فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

سوق السيارت في الشمال السوري-فوكس حلب

“خدلك سنتافيه”.. الترانزيت وإغلاق المعابر يقصي السيارات القديمة و”القصة” من الطريق 

محمد جميل

تراجع سعر السيارات في إدلب وأرياف حلب خلال العامين الماضيين، وشهدت أسواقها هبوطاً حاداً أفضى إلى شلل في التجارة التي ازدهرت قبل عام 2020. زادت في ذلك الوقت المكاتب المستوردة […]

تراجع سعر السيارات في إدلب وأرياف حلب خلال العامين الماضيين، وشهدت أسواقها هبوطاً حاداً أفضى إلى شلل في التجارة التي ازدهرت قبل عام 2020. زادت في ذلك الوقت المكاتب المستوردة ومرّت بتغيرات عديدة، وصار بإمكانك مشاهدة أنواع من السيارات لم تكن تراها سابقاً في الشمال السوري، وبأعداد كبيرة.

يرجع تجار سيارات تحدثنا معهم أسباب الهبوط الحاد في السعر والذي قدروه بين 40 إلى 90٪، بحسب نوع السيارة والطلب عليها، إلى عوامل كثيرة أهمها إغلاق المعابر والقرارات الصادرة عن الإدارة الذاتية في مناطق قسد، السوق الرئيسي للتصريف، والسماح بدخول السيارات الأوروبية عبر طرق الترانزيت التركية، وضعف الشراء في السوق المحلية إلا لسيارات من أنواع محددة، فرضت هذه الرغبة على التجار استيراد أنواع محددة وأدت إلى كساد أنواع أخرى وبيعها كقطع تبديل أو بخسارات كبيرة للتخلص منها قبل أن تتحول إلى أكوام من الحديد.

قرارات ومعابر 

قبل أن ندخل في تشريح سيارة الـ “سنتافيه”، النوع الأكثر انتشاراً من السيارات في إدلب، علينا المرور بالقرارات التي رسمت ملامح تجارة السيارات في المنطقة والتغيرات التي طرأت عليها.

سوق السيارت في الشمال السوري-فوكس حلب

بين عامي 2013 و 2015 تطور سوق تجارة السيارات في إدلب مع سماح تركيا بمرور السيارات الأوروبية إلى المنطقة، في هذا الوقت تضاعف عدد مكاتب السيارات في المناطق الحدودية وزاد عدد العاملين والمستثمرين بهذه التجارة الجديدة الرائجة، ساهم في ذلك الفارق السعري الكبير بأسعار السيارات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عنها في المناطق التي تخضع لسيطرته، كذلك عطش السوق في ذلك الوقت لامتلاك سيارات بأنواع مختلفة لم تكن في قواميس الأنواع المتوفرة، كذلك اتساع المناطق الخاضعة للمعارضة السورية ما فتح أسواقاً جديدة امتدت من درعا إلى إدلب ومنها إلى مناطق واسعة شرقي سوريا، بحسب أحمد أبو علي، تاجر سيارات في الشمال السوري.

نهاية عام 2015 أوقفت تركيا السماح بدخول السيارات الأوروبية، ما أجبر التجار على الاتجاه نحو سيارات “القصة” القادمة من مناطق النظام السوري عبر ميناء اللاذقية، هذه السيارات كانت تقص في البلد القادمة منها إلى أقسام، كحيلة للتخلص من الرسوم الباهظة التي يفرضها النظام السوري على استيراد السيارات، ووصولها إلى الشمال السوري حيث يعاد تركيبها من جديد وبيعها في السوق بأسعار مناسبة.

ومع تراجع تركيا عن قرارها بداية عام 2021، وفتح الطريق أمام السيارات المستعملة بالدخول إلى الشمال السوري، وبكميات مفتوحة، خاصة من كوريا الجنوبية، استعاد سوق السيارات ازدهاره، وأقصت السيارات القادمة سيارات “القصة” من المكان، وتحوّل الشمال السوري إلى مركز لبيع السيارات في سوقه الداخلي، أو تصديره إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، ومنها إلى بلدان مجاورة.

لم يدم هذا الازدهار سوى أشهر قليلة، يقول عبدو أبو آدم، تاجر سيارات في سرمدا، إذ أصدرت قسد قراراً في تشرين الثاني 2021، يقضي بوقف استيراد السياحية الأوروبية، والتي تقل سنة صنعها عن عام 2012، إلى مناطقها ابتداء من كانون الثاني 2022. وكانت السيارات قبل هذا القرار، تدخل من تركيا إلى الشمال السوري، ومنها إلى مناطق قسد، بشكل مباشر، عبر تجار ووسطاء ترفيق، أو بشكل غير مباشر، من تركيا إلى تجار السيارات الذين بدورهم يصدرونها إلى مناطق قسد.

سوق السيارت في الشمال السوري-فوكس حلب

سوق كاسدة 

التغيرات والقرارات الأخيرة بمنع التصدير ساهمت في ركود سوق السيارات، يقول تاجر السيارات أحمد هنداوي إن المنطقة تنتظر دخول نحو ألفي سيارة جديدة في الأسابيع المقبلة، تلك الأعداد ستضاف إلى السيارات الموجودة حالياً والتي لم تعد تتسع الطرقات وساحات المكاتب لها، على حد قوله.

ويشرح هنداوي، أن هذه السيارات تأتي من كوريا الجنوبية عبر البحر إلى خليج مرسين في تركيا، ومنها إلى كراجات للسيارات هناك، تبلغ تكلفة وقوفها فيها نحو 300 دولار شهرياً، ما يجبر التجار على إدخالها، حتى مع الكساد الحاصل، تجنباً لدفع المزيد من التكلفة.

“لقد تحولت إدلب إلى مقبرة للسيارات الأوروبية”، يضيف هنداوي الذي يتوقع تراجعاً جديداً في سعر السيارات خلال الأشهر القادمة، ما لم “تفتح معابر التصدير لبيعها خارج المنطقة التي اكتفت من السيارات، خاصة وأن معظم السكان لا يملكون ثمن وقود السيارات فكيف لهم باقتنائها!”

يرى هنداوي وتجار التقيناهم، إن كثرة المستوردين للسيارات دون اتفاق ودون معرفة باحتياج السوق، ترك آثاره السلبية على هذه التجارة، وسحب الموارد المالية من سكان كثر كانوا قد دخلوا في هذه التجارة بما يمتلكونه مع التجار لاستثمارها. ويطالب تجار بإيقاف إدخال السيارات إلى إدلب أو تقليل الأعداد ريثما يتم تصريف السيارات الموجودة حالياً، قبل أن تتحول إلى أكوام من حديد.

سوق السيارت في الشمال السوري-فوكس حلب

“سنتافيه”

يرغب كثير من سكان الشمال السوري باقتناء سيارات سنتافيه ويفضلوها عن غيرها من أنواع السيارات، لارتفاع هيكلها عن الأرض ما يناسب الطرقات المحفرة، بحسب علي حسن صاحب سيارة.

يقول علي: “إن انتشار السيارات لا يعبر عن الوضع الاقتصادي الحقيقي للسكان، فكثير من الزبائن يشتري السيارة للتجارة، وزبائن كثر يعرفهم رَكبّوا على أنفسهم ديوناً لشراء سنتافيه”، ويضيف: “على مستوى القرية التي أقيم بها باع جاري أرضه واشترى سيارة سنتافيه، وفي الشارع الذي أسكن فيه هناك 7 سيارات سنتافيه، الناس تبيع الأرض والذهب وتشتري سنتافيه من باب التقليد والغيرة من بعضهم البعض، بغض النظر عن سعر ومصروف السيارة”.

يقول التاجر أحمد هنداوي: “إن أكثر ما يباع ويشترى من السيارات في الوقت الحالي السيارات، الرخيصة نسبياً، من طرازات سنتافيه (2002-2003-2004-2005) ويضيف: ” إن هذه الأصناف مطلوبة أكثر من من غيرها من الأصناف الأخرى المتوفرة في أسواق الشمال السوري”.

سعر السنتافيه ورخص تكاليف صيانتها أهم أسباب الإقبال عليها، فتغيير طقم إصلاح كامل (مشط مع ترمبة مع حساسات مع بخاخات مع صوباب ضغط) تبديلها جميعها يكلف نحو50 دولاراً فقط، بخلاف أصناف أخرى تكلفة أقل صيانة ترمبة فيها نحو 100 دولار، بحسب أبو أسعد ميكانيكي سيارات، والذي شبَّه السنتافيه اليوم بالدراجة النارية من نوع البارت لرخص ثمنها وانخفاض تكاليف صيانتها.

هذه الميزات التي امتلكتها سيارة سنتافيه حالت دون رخص ثمنها بنسبة كبيرة، إلا أنها خسرت أكثر من 40٪ من ثمنها عنه في العام السابق، يقول ساري سلوم، تاجر سيارات في سرمدا، “خلال هذا العام تراجع سعر السنتافيه إلى نحو 1700 دولار، للسيارات من ذوات الألوان غير المرغوبة مثل الذهبية والقرميدية، بعد أن كانت تباع بنحو 3300 دولار في العام الماضي، ولم يتجاوز 2500 دولار للألوان المرغوبة مثل الفضية والبيضاء،التي كان سعرها يصل لنحو 4000 دولار”.

سوق السيارت في الشمال السوري-فوكس حلب

يتوقع هنداوي إنه، في حال لم يفتح طريق لتصريف هذه السيارات، أن يستمر تراجع الأسعار، يقول: “إن السيارة التي تباع اليوم بـ 2600 دولار سيصبح ثمنها 1700 دولاراً”، ويشير أحمد لسيارات في معرضة من طارزات قديمة، يقول إن الواحدة من هذه السيارات كان سعرها قبل سبعة أشهر1200 دولار، اليوم نبيعها بين 200 إلى 300 دولار كقطع تبديل للفرط فقط، رغم أن محركها لوحده ربما يباع عند الحاجة بـ400 دولار”.

ضعف التنسيق وزيادة أعداد السيارات، إضافة للقرارات الصادرة من مختلف الجهات المسيطرة على المنطقة، ضاعف من عدد السيارات وأدى إلى تراجع أسعارها ما يهدد بخسارة كبيرة للتجار والمستثمرين من خلالهم من جهة، كذلك يظهر عدد الحوادث الكبيرة في إدلب خلال السنة الماضية وحالة الطرق المتهالكة وغياب القرارات من مديريات النقل وتنظيم تجارة السيارة، يظهر كل ذلك ضعفاً في اتخاذ القرارات المناسبة لحل مشكلات التدهور الاقتصادي الذي يطال في كل يوم قطاعاً من القطاعات في الشمال السوري.