إياد قنديل على غالبية تلك المواقع التي تدّعي العمل منذ سنوات عدة، أكد لنا أن “وجود معظم المواقع في العمل لا يتعدى الأشهر أو السنة، وهو ما يضع عدة إشارات استفهام ويثير الخوف من العمل فيها”.
وأوضح القنديل أنه “فحص غالبية تلك المواقع عبر موقع “SCAMADVISER” المختص؛ وأظهرت نتائج الفحص والتقييم بأنها مواقع ضارة وغير آمنة، فالكثير منها حسب الموقع يتم تقديمها من بلدان شديدة الخطورة، كما أن غالبية أصحابها مجهولي الهوية ويخفون أسماءهم الصريحة على “WHOIS” باستخدام خدمة مدفوعة الأجر ويخاطبون مستخدميهم من خلف اسم مستعار، للنأي بأنفسهم عن أي ملاحقات قانونية”.
يقول القنديل: “موقع يظهر وينتشر بهذه السرعة لا غرابة في اختفائه سريعًا بصحبة أموال المستخدمين، لن يستطيع أحد محاكمتهم، ببساطة لا أحد يعرفهم”.
يغامر سوريون باستثمار مبالغ مالية في مواقع التسويق الإلكترونية، لتحقيق دخل إضافي، متجاهلين مخاطر العمل الذي قد يفقدهم، وبلحظة واحدة، المبالغ التي استثمروها. ولا توجد قوانين تضبط ذلك النوع من عمليات التجارة الإلكترونية، فغالبيتها مجهولة الملكية والموقع، وتفتقر للعقود القانونية الملموسة، وهو ما يعتبر تنصلاً من المسؤولية بشكل صريح عن أموال المستخدمين، وفق عبد الستار السطوف خريج كلية الاقتصاد والعامل في البرامج التسويقية.
والذي قال لفوكس حلب: “عمليات احتيال مشابهة حدثت عبر كثير من المواقع في السنوات الأخيرة، مثل تطبيق “motor money” وتطبيق “fruit money” اللذين أغلقا قبل خمس سنوات، ومجمل تلك المواقع تعمل وفق سياسة تقديم إغراءات مالية لمستخدميها لزيادة أعدادهم ورصيدهم المالي داخل الحساب الخاص بها لتقوم بإغلاق موقعها بعد انتشاره وجمع أكبر عدد ممكن من المشتركين الذين رهنوا أموالهم ضمنه”.
تعتمد تلك المواقع فور انطلاقها في العمل على سيل من الترويج الدعائي لها عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال تجنيد بعض الحسابات المستعارة أو القنوات الدعائية التي تقتصر مهامها على الترويج الدعائي لتلك المواقع، ومن خلال منح إغراءات للمستخدمين، تعفيهم من عمليات الدفع مقابل دعوتهم لعدد من المستخدمين للاشتراك وضمان عملهم به.
يتلخص الترويج الدعائي لتلك المواقع من خلال رحلة بحث قصيرة عن أحد تلك المواقع عبر الإنترنت، والتي دائماً ما تظهر نتائجها ممثلة بعشرات الصفحات أو القنوات التي تقتصر مهامها على تلميع تلك المواقع وإجراءاتها السليمة، وهو ما يكسب المستخدم الثقة بالموقع الذي ينوي العمل به.
أغلب متتبعي تلك المواقع والعاملين فيها رأوا أن كثافة انطلاق عمل تلك التطبيقات بدأ بالظهور مع جائحة كورونا مطلع عام 2020، إذ انتقل عمل بعض الشركات للعمل على الإنترنت من خلال إطلاق عدة برامج، وهو ما استغله بعض الأشخاص أو الشركات لإنشاء مواقع نصب إلكترونية تقوم على كسب المستخدمين بواسطة جملة من المغريات التي تتيحها لمستخدميها، وهو القدرة على تحصيل المبلغ المرصود خلال شهر من إيداعه، بالإضافة إلى بساطة العمل عليها، وجني قيمة أرباح كبيرة بالدولار وهو ما جعلها مقصداً لعشرات الشبان العاطلين عن العمل أملا في تحسين أوضاعهم المادية في وقت قصير.