بدأت منظمات إنسانية وبالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتبديل خيام نازحين بـ مساكن مسبقة الصنع في شمال غربي سوريا، في خطوة لتحسين الواقع الحياتي للنازحين الذين وجدوا أن أيامهم ممكن أن تطول لسنوات داخل خيام لا تمنحهم أدنى درجات الخصوصية، كما لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، ولا تمنع عنهم الحشرات والقوارض، يقول من تحدثنا معهم إن تلك المساكن أمنت لهم بعض الاستقرار والأمان الذي قد فقدوه طوال فترة نزوحهم.
بداية بسبعة آلاف مسكن
يقول أنطون كمرجان مسؤول التواصل في مؤسسة بتر شيلتر “ملجأ أفضل” إنهم أرسلوا سبعة آلاف مسكن إلى الشمال السوري ، صنعت المساكن في أوربا ونقلت إلى تركيا ومنها إلى الشمال السوري حيث أعيد تركيبها.
أشرف على تنفيذ المشروع فريق من المهندسين والخبراء التابعين للمؤسسة قدموا المساعدة للمنظمات الشريكة بما يتعلق بالتخطيط وسرعة التنفيذ.
انتهت منظمة مرام من إنشاء 1367 وحدة سكنية، في مخيم “احتيملات” في ريف حلب الشمالي، إضافة لأربعمائة مسكن في الشيخ بحر شمال إدلب، و1133مسكناً في كفر جالس، بحسب عمر البكور المسؤول الإعلامي للمنظمة .
ويقول البكور إنهم “اختاروا العائلات الأشد فقراً، كالتي لا تملك معيل أو تضم بين أفرادها أشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو مسنين غير قادرين على العمل، أو العائلات الكبيرة، وذلك من مخيمات عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، إذ تم رصدها بعد تعرضها لكوارث الفيضانات وغرق الخيام”.
بينما تولت منظمة وطن إنشاء ثلاثة آلاف ومئة وحدة سكنية في كفر جالس، وقد توافد النازحون إليه بنسبة 80% حتى الآن، و ستمائة وحدة أخرى في منطقة “عريبا” التابعة لحارم في ريف إدلب، بحسب سعيد عمار المسؤول الإعلامي في المنظمة.
يقول سعيد تم بناء المساكن الجديدة على أراض مشاع بعد اتفاقيات مع المجالس والمؤسسات الحكومية في إدلب، كما أمنت المنظمة المبالغ اللازمة لشراء المنازل ونقلها إلى الداخل، من المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين وعدد من المنظمات الأوروبية المانحة، وصندوق الدعم التابع للمنظمة والذي يعتمد على أموال المتبرّعين.
كما ساهمت بعض المنظمات بإنشاء مساكن مسبقة الصنع المؤقتة، كمخيم جمعية عطاء في جرابلس بريف حلب ويضم مئة واثنين وثمانين مسكناً، و سلمت منظمة بنيان ثمانية وأربعين وحدة جاهزة للسكن في منطقة عفرين.
ويقول أنطون كمرجان: “إن وضع النازحين كارثي، فقد تسببت الفيضانات والعواصف مؤخراً بتلف خمسة وعشرين ألف خيمة في غضون أيام، وتشريد مئة واثنين وأربعين ألف نازح، بينما ستضمن المساكن المؤقتة إيواء ثلاثين ألف نازح ما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجه المنظمات الإنسانية”.
بيت النزوح لا يدوم
يقيم مصطفى العسكر وهو مهجر من قرية بليون في أحد البيوت مسبقة الصنع التي تم تجهيزها في منطقة الشيخ بحر، يقول إن الفرق شاسع بين الخيمة ومسكنه الجديد “على الأقل يمكنني إغلاق باب منزلي بقفل معدني وهو ما منحني خصوصية وأمان كنت أفتقدهما في الخيمة”.
وصف العسكر البنية التحتية في مخيمه الجديد بالجيدة من حيث توفر المياه، وتعبئة الخزانات التي توضع فوق كتلة دورة ثلاث مرات أسبوعياً، كذلك الطرقات المرصوفة وشبكة صرف صحي وأعمدة إنارة في شوارع المخيم، إلى جانب ذلك وجود بوابة وحرس وسور للمخيم ما يمنح مزيداً من الأمان.
يخبرنا العسكر أن المساكن الجديدة لا تخلو من العيوب ويعتبر فرش أرضيتها بالبحص الناعم وتغطيتها بشادر عازل للرطوبة لم تحمي أقدامهم من الحصى، ومن الضروري فرشها بالإسمنت الذي اقتصر استعماله على قواعد التثبيت التي وضع عليها المنزل.
بينما يقول سعيد عمار إنّ تجهيز الأرضية بهذا الشكل هو أحد شروط الاتفاق الموقّعة مع حكومة الإنقاذ، كيلا تتحول تلك المنازل مع الأيام إلى قواعد لبناء بيوت اسمنتية يستملكها النازحون.
أم عيسى سيدة من ريف حماه خبرت النزوح مرات عديدة وانتهى بها المطاف مع زوجها وأولادها الأربعة في مخيم (احتيملات)، تقول إن هذه المسكن بات حلماً يراود كثيراً من النازحين، فوجود حمام مستقل جانب الوحدة السكنية يغنيك عن كتلة دورات المياه المشتركة كما كان الحال في مخيمها السابق، وهو ما منحها راحة وطمأنينة على حد قولها.
ترى أم عيسى أن إحدى سلبيات البيوت أنها مؤقتة لثلاث سنوات فقط،”لا نعرف ما القادم، سيعطوننا غيرها، أم سننزح من جديد”. إلى جانب ذلك جاءت الوحدات السكنية بأحجام واحدة، إذ لم يراعى وجود عائلات كبيرة، لكن في الوقت ذاته يخبرنا عمر البكور أنه يتم منح وحدتين متجاورتين للأسرة التي يفوق عدد أفرادها الخمسة، وهنا ترى أم عيسى أنّ هذا الأمر جيد لكن قدرات النازحين المادية لا تمكنهم من شراء أغراض وحاجيات لبيت آخر.
بيوت بملامح واحدة
إنها أفضل من الخيمة بكثير وأقل من المنزل الذي كنت أعيش فيه، يقول مصطفى وهو يشير بيده إلى منزله الجديد، أو ما يسميه النازحون في مخيمه، “خيمة محسّنة، كرفانة، براكية، بيت جاهز، مسبق الصنع، خيمة كاوتشوك”.
تتشابه جميع الـ مساكن مسبقة الصنع من حيث الشكل الخارجي، جدرانها بلون أقرب للون الزبدة، وسقفها هرمي بلون السماء، تبلغ مساحة المنزل الواحد 17.5 متر مربّع، مخصص لخمسة أشخاص كحد أقصى، ويمتاز بكونه أكثر متانة وتحمّلاً للعوامل المناخية، السقف والجداران يمنعان دخول مياه الأمطار، وله أربع نوافذ وأربع فتحات تهوية إلى جانبي سقفه مما يزيد التهوية داخله، بحسب من تحدّثنا معهم.
يصنع الهيكل الذي يحمل المنزل من الحديد الصلب، والذي يمنح الوحدة السكنية المتانة والقدرة على تحمل الرياح العاصفة بسرعة 101 كم في الساعة، كما تصنع الجدران والسقف من مواد خاصة تم تطويرها في المختبر خصيصاً لغرض الوحدات السكنية المؤقتة وهي عبارة عن جدار متعدد الطبقات، حيث الطبقة الخارجية مادة طاردة لتزيد من عزل الوحدة السكنية، والطبقة الثانية مصنعة من طبقة عازلة للضوء والأشعة فوق البنفسجية لحماية المقيم من الأشعة الشمسية الضارة، والطبقة الأخيرة مصنوعة من شبكة تشعبية لزيادة ثبات المسكن المؤقت، بحسب مرجان.
يضيف “الباب مصنوع من البلاستيك الخاص الذي لا يتمدد بالحرارة، وتم اختيار المواد لتوفير ثبات عالي مقارنة بوزنه الخفيف، والقفل مصنوع من الحديد الصلب وذلك أيضا لزيادة الخصوصية والحماية”
تتحمل هذه المادة حرارة عالية لتخفيف خطر الحرائق، كما يتم خلط مادة مقاومة للحريق مع المادة التي تصنع منها الجدران والسقف لزيادة الحماية في حال حدوث حريق، ما يمنح وقتاً للساكنين لمغادرتها”.
يتم تثبيت الوحدة على الأرض، عبر أوتاد متينة، وعلى أرضية باطون عبر ستة عشر برغي يثبت الوحدة السكنية من زواياها الأربعة، كي تبقى مقاومة للرياح وللعوامل المناخية الأخرى، وخلال فترة أقصاها ست ساعات يستطيع فريق مكون من أربعة أفراد من تركيب وحدة بالكامل.
زوّدت كل وحدة من الـ مساكن مسبقة الصنع بلوح طاقة شمسية، ومصباح محمول داخل البيت ومخارج تستعمل لشحن أجهزة الجوال وأي جهاز آخر عبر usb.
تبدو المنازل بأحجامها الصغيرة، والمصنوعة من الحديد والبلاستيك ومواد أخرى حلماً لكثير من النازحين الذين تحدّثنا معهم، تخبرنا أم عيسى” صفة النزوح التي تجمعنا تجعل بيوتنا متشابهة من الشكل الخارجي، عكس بيوتنا القديمة إذ كان لكل منزل تصميمه الفريد، ونمط بناء يحاكي ذوق صاحبه. وعلى الضفة الأخرى يكرر أهل الخيام عبارة ” الله يفرجها علينا ويريحنا من حياة الخيام” ومنهم أبو موسى نازح من مدينة كفرنبل والذي يأمل باقتراب دوره لاستلام مسكن مؤقت في كفر جالس.