رفضت أم محمد وهي سيدة سورية تعيش في تركيا طلبات الزواج المبكر التي عرضت على ابنتها والتي لم تنه عامها السادس عشر.
تقول إنها لم تفكر بالموضوع أبداً، ولم تسأل عن حال العريس ولا عمره ولا مهنته، فعمر ابنتها يدفعها لرفض فكرة الزواج بالمطلق مالم تتجاوز ابنتها السن القانوني، فالعادات والأنظمة التركية تختلف عن عادات سوريا، وتفرض الحكومة التركية قوانين صارمة للحد من الزواج المبكر .
ملاحقات قانونية
شددت مؤسسات الدولة التركية في تطبيق قوانين تمنع زواج القاصرات وخاصة في ولاية إسطنبول، ما أدى لامتناع سوريين عن تزويج بناتهن قبل بلوغهن الثامنة عشر وذلك خشية العقوبات التي قد تصل للسجن لمدة ستة عشر عاماً.
ترى أم محمد أن قرارها برفض زواج ابنتها لمياء كان صائباً، فالتجارب التي سمعت بها لعائلات سورية عززت رأيها بأهمية الالتزام بالقانون نظراً لما تعرض له الأزواج المخالفون للقانون من صعوبات، لعدم قدرتهم على تثبيت الزواج لدى الدوائر الحكومية، وتجنبهم مراجعة المشافي أثناء تعرض الزوجة لأي وعكة صحية خشية المساءلة، فضلاً عن تخوف أهل الفتاة من انكشاف أمرهم أثناء عمليات الإحصاء الدورية التي تقوم بها المراكز المعنية باللاجئين السوريين، حيث يركز العاملون بالإحصاء في أسئلتهم على الفتيات بين عمر 15_17 سنة.
أما لمياء فتنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، تعتبر الزواج مسؤولية تفوق طاقتها، كما أنه يمكن أن يقضي على أحلامها في استكمال تحصيلها العلمي وهي ما تزال طالبة في المرحلة الثانوية.
عقوبات صارمة
راجع فاضل، وهو شاب سوري من إدلب، مديرية الهجرة العامة في إسطنبول لتسجيل زواجه رسمياً بعد مضي ثلاث سنوات على الزواج وإنجاب زوجته لطفل.
يقول: “إنه عقد قرانه على يد شيخ “غير قانوني” لأن زوجته كانت قاصراً”، تعرض فاضل لضغوط نفسية ومادية وصفها بالكبيرة في فترة حمل زوجته وولادتها، فقد كان مجبراً على دفع تكاليف العيادات الخاصة والتي أرهقت كاهله لعجزه عن مراجعة المشافي العامة أثناء الحمل حتى لا تكتشف قصة زواجه من قاصر، كما اضطر لإجراء الولادة في مشفى خاص لتجنب المساءلة القانونية إلا أنه تعرض للحجز لدى أمن المشفى ليوم كامل، بسبب مخالفته القوانين وتم إطلاق سراحه بعد أن تأكد الأمن من جهله بالقوانين التركية، لكنه كان مجبراً على تسجيل طفله على قيود والدته نظراً لغياب الأوراق الرسمية التي تؤكد واقعة الزواج.
تنص المادة “124” من القانون التركي المدني على أنه لا يحق للشاب أو الفتاة الزواج قبل أن يتم كل منهما سن الـسابعة عشر، لكن يجوز للقاضي السماح بعقد النكاح للفتاة أو الشاب ممن أتم سن السادسة عشر، في ظروف استثنائية ولسبب مهم، بعد الاستماع إلى ولي الأمر المكلف.
يقول فاضل إنه لم يتمكن من عقد قرانه العام الماضي رغم إتمام زوجته سن السادسة عشر، لأن الموظفين ومكتب المحاماة رفضوا ذلك، بسبب وجود طفل عمره أكثر من عام ما يعني أن الزواج قد تم قبل بلوغها السن المطلوب للزواج.
تراجع حالات الزواج المبكر
لا توجد إحصاءات دقيقة توثق حالات الزواج المبكر بين السوريين بسبب غياب المؤسسات والمنظمات المختصة بمتابعة وكشف عن هذه الحالات، لكن الباحثة الاجتماعية وضحة العثمان “مديرة جمعية رفقاً بالإنسانية”، تقول إن معدلات الزواج المبكر تراجعت خلال النصف الأول من العام الجاري والعام الماضي، مقارنة بالأعوام السابقة.
وترجع العثمان أسباب التراجع لتنامي قناعة اللاجئين السوريين بأنهم موجودين على أراضي دولة يحكمها القانون لا العادات والتقاليد، حيث بدأ الخوف من القانون يطغى على قناعة كثير من السوريين الذين كانوا يعتبرون زواج الفتاة دون الثامنة عشر أمراً عادياً.
كما يعتبر عامل الاستقرار المعيشي والأمان الاقتصادي الذي يعيشه السوريون في تركيا، نتيجة توفر فرص العمل إضافة لتلقيهم الدعم الحكومي، من أهم الأسباب التي تساهم في حماية الفتاة، إضافة إلى عامل الوعي الذي بات يتمتع به اللاجئون، والشباب منهم على وجه الخصوص، حيث بدأت أحلامهم تتجاوز قضية الزواج المبكر ، حسب العثمان.
وترى بحسب متابعاتهم أن الظاهرة ماتزال موجودة لدى الأسر التي تعاني من مشاكل اقتصادية، وتجد بأن زواج الفتيات في سن مبكرة سيخفف عنهم من الأعباء المعيشية بحسب العثمان.
حذر ناشطون ومؤسسات حقوقية من عودة ظاهرة الزواج المبكر بين اللاجئين السوريين في تركيا، خاصة في الولايات الجنوبية، جراء الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي وباء كورونا، وطالبوا بتكثيف حملات التوعية والدعم المادي لتلك العائلات.