تعرّضت عشرات المنازل المخالفة في سرمدا للهدم، سواء تلك التي بنيت زمن الثورة أو قبلها، من قبل المجلس المحلي، وعلى نفقة أصحابها الشخصية، دون تعويض. كذلك أخليت الخيام على جانبي الطريق الشرقي، بعد قرار يقضي بنقل المدخل الرئيس للمدينة من الجهة الشمالية التي تحوّلت إلى سوق تجاري مكتظ بالسيارات إلى الجهة الشرقية التي تصل المدينة بباب الهوى، البوابة الحدودية -السورية التركية.
قرار الهدم سيطبق على جميع المنازل المخالفة في هذه المنطقة، وطال حتى اليوم نحو 25 منزلاً، قسم منها هدم بشكل كلي وآخر بشكل جزئي، بما يتوافق مع المخططات التنظيمية للمدينة، بحسب أحمد قباع، رئيس المجلس المحلي في مدينة سرمدا.
لم يفرق القرار بين منازل بنيت قبل الثورة السورية في عام 2011، أو تلك التي بنيت بعدها في ظل غياب الجهات المسؤولة آنذاك، كذلك لم يفرق القرار بين الأشخاص الحاصلين على رخصة بناء وأولئك الذين استغلوا فرصة غياب البلديات لبناء منازلهم دون رخصة.
فقد عمار، صاحب منزل في سرمدا بناه عام 2013، غرفتين من منزله بعد تنفيذ قرار الهدم الصادر بحقه، يقول عمار إنه تلقى إنذاراً بالإخلاء نتيجة تجاوز منزله المخطط التنظيمي على الطريق الرئيس، من قبل المجلس المحلي، وإنه تفاجأ بقرار الهدم بحجة توسعة الطريق وتحويله إلى مدخل للمدينة.
جميع الأبنية التي طالها قرار الهدم في الفترة (بعد عام 2011 وحتى اليوم) هي أبنية مخالفة تجاوز أصحابها على الأملاك العامة وبنيت دون الحصول على رخصة من المجلس المحلي، بما يتوافق مع المخططات التنظيمية في المدينة، بحسب رئيس المجلس المحلي الذي قال إن هذه الأبنية شيدت في زمن الفوضى وغياب السلطة التنفيذية أو بنيت دون علم البلديات السابقة، وإن أصحابها على علم بتجاوزهم للمخطط التنظيمي قبل بنائها، خاصة وأن هذه المخططات ليست جديدة ولم يطرأ عليها تعديلات خلال السنوات الماضية.
طال قرار الهدم، إضافة للمنازل، الخيام التي تنتشر على جانبي الطريق والتي تحولت إلى ما يشبه المخيمات العشوائية، جميعها أزيلت مع بدء تنفيذ التوسعة بعد إبلاغ ساكنيها بضرورة إخلاء الخيام والبحث عن مكان آخر.
تقول أم أيمن، سيدة تسكن خيمة على الطريق منذ سنتين، إن المجلس المحلي طلب منها إخلاء خيمتها والبحث عن مأوى أخرى، دون تحديد وجهة لها أو لأصحاب الخيام ونقلهم إليها.
وتضيف أم أيمن أنها اختارت السكن في هذه الخيام لقربها من المدينة، ولعدم قدرتها على دفع إيجار منزل في ظل ارتفاع الأسعار الكبير الذي تشهده سرمدا، إذ يتراوح إيجار المنازل فيها بين 100 إلى 300 دولار، وهو ما يزيد عن راتب عامل لشهر كامل في إدلب.
لم تقتصر عمليات الهدم والإزالة، على الأبنية التي بنيت بعد عام 2011، لكنها طالت جميع الأبنية المخالفة دون النظر لتاريخ بنائها، أو إن كان أصحابها قد حصلوا على رخصة بناء أم لا.
يقول محمد اليوسف، أحد أصحاب المنازل التي طالها القرار، إنه استخرج رخصة من البلدية قبل البدء ببناء منزله قبل 14 عاماً، لكن ذلك لم يحمه من تنفيذ قرار الهدم الذي قضم ثلث منزله بعد تصنيفه ضمن الأبنية المخالفة.
ويضيف اليوسف “أبلغني المجلس المحلي بقرار الهدم بحجة التعدي على المخطط التنظيمي للمدينة، علماً أني أمتلك رخصة”، وتساءل عن جدوى الرخصة في مثل هذه الحالة إن كانت لا تحمي منزله، وعن السبب في رفض المجلس المحلي تعويضه عن الخسائر التي مني بها؟
وصف رئيس المجلس المحلي رخص البناء التي يمتلكها قسم من أصحاب المنازل المخالفة في سرمدا بـ “المشوهة”، وإنه لا يمكن منح رخصة بناء على أراض مخالفة للمخطط التنظيمي، أياً كانت الجهة التي أصدرتها، مبيناً أنه لا يعلم الطريقة التي حصل بها أصحاب المنازل على الرخصة والتي يمكن أن تكون قد تمت عن طريق “الرشوة”.
وبين المهندس سعيد الأشقر، مدير الادارة المحلية والخدمات في منطقة سرمدا، أن قرار الهدم لا يتعلق بالوقت الذي شيدت فيه تلك الأبنية، فجميع الأبنية التي طالها القرار، سواء التي بنيت قبل أو بعد عام 2011، “متجاوزة على المخطط التنظيمي”.
وأوضح الأشقر، أن التعويض على أصحاب هذه المنازل غير وارد في مثل هذه الحالات، إذ أن المتجاوزين على المخطط التنظيمي يعلمون قبل البدء ببناء منازلهم بمخالفتهم، و تلقوا إنذارات بذلك، وتعهدوا بالإزالة عند الطلب. وتقتصر التعويضات على تسهيلات يمكن تقديمها للمتضررين للبناء من جديد بعد تنفيذ الطريق والتوسعة الموافقة للمخطط التنظيمي، بحسب الإمكانيات المتاحة وبالاتفاق مع الأهالي.
لم يخسر المتضررون من القرار منازلهم أو جزء منها فقط، بل فرض عليهم المجلس المحلي دفع تكلفة الهدم من آليات وعمال، يقول محمد صاحب منزل أدرج اسمه بين الأسماء المخالفة، إن المجلس المحلي أبلغه قبيل عملية الهدم أن تكلفة إزالة المخالفة ستكون على حسابه الخاص، وأعلمه بالمساحة المخالفة التي يجب عليها هدمها بعد تأمين آليات للقيام بذلك.
ويضيف محمد “دفعت 350 دولاراً أجوراً للهدم، وخسرت غرفة في منزلي و الشرفة المطلة عليها إضافة للحديقة، ولم يعد بإمكاني ترميم ما تبقى من منزلي الذي تصدع بشكل كامل بعد تنفيذ الهدم”.
يتهم أصحاب منازل التقيناهم، خاصة ممن يحملون رخصة بناء، المجلس المحلي بتعديل المخططات التنظيمية بما يتناسب مع مشاريع التوسعة الجديدة، وأن المخططات المعمول بها اليوم تختلف عن السابقة التي كانت موجودة أثناء بناء منازلهم. وهو ما يرفضه مدير الإدارة المحلية، والذي أكد “أن المخططات التنظيمية المعمول بها حالياً هي مخططات قديمة، مضى عليها ثلاثة عقود”.
وتحدث الأشقر أن “وزارة الإدارة المحلية تعمل على تعديل المخططات بناء على المخالفات والتجاوزات التي حصلت ولا يمكن إلغاؤها، ويعود قسم منها لعام 1960، وأن الوزارة تتلقى الاعتراضات الدورية وتقوم بإدخال تعديلات ضرورية، وهي إجراءات متبعة في جميع دول العالم، بحسب قوانين التنظيم العمراني”.
ويضيف الأشقر، “يجري حالياً توسعة المخططات التنظيمية لتشمل أراض جديدة تلبية للازدحام السكاني في المدينة وضرورة إيجاد مبان سكنية جديدة، إضافة للمشاريع التجارية الكثيرة في المنطقة”، مؤكداً أن “قرار توسعة مدخل سرمدا جاء من ضمن عدة مشاريع ، تقوم عليها مديرية الإدارة المحلية والخدمات بناء على قرار الوزارة، وأن جميع مشاريع توسعة الطرقات تقوم بجهود حكومية محلية بعيداً عن الدعم الخارجي والمنظمات”.
يدفع المواطنون اليوم ثمن غياب تطبيق القوانين الناظمة للأبنية السكنية وفق المخططات التنظيمية خلال السنوات الماضية، والفوضى التي رافقت ذلك، إضافة لازدهار الحركة العمرانية في المدن الحدودية بعد نزوح مئات آلاف السكان إليها، وتأتي قرارات المجالس المحلية والوزارات المعنية متأخرة بإزالة هذه المخالفات التي دفع أصحابها مبالغ طائلة لبنائها والذين رأوا أن هذه القرارات “جائرة”، وأن على الجهات المسؤولة إيجاد حلول بديلة أو تعويضهم عن خسارتهم، فلا يمكن في أي مكان “تحميل مسؤولية غياب البلديات والفوضى التي رافقت ذلك، للأهالي”، في الوقت الذي تسعى فيه الإدارات الجديدة لتنفيذ القوانين وإزالة المخالفات بما يتناسب مع المخططات التنظيمية الموضوعة سابقاً والتي تضمن تنظيم المدينة وفق أسس عمرانية سليمة.