“أول ما وفّي ديوني.. حالف يمين أترك هالمصلحة”، وعدٌ قطعه على نفسه اسماعيل الأفندي، أحد مربي الدواجن بريف إدلب بعدما أن وصل به الحال إلى طريقٍ مسدود، فالتحديات الكبيرة التي تواجهه كغيره من المربين، دفعته لاتخاذ قرار العزوف عن العمل لاحقاً، ما يجعل هذه المهنة التي يزاولها كثر من سكان شمال غربي سوريا في خطر.
تحدياتٌ جمّة وقفت في وجه المربين، كان آخرها تعرّضهم بشكلٍ مباشرٍ لقصفٍ متكررٍ من قبل قوات النظام وروسيا، إذ قُصفت سبع مزارعٍ لتربية الدواجن في الشمال السوري، منذ تاريخ 11 تشرين الثاني 2021 وحتى 5 كانون الأول الحالي 2022.
وقال الدفاع المدني السوري إن القصف الذي طال تلك المزارع، تسبّب بمقتل ثمانية مدنيين، ستةٌ منهم في مدينة معرتمصرين بريف ادلب، واثنين في دارة عزة غربي حلب، إضافةً إلى إصابة 11 شخصاً.
وأشار الدفاع المدني، في بيانٍ له، الى أن استهداف مزارع تربية الدواجن، يُشكل خطراً على الثروة الحيوانية في عموم مناطق شمال غربي سوريا، والتي تعد منتجاتها مصدر دخلٍ لمئات العوائل التي فقدت مصادر رزقها، بسبب التهجير وحرب النظام والروس على المدنيين خلال السنوات العشر السابقة.
عقبات من كلّ حدب وصوب
يواجه مربو الدواجن صعوبات عديدة، أبرزها قلة الطلب وزيادة العرض، ما تسبّب بحدوث فائضٍ في الإنتاج من البيض والفروج، وهذا ما ألحق خسائر كبيرة لدى المربين.
يقول اسماعيل الأفندي، مربي دواجن في كفرتخاريم بريف ادلب: “بدأت الصعوبات منذ عام 2019، حين أُغلقت المعابر مع النظام السوري، وبالتالي أصبحت مناطق الشمال السوري سوق التصريف الوحيدة بالنسبة لنا، ما تسبّب بوجود فائضٍ كبيرٍ في الإنتاج، اضطرّنا للبيع بأقل من سعر التكلفة، خوفاً من نفوق الدواجن”.
ويحتاج الدجاج الى تأمين الدفء له، ما يزيد الأعباء على المربين أيضاً، والذين يستخدمون مدافئ خاصة لتأمين الحرارة المناسبة للدواجن، إضافةً إلى الاعتماد على الفحم الناتج عن مخلفات حرّاقات الوقود كمصدرٍ للتدفئة، ويتراوح سعر الطن الواحد من الفحم ما بين 170-180 دولار.
يضيف الأفندي لموقع فوكس حلب “لتستطيع الدواجن الإنتاج يجب توفير الضوء لها، وتحتاج الدجاجة لـ 21 ساعة لوضع البيضة، وخلال هذه الفترة يجب تأمين الإضاءة لها مدة 17 ساعة يومياً، كما أن الفراخ تحتاج كي تنمو أكثر في مرحلة الحضانة، الى 12 ساعة إضاءة يومياً، لهذا فإننا نقوم بتشغيل المولدات الكهربائية ست ساعات بعد غياب الشمس، وساعة صباحاً لتأمين الإضاءة للدجاج”.
وتابع الأفندي قائلاً: “تزداد فترة تشغيل المولدات شتاءً كون النهار يُصبح أقصر، علماً أننا نحتاج إلى أربع ليترات مازوت في الساعة، تبلغ تكلفتها نحو 3.5 دولار، وتزداد المصاريف بشكلٍ متواصل مع ارتفاع أسعار المحروقات، بسبب تراجع قيمة الليرة التركية، إضافةً إلى تكاليف أخرى نتكبّدها نظراً لأعطال المولدات المتكررة”.
وتتعرّض مناطق الشمال السوري لقصفٍ متكرر يستهدف الأحياء السكنية، فضلاً عن استهداف النظام وروسيا للمداجن في بعض الأحيان، ما يُؤثر بشكلٍ كبير على الدواجن.
يقول عزت غنيم، صاحب مدجنة في معرتمصرين شمالي إدلب: “هناك شروط أساسية يجب أن تتوفر لتساعد الطيور على الإنتاج الجيد، وأبرزها الهدوء وغياب أصوات القصف، لكن هذا الأمر غير متوفر في مناطقنا، مع تكرر عمليات القصف، وهذا يؤدي إلى انخفاض إنتاج الدجاج للبيض بشكلٍ ملحوظ”.
وليصل المربي إلى مرحلة الإنتاج، يحتاج إلى جهدٍ ووقتٍ ومصاريف، يقول عزت غنيم: “نشتري الصوص الواحد اليوم بـ 90 سينت، حيث يكون عمره ساعات، ونبدأ بتقديم الرعاية له، من دفء وإضاءة وعلف وأدوية، ونستمر في رعايته لخمسة أشهر، وخلال هذه الفترة لا يُنتج أبداً، ما يعني أن المربي طوال الـ 150 يوماً يدفع فقط ولا يحصل على أي مردود، وبعد انتهاء فترة الرعاية تبدأ الدجاجة بالإنتاج، وهنا تحتاج إلى نوعية علف مختلفة عن فترة الحضانة”.
خسائر فادحة تدفع البعض لترك المهنة
الصعوبات الكثيرة التي واجهت المربين دفعت بعضهم إلى العزوف عن المهنة، ومنهم حسيب قرقجية، والذي توقف عن العمل، لعدم قدرته على تحمّل المزيد من الخسائر.
يقول قرقجية الذي كان يمتلك مداجن بريف إدلب: “قبل ثلاثة أعوام كنت أملك 50 ألف فرخ، لكن انتشار فيروس كورونا وإغلاق المعابر مع مناطق النظام، سبّب لنا خسائر كبيرة، كوننا اضطررنا للبيع بأقل من التكلفة بسبب الفائض الكبير، حيث بلغت خسارتي 250 ألف دولار، وبعض المربين الذين يمتلكون أعداد كبيرة من الفراخ، وصلت خسارتهم بين 3 إلى 5 ملايين دولار، لهذا قررت ترك هذه المهنة قبل عامين، ويبدو أن العودة للعمل اليوم في ظل غياب الحلول والدعم، أصبح أمراً صعباً”.
“اسماعيل الأفندي” كان أحد المتضررين أيضاً، بسبب العقبات التي واجهها كغيره من المربين، وبدا هذا واضحاً من خلال تراجع أعداد الدواجن لديه، حيث كان يملك قبل عام 2019، نحو270 ألف فرخ ودجاجة، لكن الخسائر الفادحة التي مُني بها والديون المتراكمة، أدت لتناقص أعداد الطيور تدريجياً لديه، الى أن وصل عددها اليوم الى 60 ألف فقط.
أوضح الأفندي أن “مسألة العرض والطلب تؤثر كثيراً على الربح، وتؤدي في بعض الأحيان للخسارة، فقبل أشهر أصبح السوق المحلي متخماً بفائض الإنتاج، لهذا قمنا ببيع صحن البيض بـ 60 سينت، بينما تكلفته الحقيقية 1.90 دولار، كما قمنا ببيع طن الفروج ما بين 900-1300 دولار، علماً أن تكلفته علينا تقدّر بـ 1450 دولاراً، لكن أخيراً زاد الطلب على البيض والفروج، وبالتالي حققنا بعض الربح، حيث قمنا ببيع صحن البيض للموزعين بـ 2.3 دولار، وطن الفروج بـ 1600 دولاراً”.
واشتكى المربون من الأمراض التي أصابت الدواجن، يقول الطبيب البيطري ومربي الدواجن خليل السيد خليل: “إذا تعرّضت الدواجن للبرد أو عدوى فيروسية من طيور مصابة، تكون أكثر عرضة للأمراض كالرشح وإلتهاب الأمعاء، وقد تعاني من التسمم الفطري بسبب سوء نوعية العلف، وهذه الأمراض تُعالج عن طريق المضادات الحيوية أو التحصين باللقاح لمنع الإصابة، وهناك أمراض فيروسية يصعب علاجها، ما يتسبّب في نفوق أعداد من الدجاج”.
المنتج التركي هَم إضافي
يعتبر السوق التركي المصدر الرئيسي للأعلاف والأدوية والمعدات التي يستخدمها المربون في الشمال السوري لتربية الدواجن، لكن العاملين في هذه المهنة اشتكوا من سوء نوعية الأعلاف المستوردة من تركيا وغلاء أسعارها.
يقول غسان الكردي، مربي دواجن في الأتارب بريف حلب: “في السابق كنا نعتمد على الأعلاف المحلية، حيث كانت جودتها وسعرها أفضل، لكن مع توقف تلك المعامل، بدأنا نعتمد على الأعلاف القادمة من تركيا، إلا أنها كانت تفتقد للكثير من العناصر الضرورية لزيادة نمو وإنتاج الدجاج، ولاسيما (مضادات الكوكسيديا)، كما أن رداءة نوعيتها سبّبت بعض الأمراض للدواجن، وأدت الى إضعاف مناعتها”.
وتوجد في الشمال السوري خمس شركات (المراعي، الخير، العوّاد، محمد العيسى، اليمامة)، تعتبر مسؤولةً عن استيراد الأعلاف والأدوية وبيعها لمربي الدواجن، إضافةً إلى شراء إنتاج الفروج منهم.
يقول “عزت غنيم”، صاحب مدجنة في معرتمصرين: إن “الشركات تتحكم بأسعار الأدوية والأعلاف، وتطلب سعراً أكبر من السعر الحقيقي، حيث تبيعنا طن العلف التركي بـ580 دولاراً، بينما سعره في الأسواق التركية نحو 400 دولار، كما أن جميع مستلزمات تربية الدواجن نشتريها من تلك الشركات بالدولار حصراً”.
كذلك يشتكي المربون في شمال غربي سوريا من منافسة الفروج والبيض التركي لمنتجاتهم، إذ يُباع بسعرٍ أقل، ما يجعل الأهالي يُقبلون على شرائه.
وفي محاولةٍ لدعم الإنتاج المحلي، أصدرت “حكومة الإنقاذ” في آب 2020، قراراً بمنع استيراد البيض التركي عبر معبر باب الهوى.
يرى “عزت غنيم”، أن “منع استيراد البيض التركي عبر معبر باب الهوى، لم يكن حلاً فعّالاً لدعم الإنتاج المحلي، ويرجع السبب الى أن البيض والفروج التركي، يدخل من المعابر الحدودية في ريف حلب، وبالتالي يصل من تلك المناطق إلى محافظة إدلب”.
مطالب ملّحة
وسط كثرة التحديات التي تُرهق مربي الدواجن، تعالت أصواتهم مطالبين بإيجاد حلولٍ للحد من تلك العقبات، التي قد تدفع من تبقى يزاول المهنة الى العزوف عنها.
يقول الطبيب البيطري خليل السيد خليل: “يجب ضبط عملية إدخال الصيصان عبر المعبر، بحيث يتم إدخال أعداد تتناسب مع حاجة السوق المحلية تلافياً لحدوث الفائض، بمعنى إذا كانت المنطقة تستوعب 20 ألف فروج يومياً، فيجب السماح بدخول 20 ألف صوص، بحيث يتساوى العرض والطلب، إضافةً الى أهمية تخفيض الضرائب المفروضة على إدخال الصيصان والأعلاف المستوردة من تركيا، والتي تزيد المصاريف على المربين”.
بدوره أكد “اسماعيل الأفندي”، على ضرورة وقف استيراد البيض والفروج التركي في مناطق ريف حلب، والتي تضر بالمربين في إدلب، أو فرض رقابة شديدة لمنع تهريب تلك المنتجات ضمن مناطق الشمال السوري، والتي تؤثر على تصريف المنتج المحلي”، داعياً إلى “أهمية تسعير الأعلاف والأدوية بالليرة التركية كونها العملة المتداولة، بدلاً من الدولار الأميركي”.
في ظل غلاء أسعار العلف المستورد ورداءة جودته، يُناشد المربون بضرورة توفير مخابر تحليل للأعلاف، أو إعادة فتح المعامل المحلية في الداخل السوري، ما يساهم في تأمين أعلاف بسعرٍ أرخص وجودة أفضل، وفي حال عدم تحسين واقع تربية الدواجن وغياب الحلول العاجلة، فإن هذا القطاع قد يتدهور بشكلٍ أكبر، وهذا سينعكس بالسلب على المربين والمواطنين في آن معاً.