يتصدر الفروج (لحم الدجاج) قائمة اللحوم المستخدمة في موائد ربات منازل إدلب ومطاعمها، وتتنوع الوجبات والأطباق التي يدخل في تكوينها. تغزو صور الفروج واجهات المطاعم وقوائم المأكولات السريعة، إضافة لرزنامة ربات المنازل اللواتي حوّرن ملاط أطعمتهن ليتناسب مع ظروفهن الاقتصادية بإدخال الفروج إلى أنواع جديدة من الأطعمة لم تكن يوماً في قاموس مفرداتها.
كيفما اتجهت في أسواق وشوارع المدن الرئيسية تطالعك لافتات لمحلات بيع الفروج الحي، إذ لا يكاد يخلو حي في بلدة أو طريق من إحداها، في قوائم المحلات تجد الفروج بأنواعه المختلفة، الكامل والمقطع، إضافة لكباب الفروج الممزوج بـ “دهن” الغنم للاقتراب من نكهة الكباب بلحم الغنم.
تجارة الفروج الرائجة في إدلب زادت من أعداد المحال التجارية ومورديها من المداجن، قبل أن تؤسس شركات كبيرة تغطي احتياج السوق وتفرض أسعارها.
من مداجن صغيرة إلى شركات كبيرة موردة
اضطر محمد، صاحب واحدة من المداجن المنتشرة في محيط مدينة سلقين بريف إدلب، إلى إغلاق مدجنته بعد منافسة الشركات الكبيرة، يقول إن أصحاب المداجن لم يعد بمقدورها تربية الدجاج وتفقيسه بعد ارتفاع أثمان الصيصان والعلف والدواء والوقود، إضافة لمنافسة الشركات الكبرى والكميات التي تطرحها في السوق بأسعار لا يمكن لهم مجاراتها.
ويضيف محمد أن الصوص الصغير “الفقاس” يحتاج لخمسة وأربعين يوماً ليصبح فروجاً جاهزاً للبيع، بوزن يزيد عن ألف وثمانمائة غراماً، ويحتاج فيها للغذاء والدفء والدواء، ومع الارتفاع في الأسعار تزيد الكلفة على أصحاب المنشآت الصغيرة.
الفترة القصيرة التي يحتاج الصوص قبل أن يصبح جاهزاً للبيع ساهمت في زيادة الاعتماد المحلي على الفروج في الأسواق وتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الفروج لإمداد المحلات به.
يملك محمد محلاً لبيع الفروج في إسقاط إلى جانب مدجنته التي أغلقها، يخبرنا إنه كان يؤمن احتياجات محله من المدجنة ويبيع الفائض عنها إلى المذابح القريبة التي تبيع بدورها إلى المحلات الأخرى، لكنه اليوم يستجر ما يحتاجه من شركة اليمامة التي وصفها بأكبر منتج للفروج في محافظة إدلب، بكل أنواعه الحي والمذبوح والمقطع أيضاً.
أطنان من الفروج بأسعار عالية
للمذابح دور هام في انتشار مادة الفروج المنظف والمقطع، إذ يجلب الدجاج من المداجن بكميات كبيرة، ضمن أقفاص معدة خصيصاً لنقله بواسطة سيارات الشحن، يشرح يوسف تكس، صاحب مذبح للفروج ببلدة غصن الزيتون الواقعة على طريق حارم سلقين، “يذبح الفروج ومن ثم ينتف ريشه بواسطة آلات مجهزة لهذا الغرض، لتأتي عملية تقطيعه إلى أقسام منها الصدر والفخذ والورك والأجنحة، إضافة إلى الكبدة والقوانص التي يتحصل عليها من أحشاء الدجاج”.
ينتج مذبح يوسف كمية تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أطنان يومياً، من الفروج المذبوح، يوزعها على محال بيع المفرق، المنتشرة بين مدينة سلقين وضواحيها، وصولاً إلى مدينة سرمدا في الشرق، هذه الكمية تقدر بنسبة 5% من حاجة السوق المحلية يومياً، يقول يوسف: “تعد منشأتنا صغيرة إذا ما قورنت بشركات كبرى للفروج كاليمامة والمراعي وغيرها، وهي المتحكم الأكبر في كمية الفروج وأسعاره في إدلب”.
يستهلك السوق في إدلب كميات تتراوح بين ثمانين إلى تسعين طناً يومياً من مادة الفروج، بحسب تقديرات أحد المدراء التنفيذين العاملين ضمن واحدة من الشركات الكبرى المختصة بإنتاج الفروج وملحقاته، والذي فضل عدم ذكر اسمه واسم الشركة التي يعمل لها، لأسباب شخصية.
وبحسب المصدر فإن الشركة أوقفت خط إنتاج البيض الملقح في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار في الشمال السوري، واحتمال تعرض مداجن الدجاج البياض للقصف والتدمير، وانتقلت الشركة اليوم لتأمين بيض التفقيس من مؤسسات تركية، ويتم تفقيسه ضمن مفاقس اوتوماتيكية تملكها الشركة، وبعدها ينقل إلى مداجنها للعمل على تسمينه وحضانته مدة شهر ونصف الشهر.
بعد أن يصبح الفرخ جاهزاً للبيع يساق إلى مذابح الشركة ومنها إلى فروعها المنتشرة في أغلب المدن الكبرى في محافظة ادلب. وعن عملية تربية الدواجن وتكلفتها يحدثنا المدير التنفيذي بقوله: “يحتاج الصوص كي ينمو جيداً إلى علف مركز وإشراف طبي ودوائي، وهذا كله تنتجه شركتنا لكنه يخضع أيضا لتبدل سعر المواد الأولية التي يتم جلبها من الأراضي التركية”.
يذكر المصدر أن كل يوم تأخير في بيع الفروج، بعد أن انقضاء مدة الحضانة يعد خسارة للمنتج، بسبب كلفة إطعامه ورعايته الباهظة، دون تطور يطرأ على الفروج من ناحية الوزن، هذا ما يدفع المنتجين لطرح إنتاجهم في السوق دفعة واحدة، ما يسهم في زيادة العرض قياساً على حجم الطلب، وبدوره تنخفض أسعار الفروج في السوق، والعكس صحيح فأي نقص في المادة يؤدي لزيادة الطلب وارتفاع الأسعار.
علاء مسؤول أحد مراكز توزيع الفروج الكبرى في مدينة سلقين، يؤكد على مسألة العرض والطلب ودورها في تحديد سعر الفروج، يصف الأسعار بـ “المقبولة” إذا ما قيست بأسعار اللحوم الحمراء، وهو ما يدفع المواطن للإقبال على شراء الفروج حسب رأيه. يقول علاء: “بأن سعر الطن الواحد للفروج الحي تراوح خلال الشهر العاشر من العام الحالي، بين ألف وأربعمئة إلى ألف سبعمئة دولار”.
تبلغ أسعار الكيلو غرام الواحد للفروج بأنواعه اليوم، وبحسب نشرات الأسعار الموضوعة على واجهات محال بيع الفروج، نحو 15 ليرة تركية للفروج الحي، و17 ل. ت للفخذ والأجنحة، و25 ل ت للكباب والشيش. وهي أسعار مرتفعة بنظر عنتر أحد أبناء بلدة اسقاط، إذ يعادل سعر الكيلو غرام الواحد منه أجرة عامل مياومة ليوم كامل.
تستهلك المطاعم كميات كبيرة من الفروج يومياً، فهي منتشرة على مساحة المحافظة بالكامل، ويختلف استهلاكها بحسب موقعها وإقبال الناس على تناول مأكولاتها، يقدر إبراهيم الذي يعمل محاسباً في مطعم الفصول الأربعة في مدينة سلقين، استهلاك مطعمهم اليومي بأزيد من مئة وخمسين كيلو غراماً. يقول إبراهيم: “يشكل الفروج مادة رئيسية لأصناف كثيرة من المأكولات، منها الكريسبي والسبايسي والمسحب والمشوي والبروستد بالإضافة للمناسف والمندي” ولا يغفل إبراهيم ذكر الشاورما التي تعد من الوجبات السريعة المحببة لدى الكثيرين اليوم.
تفضل أم عبدو الفروج على غيره من المنتجات الحيوانية، فهو إضافة لانخفاض أسعاره قياساً بغيره من اللحوم، يشكل لها حلاً جيداً حين يستعصي عليها اختيار وجبة الغداء لأسرتها، فالفروج بحسب أم عبدو يصنع منه أطباق لا تعد ولا تحصى، مثل الدجاج المسلوق (اليخنة) والكبب المشوية والمقلية، وصواني الفروج مع البطاطا، وأيضا الكبسة الشهيرة ومقلوبة الأرز، وعند انشغالها تلجأ لكباب الفروج والشيش طاووق كحل سريع وسهل التحضير.