ليس اسم (صفة) اسماً لغولٍ أو كائن خرافيّ أو مخلوقٍ فضائي نزل في مدينة حلب، ولكنها خدمة لركن السيارات أطلقها مجلس محافظة حلب، لتخفيف الضغط على مركز المدينة وتخفيف التلوث البيئي بأشكاله كافة، وإتاحة الفرصة للمواطنين من أجل ركن سياراتهم في أماكن محددة إلى جانب الأرصفة، بدلاً من اللف والدوران في الشوارع بحثاً عن موقف مؤقت قريبٍ من وجهتهم.
استثمرت شركة كارتل هذه الخدمة وعتّم إعلامياً من قبل مجلس المحافظة على تفاصيل العقد الممتد لنحو ثماني سنوات، أما المبلغ الذي دُفِع للمجلس فقد تجاوز عتبة ملياري (٢ مليار) ليرة سورية سنوياً، يضاف إليها تكلفة إنشاء المواقف واللافتات والطلاء وأجور العاملين فيها والرشاوى العينية والنقدية.
تستهدف هذه الخدمات عادة بؤر الازدحام والشوارع الرئيسة في المدن، ولكن صفّة لم تترك شارعاً رئيساً بضفتيه، ولا فرعياً ضيقاً بحفره، إلا وأرست فيه لافتاتها وخطوطها الصفراء، وزرعت فيها موظفيها بأجهزتهم الرقمية، لتترك الناس يحارون في إيجاد مكان لسياراتهم أمام بيوتهم، ولكن لكل عقدة حلّال، فالحلول جاهزة عند أصحاب القرار.
عروض من ذهب
من أجل مساعدة المواطنين بحجز أماكن مدللة لسياراتهم حيث شاؤوا، فقد أصدرت الشركة مجموعة عروض معدنية اللون تضفي ألقاً ورونقاً عليها.
يُفتتَح المزادُ بعرضٍ برونزي لركن السيارة لثلاث ساعات متواصلة بقيمة مليون ليرة سورية سنوياً، وعرض فضي لركن السيارة أمام المنزل أو المحل لفترة غير محدودة مقابل مليوني ليرة سورية سنوياً، أما العرض الذهبي فهو بقيمة ثلاثة ملايين ليرة سورية وللسيارة الحرية المطلقة في اختيار المكان والزمان.
وكانت خدمة صفّة قد أصدرت سابقاً تعليمات الوقوف في مواقفها وأجورها، وبمكرمة منها اعتبرت أن خمسة دقائق في حالة التوقف مجانية، والنصف ساعة بـ٣٠٠ ليرة، أما الساعة بقيمة ٥٠٠ ليرة، وتخيل أن مدة الساعتين بـ١٠٠٠ ليرة حسب لوحاتها، وعرض الثلاث ساعات وهو الأجمل فقد تم تسعيره بـ ١٥٠٠ ليرة سورية لا غير تشجيعاً للمواطنين على أخذ راحتهم بالوقوف.
وقد تفضلت أخيراً على السائقين بالسماح لهم بالتوقف أمام الصيدليات وأبواب المشافي لقضاء حوائجهم مجاناً تحت مسمى موقف (لحظة) داعية المواطنين أن يتقوا الله بمواقفها، ولا يطيلوا التوقف ليفسحوا المجال للدراويش الآخرين.
اللافت في لائحة صفّة أن عدد الساعات يقابله تضاعف في السعر دون حسم، تكلفة الساعة والساعتين والثلاثة كغيرها، وعلى المواطن والموظف والعامل والمهني دفع ما يتقاضاه لقاء ركن سيارته، خاصة إن عرفنا أن راتب الموظف لا يتجاوز أربعة آلاف يومياً، وأن متوسط دخل العامل والمهني لا يزيد عن ستة آلاف.
شد الحبل
نتيجة السخط الذي عم الشارع الحلبي، واستطالة ألسنة الصحفيين على هذه الخدمة، سارعت الشركة إلى شراء القطن ودحشه في آذانها، ومن ثَم دعت الصحفيين إلى مؤتمر لها في فندق لوروس لوضعهم في صورة عمل الشركة وأهدافها ونواياها، ولكنها فاجأتهم بمأدبة غداء فاخر، لجمت أفواههم، لتنكمش ألسنتهم، إلا بعضهم طالبوا بمواقف مجانية للصحفيين ونسائهم وأولادهم وأبناء خالاتهم ،على سبيل تسيير عمل الصحافة والصحفيين، لا المصالح الشخصية والعياذ بالله.
ولكني لا أنكر أن بعض الصحفيين رفضوا تناول الطعام وأعلنوا الشجب والتنديد بهذا الأسلوب الرخيص بشراء الضمائر والأقلام الوطنية وبخاصة أنهم لا يملكون سيارات أو أقلام.
في الجهة الأخرى ضجّ الحلبيون على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا العقد، وقالوا إنهم سيواجهون ما يحدث بتفاعلاتهم السلبية مثل (أغضبني) و (أضحكني)، ولاسيما أنهم قد اضطروا لركن سياراتهم بعيداً عن أعين صفّة وزبانيتها، والمشي مسافات طويلة للوصول إلى وجهاتهم، وأعرب أصحاب المحال في الجميلية والعزيزية والمنشية عن غضبهم لأنهم لن يعودوا قادرين على ركن سياراتهم وسيارات نقل البضائع الخاصة بهم أمام محلاتهم، حتى أنهم لم يعودوا قادرين على وضع كرسي أو أصيص زرع أمام المحال والتي كانت تشكل رادعاً قوياً لمن تسوّل له نفسه التعدي على مواقفهم الخاصة.
يبدأ العمل بهذه الآلية عادة اعتباراً من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة أو التاسعة مساء حسب التوقيت الشتوي، وحتى الثامنة مساء حسب التوقيت الصيفي. ما خلا يوم الجمعة وعيدي الفطر والأضحى، فالأماكن متاحة مجاناً لجميع السيارات، وتختلف التوقيتات، حسب التصنيف المناطقي الذي وضعته من خلال رموز بحسب الأبجدية الإنجليزية.
منذ أيام ركنت سيارتي في شارع فرعي بعيدا عن أعين صفّة بجانب الحديقة العامة، لأقضي بعض شؤوني، وما لبثت نصف ساعة حتى رجعت ووجدتها مكبلة العجلة الأمامية، لأبدأ عملية البحث عن الموظف المتواري عن الأنظار، وبعد جولة محيطية في الجوار، وسؤال أحد أصحاب المحال تمكنت من العثور عليه، مع أني التقيته أكثر من مرة ولكني لم أميزه، وبعد جدال وحوار ومناطحة وسباب على الشركة، أحسست بأن لا شيء سينفع إلا أن أنقده ألفي ليرة بسبب ماجنته يداي، وأنهي نقاشنا البيزنطي الذي لا طائل منه.
أكدت صفّة عبر موقعها وصفحتها الرسمية بأن الغاية من وجودها هو خدمة المواطنين وراحتهم من معاناة البحث عن أماكن مناسبة لركن سياراتهم مقابل مبلغ زهيد قياساً بما كان قبل ٢٠١٢، حيث كانت تكلفة ساعة الوقوف تعادل دولارا واحداً، أما الآن فهي لا تتجاوز ١٥ سنتاً، إضافة لفرص العمل الوفيرة التي هيأتها للمواطنين وبرواتب شهرية تتراوح بين ١٥٠ و ٢٠٠ ألف ليرة سورية، إضافة للحوافز والإجازات والتأمينات الصحية والاجتماعية.
والشيء بالشيء يذكر، ففي مدينة حلب حاليا يوجد ثلاثة مرائب لركن السيارات، الأول في بناية الأزبكية والآخر مقابل بناية الأوقاف في حي الجميلية والثالث فوق بنك الشرق في المنشية القديمة، ولايتجاوز الاشتراك الشهري فيها اثنا عشر ألف ليرة سورية.. وقد حذت الوزارات الأخرى حذو وزارة الإدارة المحلية لاستحلاب ضروع أصحاب السيارات من خلال رفع الدعم التمويني عن أصحاب السيارات المصنعة بتاريخ ٢٠٠٨ وما بعد، وتلاها رفع سعر ليتر البنزين المدعوم بنسبة تتجاوز ٣٠٪ بحيث اصبح 1100 ليرة سورية.
وقد وعدت وزارات أخرى بطرح خدمات جديدة مثل خدمة (غصة)وخدمة(عصة) و (قرصة) سعيا منها للحفاظ على الريجيم الحكومي والإسراع بوتيرة الانهيار الاقتصادي والفساد الإداري الذي اصبحسمة للحكومات المتعاقبة في سوريا.
نحن على موعد مع خدمات جديدة بمناسبة العام الجديد وكل (خدمة) والوطن بخير.