توقف عمل شاحنات نقل البضائع ، بشكل شبه كامل، في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بعد صدور قرار يسمح بدخول الشاحنات التركية وإفراغ حمولتها بعيداً عن ساحات المعبر في الداخل السوري، منذ نحو عامين.
تسبب القرار بتوقف السيارات الشاحنة عن العمل، ما عرّضها للتلف والأعطال وفقدان جزء كبير من قيمتها، يقدّره أصحابها بنصف سعرها الحقيقي في الأسواق.
من معيلة إلى عالة
يراقب فواز الأحمد، مهجر من دير الزور، شاحنته مساء كل يوم، يخرج كرسيه لشرب الشاي أمامها، ويستذكر أيام كانت الشاحنة تؤمن له دخلاً جيداً يعيله وعائلات أبنائه الخمسة، وتقدم فرصة عمل لهم جميعاً.
في الأشهر الأولى من القرار الذي حال دون استمرار عمله، حافظ فواز على عادته في الكشف اليومي على شاحنته، يفحص الإطارات وزيت المحرك ومياه المبرد، يطمئن على شاحنته، يقوم بتشغيل المحرك وينصت لصوته لاكتشاف عطل ما. ومع الوقت بدأ اهتمامه يتناقص تدريجياً حتى توقف تماماً، يقول إنه يخشى اكتشاف عطل لا يملك ثمن إصلاحه بعد فقدانه لعمله، خاصة مع ارتفاع أسعار القطع والمواد التي يفترض تبديلها بمرور الزمن، مثل زيت المحرك والإطارات والبطارية.
التوقف الطويل لسيارات الشحن، وغياب الصيانة الدورية لكلفتها المرتفعة زادت من اهتلاكها (فقدان قيمتها) وعرضتها للتآكل، يقول فواز “توقفنا العمل لأزيد من عام من مضى، السيارات أصبحت في حالة رثة، البطارية سحبت من مكانها وأخذت مكانها في المنزل لإضاءة اللدات، الإطارات تشققت وتلفت بتغير عوامل الجو والغبار، وجسم السيارة علاه الصدأ”.
تحولت هذه الشاحنات إلى عالة على أصحابها، يقول فواز إنه عرض مقطورة الشاحنة للبيع والإطارات أيضاً تفادياً لخسارته التي وصفها بـ “الكبيرة، مع الأسعار التي تعرض عليه لشرائها”، هي اليوم أكوام من الحديد بحاجة للإصلاح، ما اضطر قسم من أصحاب الشاحنات لبيعها بنصف سعرها للتخلص من أعباء وجودها، وتأمين قوت عائلاتهم بثمنها لفترة من الزمن. أو تركها في انتظار إيجاد حل يناسبهم ويقلل من خسارتهم.
شاحنات تتنافس على معبر واحد
يعتمد أصحاب الشاحنات في عملهم على نقل البضائع من المعابر الحدودية إلى مختلف مناطق الشمال السوري، وإلى منبج الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث يتم إفراغ البضائع داخل المعابر من السيارات التركية وتحميلها في شاحنات سورية لنقلها إلى التجار، ومع إغلاق المعابر مع مناطق النظام ومناطق سيطرة قسد والسماح للشاحنات التركية في الخامس من آذار 2019 بالعبور من تركيا إلى أرياف حلب وعفرين، وإفراغ حمولتها من البضائع في هذه المناطق، توقف عمل الشاحنات السورية بشكل شبه كلي.
تدخل الشاحنات التركية إلى الأراضي السورية عبر معابر(الراعي في الباب -جرابلس -باب السلامة في إعزاز –الحمام في عفرين) وتتبع هذه المعابر إلى وزارة المالية في الحكومة السورية المؤقتة، ويستثنى معبر باب الهوى في إدلب، ما شكل زيادة كبيرة في عدد الشاحنات التي تنتظر الدور في معبر باب الهوى ، يقول فواز الأحمد: “ننتظر الدور أكثر من عشرة أيام لنقل حمل بضاعة من معبر باب الهوى إلى سرمدا أو الدانا في ريف إدلب الشمالي، وتبلغ أجور نقل الحمولة نحو مائة دولار أمريكي، ومع ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الصيانة أصبح العمل غير مجدٍ مادياً ما دفع كثر من أصحاب الشاحنات لإيقاف العمل”.
ويضيف الأحمد يلغى دور الشاحنات المسجل في معبر باب الهوى عند نقل بضاعة من إدلب إلى عفرين أو ريفي حلب الشمالي والشرقي، ويلزم السائقون بتسجيل جديد ضمن مكتب الدور.
فائدة للتجار وضرر لأصحاب الشاحنات
جهزت معابر جديدة، وطورت القديمة لاستيعاب الحركة التجارية والمدنية بين تركيا وريفي حلب الشمالي والغربي ومنطقة عفرين، حيث افتتح معبر الراعي قرب مدينة الباب (يبعد عنها ٣٠كم) في العام ٢٠١٧، وجهز بساحات كبيرة لاستيعاب عدد كبير من الشاحنات، وكان المعبر الوحيد الذي يسمح فيه بدخول الشاحنات إلى ريف حلب لحين صدور قرار السماح لها بالدخول عبر معبر باب السلامة في شهر آذار عام ٢٠١٩، سهل ذلك القرار من عملية نقل البضائع من المصدر في تركيا إلى التاجر في الشمال السوري، يقول محمد العلي (تاجر في إعزاز) إن الشاحنات التركية وفرت على التجار تكاليف تفريغ و نقل البضائع من الشاحنة التركية إلى شاحنة سورية داخل المعبر، وحافظت على البضاعة من التلف نتيجة عملية النقل المتكررة، و خفضت من أجور سيارات النقل، إذ كنا ندفع مائة دولار أمريكي لقاء نقل البضاعة من المعبر إلى المستودع.
في تصريح لوزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري لموقع عنب بلدي في حزيران الماضي، قال إن قرار السماح للشاحنات التركيّة بالعبور إلى سوريا جاء تلبية لرغبة التجار في الحفاظ على بضائعهم من التلف، وإن الحكومة السورية المؤقتة تدرس مع الجانب التركي إمكانية السماح للشاحنات السورية بالدخول إلى تركيا لنقل البضائع للشمال السوري.
يقول محمد الحمود (مهجر في الشمال السوري صاحب مكتب دور للشحن) إن وقفات احتجاجية أعقبت للقرار أقيمت في إعزاز، والتقى المحتجون برئيس المجلس المحلي في المدينة، دون جدوى.
ويضيف الحمود إن رئيس المجلس المحلي نقل إليهم موافقة الجانب التركي على دخول الشاحنات السورية إلى تركيا لنقل البضائع، شريطة أن تكون الشاحنات بمواصفات معينة (مواصفات أوروبية حديثة).
يرى الحمود أن هذه المواصفات “تعجيزية”، وغير قابلة للتحقيق، معظم الشاحنات الموجودة في المنطقة لا تتطابق مع المواصفات المطلوبة، ويزيد سعر الشاحنة بالمواصفات التي ذكرها رئيس المجلس عن سبعين ألف دولار!
تجددت احتجاجات سائقي شاحنات نقل البضائع أمام معبر باب السلامة في حزيران 2020، لمطالبة السلطات المحلية والتركية بإعادة النظر في قرار السماح للشاحنات التركيّة بالعبور إلى المناطق المحررة، يقول الحمود “القرار السابق كان بحجة خفض تكاليف النقل على التجار ما يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع في المناطق المحررة، لكن الجميع يلاحظ أن هذا القرار لم يساهم بشكل فعلي في خفض الأسعار”، في المقابل “أدى تطبيق القرار إلى حرمان آلاف الأشخاص من مصدر دخلهم الوحيد داخل المعابر سواء من سائقي الشاحنات أو من عمال التحميل الذين كانوا يقومون بنقل البضائع من الشاحنات التركية إلى السورية”.
ويتابع الحمود: بعض الشاحنات لا تزال تعمل داخل المعابر، بشكل جزئي، بنقل البضائع المحمولة إلى مناطق سيطرة “قسد، عبر معبر الحمران بريف مدينة جرابلس، الذي يصل بين مناطق سيطرة “قسد” والجيش الوطني.
عتالة بدون عمل
خسر مئات عمال التحميل مصدر دخلهم جراء توقف عمل الشاحنات في المعابر الحدودية مع تركيا، يقول علي مصطفى، عامل تحميل في معبر باب السلامة، “إيقاف عمل الشاحنات أفقد العتالة مصدر دخلهم. إيجاد فرصة عمل جديدة يكاد يكون مستحيلاً في الشمال السوري. كل يوم أذهب للمعبر بحثاً عن فرصة عمل لنقل البضاعة من شاحنة إلى أخرى ونادراً ما أجد”.
يقدر الحمود، رغم عدم وجود إحصائية دقيقة، أعداد شاحنات النقل في مدينة إعزاز وحدها بنحو ثلاثة آلاف شاحنة، ويقول إنه باع شاحنتين كان يملكهما من نوع “ماز” بمبلغ ٢١ ألف دولار أمريكي، تبلغ قيمتهما الفعلية نحو ستين ألف دولار أمريكي، مرجعاً سبب قبوله بالسعر “الجائر” على حد وصفه، إلى اقتصار عمل الشحن السوري على المناطق المحررة، وندرة طلبات النقل جراء توقف عملها ضمن المعابر على خلفية السماح بدخول الشاحنات التركية إلى المناطق المحررة.
ويبدي فواز الأحمد رغبته بإرسال شاحنته إلى أقاربه في دير الزور، حال تمكن من ذلك، للحفاظ على قيمتها، إذ يبلغ ثمن شاحنته نحو أربعين ألف دولار في مناطق سيطرة النظام، وهو أكثر من ضعف السعر الذي عرض عليه في إعزاز، والذي لم يتجاوز ثمانية عشر ألف دولار.