في الرابع والعشرين من شباط الجاري، شنّت روسيا حرباً على أوكرانيا، ما تزال مستمرة حتى اللحظة، ورغم التحليلات الاقتصادية والسياسية الكثيرة والتي نقلتها وسائل إعلام دولية وعربية، لكن آثار هذه الحرب ما تزال غير واضحة المعالم حتى هذه اللحظة، خاصة فيما يتعلق بمصادر الطاقة، الغاز والنفط.
رافق إعلان الحرب تكهنات ومخاوف، من قبل سكان شمال غربي سوريا، من انعكاس تأثيرها على حياتهم اليومية فيما يتعلق بالمواد الأساسية عموماً والوقود بشكل خاص، خاصة مع تراجع قيمة الليرة التركية وتوقف الصادرات النفطية الأوكرانية.
تزيد المسافة بين إدلب و أوكرانيا عن ألف وثمانمائة كيلو متر، لكن الأخيرة كانت أهم مصدر للمشتقات النفطية التي تدخل إدلب بعد شرائها من شركات تركية وتوريدها لشركة وتد، أكبر شركات استيراد المشتقات النفطية والغاز في المنطقة.
شركات النفط في إدلب
تستحوذ على استيراد وبيع المحروقات في إدلب ثلاث شركات “وتد، كاف، والشهباء”، وتعد شركة وتد، بدأت عملها مطلع 2018، أكبر هذه الشركات وأقدمها.
عمدت الشركة، في بداية تأسيسها، على تأمين النفط عبر استجرارها للنفط السوري من مناطق قوات سوريا الديمقراطية، ومع العملية العسكرية التي أطلق عليها “غصن الزيتون”، وسيطرة فصائل تابعة للجيش الوطني بدعم تركي على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية وإحدى المناطق التي كانت تتبع لقوات سوريا الديمقراطية، توقف استيراد النفط السوري، وأعلنت وتد عن بدأ استيراد المحروقات الأوربية عبر إبرامها صفقات مع شركات تركية تستجر النفط من أوكرانيا وتنقله عبر الأراضي التركية حتى معبر باب الهوى، قبل أن تستلمه شركة وتد وتوزعه على المراكز التابعة لها والتجار في المنطقة.
وفي نهاية تشرين الثاني عام 2020 افتتحت شركة “كاف التجارية” أولى محطاتها في مدينة سرمدا. كذلك، وفي الثالث من كانون الأول 2020، بدأت شركة الشهباء للبترول أعمالها وأعلنت عن وصول أولى دفعات الغاز والبنزين والمازوت الأوربي إلى مقر الشركة في ريف حلب الغربي.
افتتاح شركتين لاستيراد النفط في فترة زمنية قصيرة، منح أهالي إدلب إحساساً بإمكانية خلق جو من المنافسة ينعكس أثره على الأسعار التي يراها السكان مرتفعة، وانتهاء زمن احتكار وتد لسوق المحروقات، لكن ذلك لم يحدث، إذ اتفقت الشركات الثلاث على نشرة سعرية واحدة دون أي تباين في الأسعار.
غاب اسم الشركتين عن المشهد واستحوذت شركة وتد على الساحة من جديد، إذ توقفت كلتا الشركتين عن النشر على صفحتيهما الرسميتين نهاية 2020، وباتت نشرة الأسعار اليومية تصدر باسم شركة وتد والتي تعتمد على جهتين في استجرار المحروقات، الأولى من الحراقات الموجودة في مناطق ريف حلب الشمالي وتستجر من خلالها المازوت السوري المكرر محلياً، والثانية من الأراضي التركية عبر الشركات التي تستورده من أوكرانيا وينقل بحراً إلى تركيا.
مع بدأ العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا ارتفع سعر البنزين في إدلب، بشكل مباشر، من 92 سنتاً لليتر الواحد إلى 95,7 سنتاً في حين حافظت بقية المواد بما فيها الغاز على أسعارها. “مازوت أوربي 92 سنت، مازوت محسن 66,8 والمازوت المكرر محلياً 50,4 وأسطوانة الغاز ب 12 دولار.
التغير المباشر بسعر البنزين وانخفاض قيمة الليرة التركية خلق حالة من الازدحام على بعض الكازيات لتخوف المواطنين من استمرار ارتفاع الأسعار ثم انقطاع المواد النفطية بالكامل بعد نفاد المخزون واستحالة استجرار البديل من أوكرانيا، خاصة مع استهداف قوات الأسد لمستودعات شركة وتد في بلدة ترمانين بقصف مدفعي في السادس عشر من شباط الجاري، ما أدى لنشوب حرائق ضخمة وبالتالي خسارة جزء من مخزون الشركة.
مع بداية العملية العسكرية أعطت الحكومة الأوكرانية أوامر بتعليق جميع العمليات التجارية في الموانئ البحرية الأوكرانية، ومن خلال رصدنا لحركة السفن البحرية على تطبيق marine radar أظهرت الصور التي ينشرها التطبيق خلو الشواطئ الأوكرانية من أي سفن، ما يعني استحالة استجرار النفط عبر أوكرانيا والاعتماد في الوقت الحالي على مخزون الشركات المحلية ومخزون الشركة التركية التي تزودهم به من المصدر.
وجهنا عدة أسئلة للمكتب الإعلامي لشركة وتد تتمحور حول التخوف من تأثر سوق النفط في سوريا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، لكن المكتب رفض الإجابة وذكر أنهم أوقفوا التصريحات الإعلامية وباتت تلك التصريحات من مهمة مديرية المشتقات النفطية التي تم استحداثها مؤخراً بقرار من رئيس حكومة الإنقاذ علي كدة.
بينما قلل مدير شركة كاف من تأثيرات الحرب الأخيرة على توفر المحروقات في إدلب مؤكداً أن الأثر قد يظهر على الأسعار نتيجة الارتفاع العالمي لسعر النفط.
وقال “إن الواردات النفطية لم تتأثر حتى اللحظة في شمال غربي سوريا، وماتزال الكميات نفسها متوفرة في السوق، وتحدث عن وجود مصادر بديلة عن النفط الأوكراني، بحيث أن الاستجرار يتم من السوق العالمي وليس من السوق الأوكراني فحسب، ولكن من الممكن أن تؤثر هذه الحرب على السوق العالمي للنفط كونه ورقة ضغط كبيرة تستخدم في الحروب السياسية والاقتصادية، ويلاحظ المتابع الارتفاعات التي حصلت في الفترة الماضية والتي حدثت بسبب الاضطراب العالمي السياسي والاقتصادي والعسكري”.
وأضاف بأن “الشركة قادرة على استجرار النفط من أي دولة تقوم بتصدير المشتقات النفطية، شريطة أن تتطابق مع الأسعار والمواصفات التي تناسب الداخل السوري”.
تدخل المحروقات إلى إدلب عبر معبر باب الهوى على شكل قوافل يصل عدد صهاريجها في بعض الأوقات إلى ثلاثين صهريجاً وينخفض في أوقات أخرى إلى خمسة صهاريج ،بحسب حالة السوق، حسب المكتب الإعلامي للمعبر، والذي أكد أن كمية النفط الواردة إلى إدلب لم تتأثر خلال الأيام الماضية ولم تختلف عن الأيام التي سبقت الحرب.
وقالت الحكومة الفرنسية إن وزراء الطاقة الأوروبيين سيعقدون اجتماعاً طارئاً، اليوم الاثنين في بروكسل لبحث قضية ارتفاع أسعار النفط والغاز في أعقاب الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فيما تتصاعد المخاوف من تسبب الحرب في وقف إمدادات الطاقة الروسية نحو أوروبا.